هكذا صُدّق على ضريبة الدعم وصيرفة… ولوائح مصرف لبنان جاهزة

ليندا مشلب
ليندا مشلب

كشفت الجلسة التشريعية لمناقشة موازنة الـ٢٠٢٤ تدني مستوى العمل النيابي وضعف عدد كبير من النواب في فهم العمل التشريعي عدا عن الفوضى التي سادت الجلسة والتي دفعت برئيس المجلس نبيه بري الى القول: “هذه هي المرة الأخيرة التي أسمح فيها بتشريع موازنة على هذه الشاكلة”.

ولعل التسرع في التصديق على بندي معاقبة من استفاد من الدعم و”صيرفة” كان خير مثال.

القصة بدأت عندما طلب النائب وائل أبو فاعور من رئيس المجلس في كلمته استرجاع البندين ٩٣ و١٢٥ من مشروع الحكومة واللذين ينصان على فرض ضريبة على من استفاد من أموال الدعم بنسبة ٧٪؜ ومن “صيرفة” ١٧٪؜… بندان أسقطتهما لجنة المال والموازنة ووافق الرئيس بري على اعادة فتحهما. وبالفعل حصل النقاش الذي يكشف موقع “لبنان الكبير” محضره.

عندما وصل البحث الى آخر بنود الموازنة يوم الجمعة الفائت وكان التعب قد حل بالجميع، ذكر النائب وائل بو أفاعور الرئيس بري بوعده طرح البندين على النقاش، وأعاد التأكيد أنه يجب فرض ضريبة على المنتفعين والمستفيدين من منصة “صيرفة”.

فرد النائب ابراهيم كنعان: من دون مزايدات، أي ضريبة بمفعول رجعي تعتبر هرطقة دستورية، واذا كنتم تريدون هذه الضريبة لا يمكن أن نسميها ضريبة فلنذهب الى عقوبة أو غرامة، وفي النص الذي سنقره لن تكون هذه الخطوة جدية، يمكن أن تكون رسالة الى الرأي العام فقط وحتى تصبح جدية هناك مسألتان يجب التنبه اليهما أن صيرفة نحن لا نعترف بها، والأمر الثاني صعوبة إقرار ضريبة مع مفعول رجعي. وتابع: “لنسمع رأي المحامي والقانوني، نحن لسنا ضد الضريبة لكن يجب أن تكون بطريقة أخرى”.

أبو فاعور: يمكن تشريع ضريبة مع مفعول رجعي.. ملياران ونصف المليار دولار صرفت من جيوب الناس.

النائب جورج عدوان: المخرج القانوني لهذا الأمر يؤكد أحقية هذه الرسوم، فهذه العمليات استفاد من ورائها تجار ومصارف وحصلوا على أموال طائلة وتسببت في ارتفاع سعر صرف الدولار. وتابع: “عندما ضبطها الحاكم الجديد أدخل ٨٨٠ مليون دولار على مصرف لبنان في خمسة أشهر… التلاعب خلال ٣ سنوات خسرنا مليارين و١٥٠ مليون دولار من الاحتياط الالزامي، هذه جرصة وسرقة وفساد، يجب أن يمر هذا البند ضمن الموازنة بنص غرامة على المضاربة وهذا يفرض عقوبات وهناك مواد يؤخذ بها والغرامة يجب أن تبلغ ١٥ ٪؜ ، وحتى لا تصيب المواطن العادي علينا أن نضع جملة: العمليات التي تفوق الـ ١٥ ألف دولار”.

النائب حليمة قعقور: أنا مصرة على وجود هذه الضريبة والأخذ بها كما جاءت في النص الأساسي لمشروع الحكومة أي ١٧ بالمئة ويجب أن تطال الكبار .

النائب علي حسن خليل: واحدة من الخراب المالي الذي حصل هو هذه القصة ولا أحد يختلف على هذا الأمر، ولكن علينا أن نتفق كيف نقرها أي لا يجب أن تكون ضريبة انما غرامة. اليوم هناك ٦٠ الى ٧٠٪؜ من الشعب اللبناني تعاطى مع صيرفة يعني الموظفون والقطاع العام، وهذا حق لهم ويجب أن لا تطالهم الضريبة التي يفترض أن تصيب فقط الكبار الذين أجروا عدة عمليات على صيرفة واستفادوا من الدعم على الدولار لتحقيق أرباح كبيرة أي الشركات والمصارف والصرافين.

“ما بدنا نعمل مادة ما تتطبق”، والسؤال كيف سنلاحقهم؟ ومن سيزودنا بلوائح الأسماء؟

عدوان: كل اللوائح موجودة.

