الثروة الحيوانية مهدّدة وخسائر زراعية بالمليارات جنوباً

نور فياض
نور فياض

لا يأبه العدو للأحكام والقوانين الدولية، وبعيد كل البعد عن الانسانية اذ انه لم يتوقف منذ أكثر من أربعة أشهر عن عدوانه على غزة وارتكاب المجازر، وعن الاعتداء على المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود الشمالية لفلسطين المحتلة وكثيراً ما يتخطى قواعد الاشتباك. ولم يكتفِ بإبادة البشر بل وصل به الأمر الى تدمير المنازل، والقصف بالفوسفور المحرم دولياً على الأراضي الزراعية وحتى اصابة الحيوانات وتشريدها.

تشير بعض التقارير الى أن الأضرار جنوباً تجاوزت المليار دولار إن كان من حيث البناء أو الزراعة التي تضررت من الفوسفور الأبيض الذي بات يرمى بصورة مكثفة حتى ضُرب الموسم بسبب القصف المتواصل وعدم تمكن المزارعين من زرع انتاجهم أو حصده إن كان في الأرض أو في الخيم.

يشير مصدر خاص من وزارة الزراعة عبر “لبنان الكبير” الى أن “الجنوب خسر الملايين بل المليارات من الدولارات، وخسرها لبنان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة جراء هذه الاعتداءات المتكررة، والتي انطلقت منذ الثامن من تشرين الأول الماضي حتى اليوم، بحيث جرى استهداف أكثر من 635 نقطة بالقنابل الفوسفورية المحرمة دولياً، وأكثر من 50 ألف شجرة زيتون غالبيتها معمرة، يتراوح عمرها بين 250 و300 عام.”

ويلفت المصدر الى أن “الخسائر كبيرة جداً، ولا يمكن تقدير حجم المادية منها بدقة في الوقت الحالي، خصوصاً أن معداتنا وطواقمنا لا يمكنها الدخول إلى كل الأراضي المستهدفة بالاعتداءات الاسرائيلية، والتي تتخطى الـ 52 قرية، وهي مساحة جغرافية واسعة جداً”، موضحاً أن الوزارة بدأت “عملية مسح يوميّة شملت آثار القصف بالقنابل الفوسفورية الحارقة المحرمة دولياً، والأضرار التي لحقت بالمزروعات، وبالثروة النباتية، وبالقطاع الحيواني عموماً، وغيرها من الأمور المنوطة بوزارة الزراعة”.

ويؤكد أن “حياة أبناء القرى في الجنوب اللبناني تعتمد على المحاصيل الزراعية والتي لم يستطيعوا جنيها بسبب الاعتداءات الهمجية للعدو المستمرة والمتكررة، كما لم يستطع المزارع اللبناني الجنوبي أن يزرع للموسم القادم ما سيؤثر على الانتاح المحلي، ويمكننا القول ن النتائج كارثية”.

ويقول المصدر: “بتوجيهات واشراف مباشر من معالي وزير الزراعة الدكتور عباس الحاج حسن وضعنا خطة في الوزارة ضمن خطة الحكومة، وهي خطة متدرجة في حال تم تصعيد الحرب، ووضعت في الاعتبار إمكان التصدير من عدمه، وإمكان الاستيراد، وعملية التخزين، وكل هذه الأمور ضمن خطة محكمة من الحكومة اللبنانية، ووزارة الزراعة، وأيضاً الهيئات والمنظمات الدولية الموجودة، وهي شريك أساسي في هذا الاطار.”

ويضيف: “لم نتوصل بعد الى مدى تأثير الفوسفور الأبيض على المزروعات، وهو موضوع دقيق جداً ويحظى بعناية خاصة من معالي الوزير الحاج حسن، لأننا ننتظر وقف العدوان الاسرائيلي حتى نقوم بسحب عينات من الأراضي التي تعرضت لقصف مركز بالفوسفور الأبيض، وهناك قواعد علمية في هذا الاطار، وسنعتمد الحقائق العلمية الدامغة من خلال مؤسساتنا التي يعتد بها، ومراكز الأبحاث الموجودة في لبنان، وسنستعين أيضاً بالمؤسسات الدولية المتخصصة، حتى نقدم الحقائق واضحة، ونوضح آثار الفوسفور، وتركيزه في الأرض، ونسبة تأثيره على المياه وتلوثها من عدمه.”

