التحويلات المالية… رافعة تنمية مهددة بالتراجع في 2024

سوليكا علاء الدين

توقع أحدث موجز للبنك الدولي عن الهجرة والتنمية تراجع نمو التحويلات المالية إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في العام 2023 إلى 3.8 في المئة، بانخفاض عن النمو الذي تحقق في العامين الأخيرين. ويُثير هذا الانخفاض مخاوف بشأن احتمال تراجع الدخل الحقيقي للمهاجرين عام 2024، في ظل استمرار التضخم العالمي وتراجع آفاق النمو. وقدّم الموجز الذي جاء تحت عنوان “الاستفادة من أموال المغتربين من أجل تعبئة رأس المال الخاص”، معلومات محدثة عن تدفقات الهجرة والتحويلات المالية، فضلاً عن التطورات الملحوظة في السياسات في مجال الهجرة الدولية والتنمية.

تحديات العام 2024

أشار التقرير إلى أنّ تدفقات التحويلات إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بلغت في العام 2023 ما يقدّر بنحو 669 مليار دولار، بحيث تواصل أسواق العمل القادرة على الصمود في مواجهة الصدمات في بلدان الاقتصادات المتقدمة ودول مجلس التعاون الخليجي دعم قدرة المهاجرين على إرسال الأموال إلى أوطانهم.

وبقيت الولايات المتحدة أكبر مصدر للتحويلات، ومن المتوقع أن تتلقى الهند أكبر قدر من التحويلات في العام 2023، بحيث سيصل إجمالي التحويلات إليها إلى 125 مليار دولار. وتأتي المكسيك في المرتبة الثانية بـ 67 مليار دولار، تليها الصين (50 مليار دولار)، والفلبين (40 مليار دولار) ومصر (24 مليار دولار). وتشكل تدفقات التحويلات نسبةً كبيرة من إجمالي الناتج المحلي في بعض الاقتصادات، ما يبرز أهمية هذه التدفقات في تمويل عجز الحساب الجاري والموازنة العامة. ومن بين هذه الاقتصادات طاجيكستان (48 في المئة)، وتونغا (41 في المئة)، وساموا (32 في المئة)، ولبنان (28 في المئة) ونيكاراغوا (27 في المئة).

وبناءً على مسار ضعف النشاط الاقتصادي العالمي، من المتوقع – وفق التقرير – أن ينخفض نمو التحويلات إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل إلى 3.1 في المئة في العام 2024. ويرجع ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وإمكان تراجع أسواق العمل في العديد من البلدان مرتفعة الدخل، فضلاً عن وجود مخاطر أخرى مُحتملة مثل تقلبات أسعار النفط وأسعار صرف العملات، وتراجع اقتصادي أكبر من المتوقع في البلدان ذات الدخل المرتفع. 

نمو عالمي وتراجع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وفي ما يتعلّق بالاتجاهات الاقليمية للتحويلات المالية، التي شهدت انخفاضاً بنسبة 4.5 في المئة في العام 2022، من المتوقع أن تزيد التحويلات إلى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ بنسبة تقدّر بنحو 3 في المئة لتصل إلى 133 مليار دولار في العام 2023. كما من المتوقع أن ترتفع تدفقات التحويلات إلى منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي بنسبة 8 في المئة لتصل إلى 156 مليار دولار في العام 2023. كذلك أشارت التقديرات إلى أن تدفقات التحويلات إلى منطقة جنوب آسيا ارتفعت بنسبة 7.2 في المئة في العام 2023 لتصل إلى 189 مليار دولار مقارنة بأكثر من 12 في المئة في العام 2022. ومن المرجّح أيضاً، أن تزيد تدفقات التحويلات إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 1.9 في المئة في العام 2023 لتصل إلى 54 مليار دولار.

في موازاة ذلك، رجّحت التقديرات انخفاض تدفقات التحويلات إلى أوروبا وآسيا الوسطى بنسبة 1.4 في المئة لتصل إلى 78 مليار دولار في العام 2023. كما من المتوقع أن تنخفض هذه التحويلات أيضاً إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرة أخرى بنسبة 5.3 في المئة لتصل إلى 61 مليار دولار في العام 2023، ويعود الضعف في هذا العام بصورة رئيسة إلى الانخفاض الحاد في التدفقات إلى جمهورية مصر العربية، وهي أكبر متلقٍ في المنطقة حتى الآن، إذ من المرجح أن يتم توجيه التحويلات إلى البلاد عبر قنوات غير رسمية، ما يعكس الفجوة الواسعة بين أسواق الصرف الأجنبي الرسمية والموازية. ويرتبط الضعف الحالي أيضاً جزئياً بتباطؤ التحويلات المالية الخارجية من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، وهو ما يرتبط ببعض التصحيح من التشوهات المرتبطة بالجائحة.

آفاق متباينة لدول المنطقة

من المتوقع أن تنخفض التدفقات إلى الأردن ولبنان وتونس كانعكاس لضعف النمو الاقتصادي في منطقة اليورو ومصدر التحويلات الرئيس. وفي المقابل، من المرجح أن تصل التحويلات المالية إلى المغرب إلى مستوى قياسي مرتفع آخر، ما يسلط الضوء على تأثير الزلزال على تحويلات المغتربين في البلاد. كما ستتأثر آفاق التحويلات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالأوضاع الصعبة التي تواجه البلدان المستوردة للنفط مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس. وقد تؤدي الآفاق الاقليمية غير المؤكدة في خضم الصراع الدائر في المنطقة إلى ارتفاع العجز المالي، وعجز الحساب الجاري وإضعاف الاستقرار السياسي. وفي المقابل، ستستفيد البلدان المصدرة للنفط، مثل العراق والجزائر، من ارتفاع أسعار النفط والغاز. وسوف تخضع القوى العاملة في الخارج لضغوط متضاربة بين الرغبة في مساعدة أسرها في الوطن في الأوقات الصعبة مقابل الانخفاضات المتوقعة في الأجور الحقيقية. وفي الاجمال، توقّع التقرير زيادة معتدلة بنسبة 2.1 في المئة في تدفقات التحويلات في العام 2024.

