رسالة أمل من السعودية الى لبنان… رحلة الدعم مستمرة

هدى علاء الدين

لطالما كان الدعم السعودي عامل الأمان وضمانة الاستقرار الاقتصادي اللبناني، بحيث شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورات إيجابية مهمة في محطات عديدة على مر سنوات طويلة، وشكلت بمختلف جوانبها حجر الأساس للنمو الاقتصادي اللبناني، لا سيما بعد فترات الحروب والأزمات السياسية.

قبل “ثورة تشرين”، كان لبنان على موعد مع حدث تاريخي تجلى في تحضير 22 اتفاقية نوعية مع السعودية من حيث الشكل والمضمون، بعد زيارة قام بها الرئيس سعد الحريري إلى المملكة كان عنوانها الرئيس سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين. وعملت عليها اللجنة الفنية المشتركة آنذاك بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والمالية والصناعية والقضائية والتعليمية والثقافية والعديد من المجالات الأخرى، بالاضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري وجذب الاستثمار.

وعلى الرغم من أن توقيع هذه الاتفاقيات كان وشيكاً، إلا أنه لم يتحقق، بحيث جرفت أزمة لبنان في العام 2019 كل الجهود التي بذلت من أجل وضع أطر رسمية للعلاقات اللبنانية – السعودية كما سعى إليها الرئيس سعد الحريري في حكومته الأخيرة.

اليوم وبعد أربع سنوات من أزمة لبنان الطاحنة اقتصادياً وسياسياً، عادت الجهود من أجل إحياء هذه الاتفاقيات التي سيُسهم التوقيع عليها في تحسين الأوضاع الاقتصادية ونقل لبنان من مرحلة الأزمة إلى مرحلة التعافي والنمو المنشودين.

وفي حين يُشكل إنجاز الاتفاقيات اللبنانية – السعودية، نقطة مهمة في العلاقات بين البلدين، يسير هذا الملف بخطى ثابتة نحو التفيعل، بعد أن شهدت الأشهر الأخيرة عملاً دؤوباً تُوج بتحضير مسودة شاملة لكل الاتفاقيات مرفقة بملخص حول الأمور العالقة لدى الجانب اللبناني، وما هي الأمور التي تحتاج إلى المتابعة مع الجهات السعودية، وتلك التي تحتاج إلى بعض الاستشارات القانونية الداخلية.

ومتابعة لهذا الملف الذي طال انتظار خواتيمه، يكشف موقع “لبنان الكبير” المجالات والقطاعات والوزارات التي تشملها هذه الاتفاقيات، والمسار الحالي لها، والاتفاقيات التي باتت جاهزة للتوقيع.

فما هي هذه الاتفاقيات وما أهميتها بالنسبة الى لبنان؟

يقول المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر، الذي عمل على تحضير هذه المسودة الشاملة، في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “إن هذه المسودة لم تكن لتُنجز لولا الدعم والتعاون الحثيث الذي أبداه الجانب السعودي ممثلاً بسعادة السفير وليد بخاري لمساعدة لبنان في إحياء هذه الاتفاقيات نظراً الى تأثيرها الايجابي الواعد على الاقتصاد اللبناني”.

ويشير أبو حيدر، الذي زار المملكة ثلاث مرات في النصف الثاني من العام الماضي لحضور مؤتمرات اقتصادية ومصرفية، إلى العلاقة الوثيقة الذي تربطه بسفير المملكة منذ تسلمه منصبه في الوزارة، والتي أسهمت في تحقيق تقدم ملموس في ملف الاتفاقيات الـ 22 بين البلدين.

وبحسب المدير العام لوزارة الاقتصاد، فقد عقدت عدة اجتماعات مع الجانب السعودي في لبنان تم الاتفاق خلالها على وضع إطار يلخص حقيقة هذه الاتفاقيات. وتم استعراض المذكرات كافة التي تتضمن مذكرة تعاون تجاري، ومشاريع تتعلق بالتعاون في مجال المعارض والملكية الفكرية وحماية المستهلك، بالاضافة إلى تعاون إعلامي، تعاون علمي وتعليمي، تعاون في المجال الثقافي وفي مجال الإسكان، مذكرة تفاهم مع وزارة البيئة من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي، ومع الهيئة العامة للاستثمار في المملكة، تعاون في مجال النقل البحري بالاضافة إلى الاعتراف المتبادل بالشهادات المدنية، اتفاقية تعاون في مجال الدفاع المدني، وفي مجال نقل الركاب والبضائع براً، وكذلك التعاون في المجال القضائي، وبين مصرف لبنان المركزي ومؤسسة النقد العربي السعودي، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجال المواصفات والمقاييس والمختبرات وإدارة التعاون الجمركي، وفي مجال الدفاع والتعاون العسكري، والتعاون الأمني​​مع وزارة الداخلية والبلديات، ومع وزارة العمل من خلال مذكرة تفاهم في مجال العمل، في مجال الطيران المدني، مشروع اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين البلدين ومذكرة تعاون في المجال الصناعي مع وزارة الصناعة، ومذكرة في مجال الشباب والرياضة.

