السعودية تُودع العام 2023 بثورة اقتصادية طموحة

هدى علاء الدين

شهد الاقتصاد السعودي في العام 2023 سلسة من التحولات الكبيرة، بحيث واصلت المملكة جهودها لتحويل اقتصادها من اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد متنوع يعتمد على القطاعات غير النفطية، مثل قطاع الخدمات والصناعة والتجارة والنقل والخدمات اللوجيستية.

وعلى مدى اثني عشر شهراً، قادت المملكة ثروة اقتصادية طموحة، بما في ذلك توجيه الاستثمارات، وتطوير البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار، وتعزيز القطاع الخاص، بهدف تعزيز الاستدامة والمرونة في النمو الاقتصادي.

 النمو الاقتصادي القوي

بحسب تقرير اتحاد الغرف السعودية، بلغ الناتج المحلي الاجمالي للمملكة 4.155 تريليون ريال، ليتجاوز للمرة الأولى سقف التريليون دولار، وينضم عالمياً إلى نادي الاقتصادات التريليونية. كما حقق معدل نمو 8.7 في المئة وهو الأعلى في دول مجموعة العشرين. كذلك انخفض معدل البطالة لاجمالي السعوديين وبلغ 8.3 في المئة.

وواصلت شركة “أرامكو” تحقيق أرباح قوية مع تقدم في إستراتيجية النمو، وبلغ صافي الدخل 122.2 مليار ريال سعودي (32.6 مليار دولار أميركي) في الربع الثالث من العام الجاري.

القطاعات غير النفطية

حقق الاقتصاد غير النفطي أسرع نمو للوظائف خلال 9 سنوات في تشرين الأول الماضي، في حين بلغ الناتج المحلي لأنشطة قطاعات البرنامج الوطني لتطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية “ندلب”، 345 مليار ريال (91.9 مليار دولار). وبحسب البنك الدولي، خففت القطاعات غير النفطية من حدّة الانكماش، بفضل نموها بنسبة 4.3 في المئة، مدعومة بسياسة مالية أكثر مرونة، واستهلاك خاص قوي، وتعزيز الاستثمارات العامة.

الاقتصاد الرقمي

تجاوز الاقتصاد الرقمي الـ 100 مليار دولار، وفقاً لتقرير الاقتصاد الرقمي لآسيا 2023، في حين استقطبت المملكة استثمارات بمقدار 16 مليار ريال (4.4 مليارات دولار) في مجال الحوسبة السحابية من كبرى الشركات العالمية.

 القطاعات الواعدة

بهدف تطوير بنية تحتية مستدامة لدعم أربعة قطاعات واعدة تشمل الثقافة، السياحة، الترفيه والرياضة، وبناء شراكات استراتيجية لتعظيم الأثر في القطاعات المستهدفة وزيادة فرص جذب الاستثمارات الخارجية، تم إطلاق صندوق الفعاليات الاستثماري برأسمال استثماري 14 مليار ريال. كما دخل نظام الشركات الجديد في السعودية حيز التنفيذ اعتباراً من مطلع العام 2023، بحيث تضمن السماح بتجزئة القيمة الاسمية للأسهم.

السياسة النفطية

في 30 تشرين الثاني 2023، اتفق أعضاء مجموعة “أوبك+” على تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط حتى نهاية العام 2024، مع خفض الانتاج بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً. وبذلك، سيبلغ الانتاج المستهدف للدول الأعضاء في التحالف 40.5 مليون برميل يومياً خلال العام المقبل. وبالاضافة إلى اتفاق “أوبك+”، أعلنت السعودية تمديد خفضها الطوعي البالغ 500 ألف برميل يومياً، والذي كان مقرراً أن ينتهي في نهاية العام 2023. كما أعلنت المملكة تنفيذ تخفيض طوعي إضافي، مقداره مليون برميل يومياً حتى نهاية شهر كانون الأول 2024. كما انضمت السعودية إلى مجموعة البريكس التي تضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، إلى جانب الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والامارات.

الموزانة العامة

ركزت الموازنة العامة للعام المالي 2024، على العمل على تعزيز القطاعات غير النفطية، وذلك من خلال زيادة الانفاق على هذه القطاعات، ودعم المبادرات التي تستهدف تنويع الاقتصاد السعودي والتي يتوقع أن تساهم في رفع نمو الناتج المحلي الاجمالي للمملكة إلى 4.4 في المئة العام المقبل. وقدرت الموازنة الايرادات بـ1.172 تريليون ريال (312.5 مليار دولار)، والنفقات بـ1.251 تريليون ريال (333.6 مليار دولار)، وبعجز محدود عند 79 مليار ريال (21 مليار دولار)، يرجع إلى استمرار التزام المملكة بدعم النمو الاقتصادي، وتعزيز القطاعات غير النفطية، وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية للمواطنين.

