التعميم 166: خطوة محدودة بانتظار حلول جذرية

هدى علاء الدين

منذ العام 2019، يواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة، تسببت في انهيار العملة الوطنية وفرض قيود على سحب الودائع من المصارف. هذه الأزمة، التي باتت تُعرف بـ “أزمة الودائع” نتج عنها فرض المصارف اللبنانية قيوداً مشددة على سحب الودائع، ما منع المودعين من الوصول إلى أموالهم. وتراوحت هذه القيود بين فرض سقوف شهرية على السحب، منع تحويل الأموال إلى الخارج، وتصنيفها بين ودائع “مؤهلة” و”غير مؤهلة”.

وعلى مدى أربع سنوات من الأزمة، أصدر مصرف لبنان عدة تعاميم تسمح للمودعين بسحب ما يتوافر من قيمة لودائعهم وفق قيود وشروط كل تعميم. ومؤخراً، أصدر المصرف تعميمين منفصلين حملا رقم 166 و167، في محاولة منه لتحريك ملف أزمة الودائع الراكد من دون أية حلول جذرية له. فماذا في تفاصيل التعميمين وما هي دلالاتهما؟

التعميم 166

أبصر التعميم رقم 166 النور بعد تأخر دام لفترة وجيزة أراد من خلالها حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري التأكد من موافقة جميع الأطراف على تنفيذه بما في ذلك المصارف، الجهة الرئيسة المعنية بتنفيذه. وبحسب ما ورد في بيان مصرف لبنان، لن يستفيد من هذا التعميم الذي ينص على دفع 150 دولاراً للمودع شهرياً:

  • من يستفيد من التعميم ١٥٨ في أي من المصارف.
  • الأشخاص الذين تظهر حساباتهم حركة شيكات مصرفية تدل على عملية تجارة شيكات بعد تاريخ ٣١-١٠-٢٠١٩.
  • الأشخاص الذين حوّلوا بعد تاريخ ٣١-١٠-٢٠١٩ ودائع من الليرة اللبنانية الى العملات الأجنبية بما يوازي أو يزيد على ٣٠٠ ألف دولار باستثناء المبالغ الناتجة من تعويضات نهاية الخدمة.
  • الأشخاص الذين سددوا بعد تاريخ ٣١-١٠-٢٠١٩ بالليرة اللبنانية أرصدة قروض ممنوحة بالعملات الأجنبية بما يوازي أو يزيد على ٣٠٠ ألف دولار.
  • الأشخاص الذين حوّلوا بعد تاريخ ٣١-١٠-٢٠١٩ أرصدة قروضهم من العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية بقيمة توازي أو تزيد على ٣٠٠ ألف دولار.
  • الأشخاص الذين استفادوا من شراء ما يوازي أو يزيد على ٧٥ ألف دولار على سعر المنصة الالكترونية لعمليات “صيرفة”.

وفي حال أراد صاحب الحساب الافادة من أحكام هذا القرار، عليه أن يطلب من المصرف المعني أن يفتح “حساباً خاصاً متفرعاً”. وفي حال تعددت حسابات “صاحب الحساب” لدى مصرف معين على “صاحب الحساب” أن يحدد الحساب أو الحسابات التي سيتم التحويل منها إلى “الحساب الخاص المتفرع”. ويحوّل الى “الحساب الخاص المتفرع” موضوع هذا القرار مبلغ يوازي 4350 وما دون وذلك وفقاً للمبالغ المتوافرة في حسابات “صاحب الحساب” لدى المصرف المعني بالدولار أو بأي عملة أجنبية أخرى، على أن لا يتم الافادة منه إلا بمبلغ حده الأقصى 1800 دولار سنوياً.

وسيتم تأمين السيولة لتلبية متطلبات هذا التعميم مناصفة من سيولة المصرف المعني (75 دولاراً) ومن رصيد التوظيفات الالزامية بالعملات الاجنبية العائدة للمصارف لدى مصرف لبنان (75 دولاراً) والتي يحررها هذا الأخير، لهذه الغاية.

وأشار “المركزي” إلى أن عدم تقيد أي مصرف بأحكام هذا القرار سيؤدي الى الزامه بإعادة السيولة بالعملة الأجنبية التي استفاد منها من مصرف لبنان الى حساب هذا الأخير لدى المراسلين في الخارج وحرمانه من الافادة من كل أو بعض العمليات التي يمكن أن يقوم بها مع مصرف لبنان. كما ويعرّضه للعقوبات المنصوص عليها في المادة ۲۰۸ من قانون النقد والتسليف.

التعميم 167

كما أصدر مصرف لبنان التعميم 167 الذي يُلزم فيه المصارف والمؤسسات المالية في لبنان باتباع مبادئ المعيار الدولي للمحاسبة (IAS21) عند إعداد البيانات المالية. ويتضمن ذلك تحويل حسابات الموجودات والمطلوبات النقدية المحررة بالعملات الأجنبية والموجودات غير النقدية (Non-Monetary Assets) المصنفة بالقيمة العادلة (Fair Value) أو المقيمة وفقاً لمنهجية الحقوق الصافية (Equity Method) إلى ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية على أساس السعر المعلن على المنصة الالكترونية المعتمدة من مصرف لبنان بتاريخ إعداد البيانات المالية (أي 89500 ليرة).

ويهدف “المركزي” من خلال هذا التعميم الى ضمان دقة البيانات المالية، تحسين الشفافية في القطاع المصرفي، وتحديد المصارف التي لا تمتلك سيولة وملاءة كافية، لا سيما وأن إعادة تقويم موجودات المصارف تُعد خطوة ضرورية للكشف عن حقيقة القطاع.

خطوة محدودة

يُعاني المودعون من قلق عميق بشأن عدم قدرة بعض المصارف على الالتزام بالتعميم 166 الصادر عن مصرف لبنان، والذي يُلزم المصارف بدفع 150 دولاراً من أموال المودعين بالدولار الأميركي. لكن التعميم برمزيته يُمثل خطوة إيجابية نحو بدء استعادة أموالهم، على الرغم من أنّ مدة سريانه قصيرة (ستة أشهر) ووجود بعض القيود والاستثناءات.

أما لناحية المصارف، ففي حين ستلتزم جميعها حالياً بتطبيق التعميم، إلا أن ذلك لا ينفي وجود مخاطر حقيقية من عدم قدرة هذه المصارف على تلبية متطلبات هذا التعميم على المدى الطويل، لا سيما وأن مدة تطبيقه قد تكون قابلة للتجديد والتمديد.

على الرغم من أن التعميم الذي سيمكن كل مودع من سحب 150 دولاراً شهرياً من حسابه الخاص ضمن مصرف واحد، إلا أنه لن يكون حلاً لأزمة الودائع. وعليه، يُمكن اعتبار هذا التعميم بمثابة “مُسكن” مؤقت للأزمة التي تتطلب حلولاً عاجلة وجريئة من جميع الأطراف المعنية تبدأ باتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة المصرفية، بما في ذلك إجراء إصلاحات هيكلية شاملة للقطاع، وضع خطة واضحة لاعادة هيكلة المصارف المتعثرة، إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، وضمان حقوق المودعين وحماية أموالهم. وفي انتظار تحديد سعر الصرف للسحوبات (حالياً 15 ألف ليرة) خارج إطار التعاميم التي يرفض مصرف لبنان تحديدها على اعتبار أنها ليست من واجباته، لا يزال ما يمكن للمودعين سحبه جزءاً بسيطاً من ودائعهم، التي لا تزال تتعرض لهيركات مقنع، أفقدها أكثر من نصف قيمتها.

شارك المقال