وقد أظهر التقرير اقتصادات المنطقة التي تشكل فيها إيرادات التحويلات نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي وهي لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة والأردن. وفي لبنان، تمثل إيرادات التحويلات 27.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي وأكثر من 80 في المئة من إجمالي تدفقات الموارد الخارجية (مجموع التحويلات والاستثمار الأجنبي المباشر والمساعدة الانمائية الرسمية)، ما يسلط الضوء على أهمية تأثير المغتربين اللبنانيين على الاقتصاد. مع الاشارة إلى أنّ اقتصاد لبنان لا يزال الأكثر ضعفاً في المنطقة حيث تعاني البلاد من انخفاض حاد في قيمة العملة الوطنية، بالاضافة إلى أزمة إعادة هيكلة الديون والتضخم المفرط من دون القيام بأي إصلاحات. أمّا في الأردن، فمن المرجح أن ترتفع التحويلات المالية بصورة طفيفة إلى 4.9 مليار دولار في العام 2023، وهو ما يمثل 9.9 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد. وقد بلغت تحويلات المغتربين في الأردن 2.6 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2023، مرتفعة بنسبة 0.9 في المئة عن الفترة نفسها من العام 2022.

التحويلات المالية للبنان لا تكفي

وفي سياق متّصل، رأى المرصد الاقتصادي للبنان الصادر عن البنك الدولي أن التدفق الكبير للتحويلات النقدية شكل “شبكة أمان اجتماعي” في لبنان، موضحاً أن التحويلات المالية من المغتربين اللبنانيين، التي تمثل شريان الحياة للبنان منذ وقت طويل، ساهمت في تأمين الحاجات الأساسية للسكان، مثل الرعاية الصحية والتعليم، كما ساعدت في تعويض الخسائر التي لحقت بقدرة السكان الشرائية.

وبحسب البنك الدولي، بلغ متوسط التحويلات الواردة إلى البلاد خلال الفترة من 2009 إلى 2018 نحو 3450 مليون دولار، أو ما يعادل 14.2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وخلال الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في العام 2019، ارتفعت التحويلات بصورة كبيرة، بحيث بلغت قيمتها خلال الفترة من 2019 إلى 2022 نحو 6346 مليون دولار، أو ما يعادل 22.3 في المئة من ناتجه المحلي. وفي العام 2022 وحده، استقبل لبنان تحويلات بما يعادل 29.9 في المئة من الناتج، ما جعله ثالث أكبر متلقٍ للتحويلات عالمياً كنسبة من الناتج. وجاءت التحويلات من السعودية في المرتبة الأولى، بحيث بلغت 1.1 مليار دولار في العام 2021، تليها التحويلات من مغتربي الولايات المتحدة بقيمة 1.1 مليار دولار، ثم التحويلات من أستراليا وكندا بقيمة 600 مليون دولار لكل منهما، وأخيراً التحويلات من ألمانيا بقيمة 590 مليون دولار.

ومع ذلك، شدد البنك الدولي على أن التحويلات وحدها لا تكفي لتلبية احتياجات لبنان من التمويل الخارجي. وفي غياب مصادر تمويل أخرى، فقد يتطلب العجز المزدوج في الحساب الجاري وحساب المالية العامة المزيد من عمليات السحب من احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية. ومن المرجح أن تؤدي الظروف الصعبة إلى تدهور الاقتصادين اللبناني والسوري أكثر وأكثر.

دعم حيوي للاقتصاد العالمي

تلعب التحويلات المالية دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، كما أنها تُعدّ أحد أهم مصادر تدفقات رأس المال إلى البلدان النامية. فهي تُمثّل دعماً حيوياً ورئيساً لصالح دخل الأسر المستفيدة ويساعدها على بناء قدرتها على الصمود والتغلب على الصعوبات الاقتصادية. كما تُساهم في تعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي، والحد من الفقر وتحسين الرفاه الاجتماعي، فضلاً عن التخفيف من آثار الصدمات الاقتصادية والمالية وتبعات الكوارث الطبيعية.

ونظراً الى أهمية التحويلات المالية، فقد التزم المجتمع الدولي بزيادة حجمها وخفض تكاليفها. ويُعد خفض تكلفة التحويل إلى 3 في المئة بحلول العام 2030 من بين الأهداف العالمية التي تم وضعها على طاولة التنفيذ. وقد تعهّد المجتمع الدولي بزيادة التحويلات المالية إلى ملايين الفقراء والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم، نظراً الى الدور الحاسم الذي تلعبه في دعم اقتصادات البلدان النامية، وتحديداً في الظروف التي تكون في أمس الحاجة إليها؛ إذ إن الاعتراف بأهمية التحويلات المالية وتطبيق الاجراءات الميسّرة لتدفقها يعزز دورها في تحقيق النمو والتنمية المستدامة.

شارك المقال