خليل: أنتم تنصون مادة بهذا الالتباس حتى لا تطبق “خلينا نلحق المنبع”.

عدوان: مصرف لبنان لديه كل عمليات التناقل بالتفصيل.

النائب آغوب تيريزيان: اذا كانت هناك مخالفة المفروض أن يلاحق من سمح بهذا الأمر.

النائب سليم الصايغ: ضريبة على شو؟ وعلى أي مخالفة ؟ ما هو السند القانوني الذي سنعتمد عليه لنقول للبنانييين انهم ارتكبوا مخالفة لأنهم طبقوا تعاميم، “عم نشرع شيء لا يطبق”.

النائب حسن فضل الله: لنا الحق أن نفرض ضريبة كمجلس نيابي، هناك عملية احتيال كبيرة على أموال المودعين والشعب اللبناني، نحن لن نستطيع استرجاع الأموال انما نفرض عليهم غرامة على الأرباح وليس على حجم الأموال. لذلك اقتراحي هو التالي: خلافاً لأي نص آخر تخضع الايرادات التي حققها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون نتيجة عمليات صيرفة استناداً الى تعميم مصرف لبنان لغرامة استثنائية قيمتها ١٧ بالمئة.

كنعان: هذا الأمر مكانه ليس داخل الموازنة.

الياس بو صعب: هل أنتم موافقون على النص الذي قرأه فضل الله؟

النائب آلان عون: سمّوها ضريبة استثنائية.

وبعد قراءة النص لم ترفع الأيادي، فقال الرئيس بري : سقط الاقتراح.

عندها علا صوت بعض النواب التغييريين وطالبوا بإعادة التصويت ورفعوا أيديهم فصدق. وكان أبو فاعور قال في كلمته التي طالب فيها بالتصويت على هذا البند ان هذه المادة ستفرز النواب من مع ومن ضد فتكشف النوايا. ثم طلب أيضاً نقاش بند الضريبة على المستفيدين من الدعم وتلا نص المادة: “خلافاً لأي نص آخر تخضع مجموعة المبالغ التي استفاد منها الأشخاص المعنويون والطبيعيون والشركات نتيجة سياسة دعم السلع التي اعتمدها مصرف لبنان لضريبة استثنائية اضافية على حجم الأعمال مقدارها ٧٪؜ وتحدد دقائق تطبيقها بقرار يصدر عن وزير المالية”. ونقترح أن توضع الضرائب المستوفاة في صندوق استرداد الودائع على أن تكون للمبالغ التي تفوق الـ١٥ ألف دولار.

النائب سليم عون: هذا التشريع يعرضنا للطعن، بهذه الطريقة نحن نتسرع وهذه المواد يجب أن نناقشها في جلسة أو جلستين أو ثلاثة، لمزيد من الدراسة”.

أبو فاعور: “مرقلنا هذه المادة والباقي منتمهل فيه”. طلب الرئيس بري قراءة المادة بتمهل ليصوّت عليها النواب.

بولا يعقوبيان: ١٠٪؜ قليلة بحقن.

خليل: هذه المادة لا يمكن أن تطبق بداية لا شيء اسمه سياسة مصرف لبنان، يجب أن تكون هناك صياغة قانونية، ليشرح لنا أحد ماذا يعني بالقانون سياسة مصرف لبنان؟

سئل أبو فاعور: هل الدعم يتضمن النفط؟

أبو فاعور: أكيد النفط استنزف ٢٨٩٠ ملياراً.

يعقوبيان: ٣٠٪؜ عالكاجو قليل.

خليل: يجب اضافة جملة على النص: “المؤسسات التي استفادت من الدعم الذي حدده مصرف لبنان لتغطية فروق سعر صرف الدولار” لتكون واضحة أكثر. طالب بعض النواب بأن تكون ١٠٪؜ وتم التصديق على المادة.

المادتان أثارتا عاصفة من الردود من التجار الذين رفضوا الامتثال لها واعتبروها غير محقة وظالمة وحتى الآن لم يحسم الأمر بعد. مصادر المالية أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن النصوص في قانون الموازنة لن تلغى ولا تلغى أو تعدل الا بنصوص قانونية أخرى أي باقتراح قانون معجل مكرر يناقش ويقر في الهيئة العامة. ونفت أن يكون التأخير في نشر الموازنة سببه تعديل النصوص انما اعادة كتابتها في ظل فوضى التشريع التي سادت الجلسة.

