أسعار النفط والغاز… رهينة حرب المضائق

سوليكا علاء الدين

يُعد البحر الأحمر شرياناً ملاحياً حيوياً، حيث يمر عبره نحو 15 في المئة من التجارة البحرية العالمية، بالاضافة إلى 12 في المئة من النفط، و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال. ومع تصاعد هجمات الحوثيين وزيادة حدّة التوترات في الشرق الأوسط، يزداد التخوف من إمكان نشوب صراع أوسع نطاقاً في المنطقة، وهو الخطر الأكثر تهديداً للتجارة العالمية، بحيث من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل حركة التبادل التجاري، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك النفط والغاز.

إذاً، على الرغم من الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة، إلا أن أسعار الطاقة لم تتزعزع بصورة دراماتيكية حتى اليوم، إذ توقعت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” البحثية أن يبلغ سعر خام برنت 75 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام 2024. وقالت المؤسسة في تقريرها إن إنتاج النفط الخام في الشرق الأوسط لم يتأثر حتى الآن بالحرب بين إسرائيل و”حماس”، وهو ما يُعد أحد الأسباب الرئيسة وراء عدم ارتفاع أسعار النفط. بالاضافة إلى ذلك، فإن هناك مخاوف بشأن ضعف الطلب على النفط، بحيث أن النمو الاقتصادي العالمي يتباطأ، ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط. كما أن هناك نمواً قوياً للإمدادات النفطية من خارج الشرق الأوسط، ما يساهم في خفض الأسعار.

وفي ما يتعلق بالحرب بين إسرائيل و”حماس”، فإن السوق استبعدت اتساع نطاق الصراع، ما يعني أن التأثير المحتمل على إمدادات النفط لا يزال محدوداً. وأوضحت المؤسسة أن عدم تعطل إمدادات النفط في المنطقة يفسر إلى حد كبير رد الفعل الايجابي للأسواق تجاه التوترات الأخيرة متمثلاً في عدم ارتفاع الأسعار وذلك على الرغم من أن المنطقة تُعد من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط في العالم، حيث بلغت حصتها من الامدادات العالمية 36 في المئة في العام 2022. وعزت المؤسسة رد فعل السوق الهادئ على التوترات في الشرق الأوسط إلى عدة أسباب، منها ضعف الطلب العالمي على النفط، في ظل ركود تعاني منه أوروبا وتباطؤ الاقتصاد الأميركي في ما يبدو، في الوقت الذي وصل فيه ارتفاع الطلب الصيني على النفط في أعقاب “كوفيد” إلى نهايته ومن المرجح أن يصبح النمو أكثر تباطؤاً من الآن فصاعداً.

وأشارت “كابيتال إيكونوميكس” الى أن السبب الآخر لعدم ارتفاع أسعار النفط هو استمرار ارتفاع إنتاج النفط من خارج (أوبك+) بوتيرة أقوى من المتوقع، بحيث ارتفع الانتاج الأميركي بنسبة 5.8 في المئة العام الماضي، فضلاً عن نمو الانتاج في مناطق أخرى مثل غيانا والبرازيل. كما لفتت إلى وجود بعض الأدلة التي تشير إلى عدم تطور الصراع بين إسرائيل و”حماس” إلى صراع إقليمي أوسع، ما يعني أن إنتاج النفط العالمي لن يتأثر بصورة كبيرة. ومع ذلك، إذا استمرت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، فقد يضطر المزيد من ناقلات النفط إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، ما سيؤدي إلى زيادة وقت الرحلة وتكلفة الشحن. ومع ذلك، فإن إنتاج النفط سيظل مستمراً، وسيصل إلى وجهته في النهاية، على الرغم من التأخير الحاصل. وتوقعت أن يبدأ تحالف منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك+” بزيادة إنتاجه في أبريل/نيسان المقبل، ما يساعد في الحفاظ على توازن السوق.

وكانت وكالة الطاقة الدولية قد رفعت مجدداً، الأسبوع الماضي، توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في العام 2024، استناداً إلى تحسن النمو الاقتصادي العالمي، وانخفاض أسعار النفط في الربع الأخير من العام 2023. وأشارت الوكالة في تقريرها الشهري إلى أنّ التوقعات الاقتصادية العالمية قد تحسنت إلى حد ما خلال الأشهر القليلة الماضية، في أعقاب التحول الأخير في سياسات البنوك المركزية. إذ عمل تراجع أسعار النفط في الربع الأخير من العام 2023 بمثابة رياح إضافية مواتية. كما توقّعت أن يصل الاستهلاك العالمي للنفط إلى 1.24 مليون برميل يومياً في العام 2024، بزيادة قدرها 180 ألف برميل عن توقعها السابق. لكن هذه الزيادة لا تزال أقل من توقعات “أوبك+”، التي أشارت تقديراتها إلى نمو الطلب بمقدار 2.25 مليون برميل يومياً في العام 2024. في حين توقعت أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.85 مليون برميل يومياً في العام 2025.

نجحت هجمات الحوثيين في تعطيل حركة التجارة البحرية في البحر الأحمر، إلا أنها لم تستهدف حتى الآن ناقلات النفط أو منشآت إنتاج النفط، لتبقى التباينات التي تشهدها أسعار الطاقة محدودة النطاق. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من إمكان توسع نطاق الحرب وانتقال التصعيد إلى منطقة الخليج، خصوصاً إلى مضيق هرمز الحيوي. وفي حال حدوث ذلك، فمن المتوقع أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة، وبالتالي إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية. وبحسب تقرير صادر عن مجلة “Foreign Policy” الأميركية، يختلف مضيق باب المندب جنوبي البحر الأحمر عن مضيق هرمز في الخليج من حيث أهمية كل منهما للتجارة العالمية. فباب المندب يمثل طريقاً مباشراً نحو قناة السويس ومنها إلى أوروبا، لكن هناك بدائل له في حال عدم القدرة على الإبحار من خلاله، على خلاف مضيق هرمز الذي هو الصلة الوحيدة بين مياه الخليج والعالم، لتبقى أسعار النفط والغاز رهينة حرب المضائق.

شارك المقال