وبعد دراسة الاتفاقيات والمذكرات، تبين أن هناك بعضاً منها جاهز للتوقيع، حسبما يذكر أبو حيدر. ومن الأمثلة على ذلك الاتفاقية التي تتعلق بمؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الفني في مجال المواصفات والمقاييس. وقد تم الاتفاق على صيغة نهائية لهذه الاتفاقية، وتفويض رئيس مجلس إدارة “ليبنور” بالتوقيع عليها من قبل مجلس الوزراء اللبناني. كذلك الاتفاقية التي تتعلق بوزارة المالية والتي تستهدف تطوير أوجه التعاون المشترك بين البلدين في المجال الجمركي، وهي تحتاج فقط إلى تفويض الوزير المختص بالتوقيع عليها من قبل مجلس الوزراء اللبناني، وتحديد موعد مع الجانب السعودي.

وفي ما يلي الاتفاقيات التي تعد جاهزة للتوقيع والتنفيذ بعد الأخذ برأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ورأي مركز الاستشارات القانونية والأبحاث والتوثيق في وزارة الخارجية والمغتربين:

  • مذكرة حول تعزيز التعاون التجاري في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.
  • مذكرة في مجال المعارض.
  • مشروع مذكرة تفاهم للتعاون الاعلامي.
  • مشروع مذكرة تفاهم في مجال التعاون العلمي والتعليمي بين الوزارتين السعودية واللبنانية.
  • مذكرة حول التعاون الثقافي.
  • مذكرة مع المؤسسة العامة للإسكان.
  • مذكرة تعاون في المجال البيئي.
  • مشروع اتفاقية تعاون في مجال الدفاع المدني بين الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة الداخلية والبلديات – المديرية العامة للدفاع المدني والمديرية العامة للدفاع المدني في المملكة العربية السعودية لمواجهة الأخطار والتهديدات والحوادث الطارئة.
  • مشروع الاتفاقية بين مصرف لبنان المركزي ومؤسسة النقد العربي السعودي، بحيث سبق أن أرسل البنك المركزي مقترحه إلى المؤسسة قبل جائحة كورونا، والمطلوب اليوم الحصول على إجابة من الجانب السعودي تمهيداً لبدء المفاوضات في هذا الشأن.
  • برنامج التعاون الفني بين مؤسسة المقاييس والمواصفات، والذي يعزز التعاون في مجال المواصفات والمختبرات ويعتبر أمراً مهماً للتجارة ومطلوباً اليوم للحفاظ على مطابقة البضائع المصدرة إلى الخارج للمواصفات والجودة.
  • اتفاقية مع إدارة الجمارك بهدف تطوير أوجه التعاون المشترك في المجال الجمركي.
  • مشروع اتفاقية مع وزارة العمل.
  • تعاون في المجال المالي في ما يتعلق بتفادي الازدواج الضريبي بين الجهتين.
  • التعاون في المجال الصناعي. 

خطوة إيجابية للبنان

تُعد هذه الاتفاقيات والمذكرات خطوة إيجابية مهمة للبنان، بحيث تغطي مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الاجتماعية والصحية والتعليمية والاعلامية والثقافية والرياضية. كما أن أيَ مذكرة تفاهم مع السعودية تُعد دفعة معنوية كبيرة للبنان، نظراً الى العلاقات التاريخية والثقافية الوثيقة بين البلدين. ووفقاً لأبو حيدر، لا ينسى لبنان وقوف السعودية إلى جانبه، آملاً في إنجاز هذه المذكرات في ظل العوائد الاقتصادية الضخمة. فهي أولاً تجذب فرص العمل وتحسنها، وتعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعيد الثقة بالاستثمار في لبنان. كما تُسهم في إعادة العجلة الاقتصادية التي من شأنها أن تخلق نمواً اقتصادياً سليماً يعتمد على الثقة، مشيراً إلى أن الثقة اليوم بحاجة إلى إصلاحات لا بد من تعزيزها، من خلال صندوق النقد الدولي أو حتى من المجتمع الدولي، حتى يستعيد لبنان هذه الثقة المطلوبة من المجتمع الدولي برمته، وفي مقدمه المملكة العربية السعودية.

إذاً، يأمل لبنان الرسمي أن يتم توقيع هذه الاتفاقيات والمذكرات في أقرب وقتٍ ممكن، بحيث ستساعد في تحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية المهمة، مثل جذب الاستثمارات الخارجية وتحسين فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي. كما أنها ستساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وجذب الاستثمارات السعودية إلى لبنان، ما سيساعد في تسريع عملية التعافي الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في البلاد.

شارك المقال