حرب الشرق الأوسط: كابوس يهدد بانهيار الاقتصاد العالمي

سوليكا علاء الدين

لا يزال شبح تمدد الحرب يهيمن على اقتصادات العالم، حيث تُنذر المؤشرات السلبية المتتالية بمستقبلٍ اقتصاديٍ قاتمٍ. ومع استمرار تصاعد حدة الصراعات والخوف من اتساع رقعة الحرب، تُصبح التوقعات الاقتصادية أكثر اضطراباً وإثارة للقلق. وتحت عنوان “التداعيات الاقتصادية العالمية لحرب إقليمية في الشرق الأوسط”، سلّط معهد التمويل الدولي الضوء على التداعيات المحتملة على الاقتصاد العالمي نتيجة لحرب أوسع وأطول أمداً في الشرق الأوسط. وقدم تحليلاً متعمقاً لسيناريوين محتملين، مع تقويم دقيق لتأثير كل سيناريو على أسعار السلع الأساسية، وتعطل التجارة، والتضخم والنمو العالميين.

المعهد أشار في السيناريو المتشائم الأول إلى امكان اندلاع حرب إقليمية محدودة بنسبة تقل عن 30 في المئة، متوقعاً انخفاض معدل النمو العالمي إلى 2.4 في المئة خلال العام الحالي، نتيجة زيادة تكاليف الشحن وأسعار النفط والغاز بنحو 40 في المئة، بحيث قد يصل سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً، وذلك في ظل شح الامدادات جراء تعثر الملاحة عبر قناة السويس ومضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 30 في المئة من الاحتياجات العالمية من الطاقة. وبالتالي، سيؤدي ذلك إلى تفاقم الضغوط التضخمية في وقت لا يزال فيه معدل التضخم أعلى من المستويات المستهدفة.

وأشارت توقعات التقرير إلى انخفاض معدل نمو التجارة العالمية إلى 0.8 في المئة فقط، في حال تفاقمت أزمة استهداف السفن في البحر الأحمر، الذي يستحوذ على 12 في المئة من التجارة العالمية، وهو أقصر ممر ملاحي يربط بين قارتي آسيا وأوروبا. كما حذّر من التداعيات الكارثية على أسعار السلع الأساسية والحيوية عالمياً، جراء اضطرابات سلاسل التوريد، في حال استمرت السفن في الإبحار عبر رأس الرجاء الصالح، الذي يُضيف أسبوعين إلى مدة الرحلة، مستنداً إلى البيانات التي كشفت تراجع حركة الملاحة في قناة السويس بـ40 في المئة خلال كانون الثاني الماضي.

وتوقع المعهد أن تشهد المنطقة انكماشاً اقتصادياً بنسبة 0.6 في المئة، ومن المرجح أن يكون لبنان الأكثر تضرراً. وحذّر من أن حدوث حرب إقليمية أوسع قد يُدمر ما تبقى من اقتصاد لبنان، بينما ستلحق خسائر جسيمة بالبنية التحتية الاسرائيلية، إذ سينكمش اقتصاد لبنان بنسبة 20 في المئة على الأقل، يليه انخفاض الاقتصاد اليمني 8 في المئة واقتصاد إسرائيل بانكماش يبلغ 4.5 في المئة هذا العام.

في مقابل السيناريو المتشائم، طرح المعهد سيناريو أكثر تفاؤلاً بحيث رجّح عدم اتساع رقعة الحرب واقتصارها على قطاع غزة بنسبة 70 في المئة، مع توقع تراجع طفيف لمعدل النمو العالمي واستقرار أسعار النفط قرب المعدلات الحالية وانخفاض بسيط في التضخم نتيجة ضعف القوى الشرائية ومستويات الطلب عالمياً.

وبحسب هذا السيناريو، فإن التأثير الاقتصادي للحرب في غزة سيكون محدوداً، وسيرتكز بصورة أساسية على البلدان الأكثر تضرراً من الحرب الحالية، وهي إسرائيل ومصر ولبنان. وعلى الرغم من ذلك، ستظل حالة عدم اليقين الجيوسياسية تُلقي بظلالها على العديد من بلدان المنطقة، من خلال انخفاض الاستهلاك الخاص والاستثمار، وتراجع السياحة، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وارتفاع علاوات المخاطر التي تعمل على زيادة تكاليف الاقتراض.

وتوقع المعهد أن يبلغ النمو الاجمالي في الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل، 1.6 في المئة مع تسجيل دول مثل لبنان وإسرائيل انكماشاً طفيفاً في الناتج. وأشارت توقعات التقرير إلى إمكان أن يشهد الاقتصاد المصري تراجعاً في معدل النمو خلال الفترة القادمة إلى 2.8 في المئة، بالاضافة إلى اتساع عجز الحساب الجاري إلى نحو 3.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، متأثراً بصورة سلبية بانخفاض عائدات النقل والسياحة.

وعلى الصعيد الطاقوي، من المرجح أن تستقر أسعار النفط والغاز قرب معدلاتها في نهاية العام الماضي، لتصل إلى 80 دولاراً للبرميل. وتُعزى هذه التوقعات إلى تراجع الطلب العالمي، ورفع الدول غير الأعضاء في تحالف “أوبك+” إنتاجها، وارتفاع احتياطيات الغاز في أوروبا بصورة ملحوظة.

كما سينخفض معدل النمو العالمي بصورة طفيفة من 3.1 في المئة إلى 2.8 في المئة في 2024، وسيشهد التضخم مزيداً من التراجع. ووفقاً للتقرير، فإن وفرة سفن الشحن المتاحة وتراجع الطلب على السلع- خصوصاً في الولايات المتحدة والصين – سيبقيان تأثير اضطرابات الامدادات على الاقتصاد العالمي عند الحد الأدنى.

شارك المقال