‏وأكد مصدر اقتصادي ومالي بارز لموقع “لبنان الكبير” أن الضريبه الرجعية ساقطة وباطلة بالشكل وبالقانون، ويحق لصاحبها التقدم بطعن أمام المجلس الدستوري لأن القوانين الرجعية ساقطة دستورياً وقانونياً، لأنه لو كانت هذه الضريبة مفروضة في السابق، لكان صاحب المعاملة اختار أن لا يستفيد لا من الدعم ولا من “صيرفة”.

موازنة الـ٢٠٢٤ يحق لها أن تفرض الضرائب عن الـ٢٠٢٤ وليس عن الـ٢٠٢٣ وتفرض للمستقبل الى الأمام وليس إلى الخلف، وكان يمكن الذهاب بالشخصي وفرضها على الشركات التي احتكرت واستفادت بطريقة غير مشروعة إن كان من المواد الغذائية أو الأدوية أو المحروقات، وهذا يمكن أن يحصل بقرار بعد إجراء التحقيق اللازم.

‏أضاف المصدر: “القوانين اللبنانية موجودة وتعاقب من يتهرب من الضرائب أو من يستفيد من ربح غير مشروع، خصوصاً أن الجهات التي استفادت معروفة بالاسم لا بل عدد منها شريك السياسيين”.

وسأل المصدر: كيف ستتم معرفة أصل الأموال وعلى أي سعر صرف صرفت؟ وغياب الآلية بالقانون سيسمح للمفتش المالي أن يستنسب فيفتح باب السمسارات والابتزاز بين المراقب المالي وصاحب الشركة، أما أن يدفع له ويبرطل والا يكلف على السعر العالي، ثم على أي معيار ستفرض هذه الضريبة ووفق أي آلية؟ وخلص المصدر الى القول: “هذه ضريبة غير قابلة للتنفيذ وفيها ظلم للقطاع الاقتصادي لأن القانون يجب أن يكون قبل وليس بعد، والقوانين الرجعية هي قوانين غير دستورية وغير قابلة للتنفيذ وتشكل خطراً على القطاع الاقتصادي”.

هذا الجدل يحسمه مصدر رفيع في مصرف لبنان بقوله لـ “لبنان الكبير”: “هذه الضريبة يجب أن تكون على الأرباح، وليس على حجم الأرباح”، منتقداً الانهيار التشريعي الذي يتسبب فيه هواة ومبتدئون، والقانون اذا كان سيفرض ضريبة على “صيرفة” لا يجب أن تكون على العمليات الصغيرة للمواطن الذي حاول الافادة لتسيير أموره في ظل هذه الأزمة، انما على التجار الكبار الذين حققوا ثروات عن طريق التجارة بـ “صيرفة” شهرياً، وسيطبق القانون ويصبح نافذاً فور نشر الموازنة اذا لم يطعن به أمام المجلس الدستوري. وكشف المصدر أن الـ data موجودة في مصرف لبنان وستزود بها الجهات المعنية والمالية، مضيفاً: ان الاشكالية ليست عندنا لأن العمليات كلها موجودة وبكبسة زر تكشف كل الأسماء انما في آلية تنفيذ القانون، خصوصاً أن هذه الأسماء لا سرية مصرفية عليها ويمكن الوصول اليها “خط عسكري”.

ودعا المصدر الى التمييز بين “صيرفة” والدعم، والأخيرة حلها لا يكون بهذه الطريقة، لأن ملفات الدعم تقسم الى نوعين: اما صاحبها سارق وعليه أن يعيد كل الأموال ويوضع في السجن وليس الاكتفاء فقط بتغريمه ١٠٪؜ ، واما يكون الذي استفاد منها “آدمي” و”اشتغل بضمير” فلماذا فرض ضرائب على أرباحه أو على رأسماله؟ استرجاع المبالغ الضخمة يكون ممن استفاد من الدعم وباع البضائع خارج لبنان. هناك قانون رقمه ٢٤٠/٢٠٢١ صدر عام ٢٠٢١، يفرض التدقيق الجنائي في كل ملفات الدعم، لماذا لم يطبق القانون؟ ومصرف لبنان أرسل أكثر من كتاب الى الوزراء المعنيين لتطبيقه ولم يحصل هذا الأمر. وأعرب عن خشيته من أن يكون الهدف من هذا القانون اعطاء براءة ذمة لـ”الحرامي” وتغريمه ١٠٪؜ فقط بدل محاسبته على كل المبالغ الطائلة التي حققها بطريقة غير مشروعة.

الخلاف يتوقع أن يشتد في الآتي من الأيام ويتحول الى كباش قوي يضع هيبة الدولة مرة جديدة على المحك… والا تكون الشعبوية قد أدت وظيفتها وانتهى مفعولها على أبواب الكارتيلات الحاكمة.

شارك المقال