عودة سعد الحريري… رمزية تُعيد إحياء الحلم

هدى علاء الدين

لا شكّ في أن عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان في ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري تحمل رمزيةً خاصة بالشكل والمضمون تتجاوز بكثير إحياء ذكرى 14 شباط. ففي هذا اليوم، وبعد 19 عاماً من اليوم الأسود، سيجدد المستقبليون والأوفياء والمخلصون العهد على استمرارية نهج رفيق الحريري الذي طالما شكّل صمام أمان للبنان واللبنانيين، نهج الاعتدال والوحدة الوطنية والعيش المشترك، وسيجدد معهم اللبنانيون حلم إعادة الاعمار والنهوض الاقتصادي الذي يراودهم. حلمٌ يزداد رسوخاً مع مرور الأعوام واشتداد الأزمات، مدعوماً برؤية رفيق الحريري الخالدة التي تنبض في كل مشروع إنقاذي يحتاج اليه لبنان.

رمزية تتجاوز إحياء ذكرى

إذاً، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، يعقد اللبنانيون آمالهم على عودة الرئيس سعد الحريري إلى الحياة السياسية، لا سيما وأنّها تُذكرهم بعودة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد انتهاء الحرب الأهلية. وتأتي هذه الآمال وسط الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان، من انهيار اقتصادي إلى شلل سياسي وفراغ رئاسي يعوق أي تقدم على المسار الاصلاحي مروراً بانفجار مرفأ بيروت.

وبعد عامين من تعليق العمل السياسي، عاد الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، حاملاً معه آمالاً عريضة بإعادة إحياء المشهد السياسي المتأزم، بحيث يرى العديد من الأطراف السياسية في عودته فرصة للخروج من حالة الجمود التي سيطرت على لبنان خلال السنوات الأخيرة، مطالبين إياه بالعودة عن قراره. ففشل الحكومات المتعاقبة في إدارة الأزمات المتلاحقة، دفع العديد من اللبنانيين إلى التطلع إلى عودة زعيم يتمتع بخبرة واسعة وعلاقات دولية قوية لاعادة البلاد إلى مسارها الصحيح.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يُعيد الرئيس سعد الحريري إلى الأذهان إرث والده، مهندس الإعمار الأول في لبنان، رمز النهوض من رماد الحرب الأهلية وتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية استثنائية. إرثٌ يُلهم اللبنانيين اليوم في ظل الظروف الصعبة، ويُشعل شعلة الأمل في إعادة إعمار بلدهم وتحقيق مستقبلٍ أفضل.

إعادة إعمار لبنان: حلم رفيق الحريري

ما بين انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990 وانهيار لبنان في العام 2024 نحو 34 عاماً من السنوات المضطربة والتحديات، لا تزال تُشكل حاضر لبنان ومستقبله. وبين الفساد والطائفية والهيمنة الخارجية، عاش لبنان 34 عاماً من التناقضات، لينهار تماماً تاركاً خلفه أزمة خانقة وأملاً باعادة الاعمار.

ففي العام 1990، عاد الرئيس رفيق الحريري إلى لبنان حاملاً معه حلم إعادة إعمار البلاد وإنقاذ الاقتصاد. كان الدمار هائلاً، فقد شلّت قطاعات الدولة كافة، وباتت البنية التحتية بحاجة إلى إعادة بناء شاملة. لم يتردد الحريري في خوض هذه المهمة الصعبة، ورفع شعار الانماء والاعمار تحت عنوان “إنماء الحجر والبشر”. وبدأ العمل على إعادة بناء الطرق والجسور والمطارات والموانئ، بالاضافة إلى إصلاح شبكات الكهرباء والمياه. وتضمنت مبادئ النهوض الاقتصادي في حكمه ضمان استقرار العملة الوطنية، إعادة إعمار البنية التحتية، توفير الخدمات الأساسية، والاهتمام بالمشكلات الاجتماعية والتربوية والصحية. ولم تقتصر رؤيته على إعادة الاعمار وحسب، بل سعى جاهداً الى جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع القطاع الخاص وتحفيز الاقتصاد، وكان هدفه تحويل وسط بيروت إلى مركز تجاري وسياحي عالمي. في المقابل، لم ينسَ الحريري الجانب السياسي، فعمل على رأب الصدع بين مختلف الطوائف اللبنانية وتعزيز الوحدة الوطنية، بعد أن لعب دوراً مهماً في صياغة اتفاق الطائف. كما كان رائداً في ربط النجاح السياسي بالنجاح الاقتصادي لصالح لبنان أولاً.

غياب سعد الحريري وفشل الحلول

منذ انسحاب الرئيس سعد الحريري من الساحة السياسية اللبنانية عام 2022، تدهورت الأوضاع الاقتصادية بصورة دراماتيكية، ولم تفلح أي من القوى السياسية الأخرى في سدّ الفراغ الذي خلّفه. وفاقمت الأزمة الاقتصادية الحالية كل الأزمات التي مرّ بها لبنان، بما في ذلك تلك التي واجهها خلال الحرب الأهلية، حتى بات النهوض اليوم أصعب بكثير من مرحلة إعادة الاعمار في زمن والده الرئيس الشهيد، في ظل انهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانهيار القطاع المصرفي، وتفاقم الأزمات الخدماتية، وغياب الدعم الدولي. وعلى الرغم من خطورة هذه الأزمة، لم تبدِ القوى السياسية اللبنانية أي جدية في معالجتها ولم تتخذ خطوات ملموسة لوقف الانهيار الاقتصادي، الأمر الذي بات يُهدد مستقبل لبنان، تاركاً اللبنانيين في ضبابية من الخوف واليأس.

عودة الأمل مع عودة الحريري

عشية ذكرى استشهاد رفيق الحريري، رمز إعادة إعمار لبنان، تعود آمال اللبنانيين مع عودة نجله سعد، الشخصية المحورية في المعادلة السياسية اللبنانية والداعم الأساس للاقتصاد. فقد لعب دوراً محورياً في جذب الاستثمارات إلى لبنان خلال سنوات حكمه السابقة، وكان رجل الأمان الأول ورمز الثقة التي يحتاج اليها الاقتصاد.

وعليه، تأتي عودة سعد الحريري لتُعيد إحياء حلم والده في إعادة إعمار لبنان اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وإعادة لبنان إلى دوره الريادي في المنطقة. فعودته في هذا التوقيت تُمثّل رمزية قوية تُعبّر عن رغبة اللبنانيين في مستقبل أفضل، مستقبل يُشبه لبنان الذي حلم به رفيق الحريري. باختصار، إنها ليست مجرد عودة زعيم سياسي، بل هي عودة رمزٍ يُجسد أمل اللبنانيين في إحياء حلم اسمه “لبنان”.

شارك المقال