في السياق، يؤكد مسؤول في جمعية “الجنوبيون الخضر” أن “هناك أضراراً جسيمة لحقت بالثروة الحيوانية والطبيعية في المناطق التي استهدفها الاحتلال الاسرائيلي بالاعتداءات في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، ولغاية 14 تشرين الثاني من العام الفائت أحصت وزارة الزراعة نفوق ما يقارب 200 ألف طير دجاج، و700 رأس ماشية وهذا فقط للفترة الممتدة من 8 تشرين الأول ولغاية 14 تشرين الثاني فضلاً عن القضاء على أكثر من 250 قفيراً للفترة نفسها. ومن المتوقع أن يكون العدد قد تضاعف منذ ذلك التاريخ مع توسع المناطق المستهدفة وتكثف إستهداف المناطق الحضرية ومحيطها. وإذا ما أضفنا هذه الخسائر الى الأضرار الهائلة التي لحقت بالممتلكات والأراضي الزراعية فإننا أمام كارثة كبيرة لحقت بالمزارعين وأهالي البلدات المستهدفة. وما يفاقم من آثار الأضرار وحجمها هو إستخدام الفوسفور الأبيض – المُقيد والمحظور الاستخدام – الذي أصاب التربة والمزروعات والأحراج وكذلك الأراضي المفتوحة التي كانت تستخدم للرعي لأضرار مستدامة ستتطلب وقتاً لاستعادة عافيتها”.

ويلفت الى أضرار واسعة وبعيدة الأمد خلف إستخدام الفوسفور الأبيض، على القطاعات الزراعية المختلفة في المناطق المستهدفة بالنظر إلى عاملين:

– الأول: كثافة الاستهداف ونطاقه، وهو ما تمثل في الحرائق التي أتت على مساحات واسعة من الأراضي الحرجية والزراعية تتجاوز الـ 700 هكتار.

– الثاني: تركز الاستهداف ما فاقم مسألة التلوث التي أصابت التربة، وقد أصابت الأضرار الجسيمة بصورة أساسية كروم الزيتون والأراضي المثمرة الأخرى وكذلك زراعة التبغ، وشكلت المساحات المرزوعة بالزيتون النسبة الأكبر من بين الأراضي الزراعية التي أصيبت بالخسائر، وتتجاوز أعداد أشجار الزيتون المحروقة تقديرياً عشرات الألوف وهي وفق تقديرات الزراعة الأولية 40 ألف شجرة إلا أن هذا العدد تضاعف منذ صدور تقرير الزراعة في تشرين الثاني الماضي، ونسبة كبيرة منها من الأشجار المعمرة وهي بذلك تشكل خسارة ثقافية كبيرة لا تعوض. يضاف إلى ذلك تزامن الاعتداءات مع حصاد موسم الزيتون الحالي، وهو ما زاد من خسائر القطاع الفادحة والتي تعد الأكبر من بين القطاعات الزراعية الأخرى.

ويقول: “كان هناك تواصل مع وزارة الخارجية في الأسابيع الأولى بحيث قدمنا ما توافر لدينا من معطيات ومواد لتكون جزءاً من ملف متكامل يرفع لدى المحافل الدولية، وهناك تواصل مع وزارة البيئة كذلك”.

ويضيف المسؤول: “يبدو لدينا أن العدو الاسرائيلي وبالنظر إلى طبيعة إعتداءاته ونطاقها والذخائر المستخدمة، وبصورة أساسية قنابل الفوسفور الأبيض، يعتمد منهجية لطالما إعتمدها في الجنوب وكذلك شهدناها في غزة، هي سياسة الأرض المحروقة بغية دفع الناس الى ترك قراهم وعدم العودة إليها من خلال جعلها غير صالحة للعيش، ولا حل سوى وقف العدوان وفي المرحلة التالية دعم أهالي البلدات والتعويض عن الأضرار والخسائر – من خلال العمل جدياً لمحاسبة إسرائيل وإلزامها بالتعويض خصوصاً لاستخدامها ذخائر محظورة بموجب المعاهدات الدولية – والعمل على مساعدة المزارعين ودعم خطط لمعالجة آثار الفوسفور الأبيض في التربة وأخرى لاعادة زراعة الكروم وتحريج الأراضي، بعد تقويم، أينما استوجب ذلك.”

يوماً بعد يوم تتصاعد وتيرة الحرب جنوباً، وتزداد معها الخسائر على الأصعدة كافة ولا سيما أن العدو يستخدم أنواعاً متعددة من القذائف التي جميعها تؤذي الطبيعة من دون أن يحترم المواثيق الدولية. فماذا بعد انتهاء الحرب كم ستستغرق التربة وقتاً لتعود صالحة للزراعة؟ وماذا سيحلّ بالمواسم الزراعية المقبلة؟

شارك المقال