السوق المالية

أعيد تشكيل مجلس هيئة السوق المالية السعودية في إطار جهود المملكة لتطوير السوق المالية وتنظيمها، وتعزيز دورها في دعم الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. وواصلت السعودية تقدمها في مؤشرات التنافسية المرتبطة بالسوق المالية، محققة المركز الثالث بين الدول الأكثر تنافسية على مستوى دول العشرين(G20) ، وفقاً للكتاب السنوي للتنافسية العالمية الصادر عن مركز التنافسية التابع لمعهد التنمية الادارية لعام 2023. وجاء تقدم المملكة في هذه المؤشرات نتيجة للجهود التي بذلتها منظومة السوق المالية خلال الفترة الماضية لتطوير قطاع السوق المالية وتعزيزه وجعله أكثر تنافسية.

صندوق الاستثمارات العامة

وفي إطار محاولات المملكة لتنويع اقتصادها وترويج السياحة، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة شركة “طيران الرياض”، الناقل الجوي الوطني الجديد، الذي يمتلك فيها حصة أغلبية في الشركة، والتي ستبدأ عملياتها التجارية عام 2025. وبحسب معهد التمويل الدولي، يواصل الاقتصاد السعودي الافادة من تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة، التي يتم تمويلها إلى حد بعيد من صندوق الاستثمارات العامة الذي أبرم هذا العام العديد من الاتفاقيات العالمية والمحلية أبرزها نقل 4 في المئة من ملكية المملكة في “أرامكو” لـ “سنابل للاستثمار” استكمالاً لمبادرات المملكة الهادفة الى تعزيز الاقتصاد الوطني على المدى الطويل، وتنويع موارده، وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية، بما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، بالاضافة إلى اتفاقية مع “هيونداي” لإنشاء مصنع جديد للسيارات في المملكة بقيمة 1.8 مليار ريال، بحيث ستكون شريكاً تكنولوجياً استراتيجياً لتطوير المصنع الجديد من خلال توفير الدعم التقني والتجاري. كذلك تم توقيع اتفاق مُلزم مع “فيروفيال” للاستحواذ على حصة 10 في المئة في مطار هيثرو في لندن.

إكسبو الرياض 2030

فازت الرياض باستضافة معرض “إكسبو 2030″ تحت شعار “حقبة التغيير: معاً نستشرف المستقبل”، مركزة على ثلاثة محاور هي “غد أفضل” و “العمل المناخي” و”الازدهار للجميع” من الجولة الأولى للتصويت بـ 119 صوتاً متفوقة على مدينتي روما الايطالية وبوسان الكورية الجنوبية. وتبلغ ميزانية الاكسبو 7.8 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يستقطب المعرض حوالي 40 مليون زائر. ويعكس فوز المملكة باستضافة المعرض، المكانة المتميزة التي تتمتع بها المملكة على الساحة العالمية، والجهود الحثيثة التي تبذلها لتحقيق أهداف رؤية 2030. كما يقدم لها فرصة لتعزيز دورها الريادي في الابتكار والنمو الاقتصادي، وبناء مستقبل أفضل لها وللعالم.

طموحات العام 2024

حققت السعودية في العام 2023 نمواً قوياً وتنوعاً ملحوظاً استجابة لمستهدفات رؤية 2030. ويعكس هذا النجاح الجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومة السعودية في سبيل تنويع الاقتصاد وتعزيز القدرات الوطنية، فقد تم إطلاق العديد من المبادرات والبرامج الرائدة في هذا المجال. كما تم تنفيذ العديد من الاصلاحات الاقتصادية، التي أسهمت في تعزيز البيئة الاستثمارية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

واليوم، تستقبل المملكة عام 2024 بالكثير من الآمال والطموحات، فهي تمتلك كل المقومات التي تؤهلها لتحقيق مستقبل مشرق، بحيث تتمتع باقتصاد قوي وموقع جغرافي متميز وقيادة رائدة. ومع استمرار تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية وتعزيز التنويع الاقتصادي، فإن المملكة على الطريق الصحيح لتحقيق تنمية مستدامة ومستقبل مشرق.

شارك المقال