حرب الجنوب أثرت على كل القطاعات… الخسائر فادحة والحكومة غائبة

راما الجراح

في أعقاب إرتفاع وتيرة الغارات الاسرائيلية على البلدات الجنوبية، وتوسع رقعة الاستهدافات وآخرها في بلدة الغازية في صيدا بعدما شن الطيران الحربي غارات على نقاط مختلفة في المنطقة، ارتفع خطر اندلاع صراع أوسع بين إسرائيل و”حزب الله” وجر لبنان إلى حرب، مع تهديد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتحويل “بيروت وجنوب لبنان إلى غزة وخان يونس” إذا صعّد “الحزب” من قتاله على الحدود الشمالية.

إزاء كل هذه التطورات، تنعكس حالة الحرب القائمة في جنوب لبنان بصورة كبيرة على اقتصاد البلاد المترنح بين وطأة الأزمة الخانقة والخسائر التي ستنتج عن الحرب جنوباً والتي تُقدر بأكثر من مليار دولار، في حال استمرار المواجهة على الحدود إلى أمد غير معروف. وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإن الخسائر البشرية والاقتصادية لأي حرب شاملة بين إسرائيل و”حزب الله” ستكون “فادحة” وأكبر من حرب ٢٠٠٦ بين الجانبين، لافتة إلى حجم الضرر الكبير الذي قد تلحقه حرب محتملة بالاقتصاد اللبناني.

الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب أشار الى أن “الخسائر كبيرة في جنوب لبنان، وبحسب تقرير نُشر الأسبوع الماضي في جريدة الشرق الاوسط قدّر الخسائر المباشرة بمليار و٢٠٠ مليون دولار نتيجة الدمار في الأبنية والمزروعات وغيرها، بالاضافة إلى خسائر غير مباشرة تُقدّر بـ ٣٠٠ مليون دولار. ومن دون شك لم تحتسب الخسائر بصورة فعلية، لكن منذ انطلاق طوفان الأقصى في ٧ تشرين الأول، بدأت الانعكاسات السلبية تظهر على السوق الداخلية في لبنان وعلى الاقتصاد اللبناني، وخصوصاً في القطاع السياحي اذ كان من المفترض أن نشهد حركة من أوروبا الشرقية بين تشرين الأول وتشرين الثاني لزائري المعارض في لبنان، وحضور مؤتمرات وغيرها لكنها ألغيت، وبالتالي تراجعت التجارة في لبنان بحدود الـ ٧٠ في المئة. وفي فترة الأعياد ورأس السنة، أنقذ المغترب اللبناني الاقتصاد إلى حد ما، لكن ذلك كان لفترة أسبوعين فقط”.

استمرار الحرب وطول بقائها ينعكس سلباً على اقتصاد لبنان وخصوصاً أننا اليوم في ذروة الشتاء، الوقت الذي تعتمد فيه البلاد على مواسم التزلج، بحسب أبو دياب الذي لفت عبر “لبنان الكبير” الى أن “الحركة مجمدة والحجوزات لا تحاكي طبيعة المرحلة لأسباب أمنية، كما وهناك دول وضعت فيتو على السفر إلى لبنان. وهذه الحركة ترافقت مع توسع رقعة الحرب وارتباطها بأزمة باب المندب التي فاقمت الأسعار في لبنان، وأثرت على التجارة المحلية، وفي مطلع آذار المقبل نبدأ بشهر رمضان الكريم، حيث سيكون هناك زيادة في الطلب على الكثير من السلع، وبالتي هناك إرتفاع أسعار، وتراجع في الحركة الاقتصادية الذي يخفض من القدرة الشرائية للقوى العاملة وسنشهد زيادة في الأزمات”.

وأكد أن “الأزمة كلما طالت كانت هناك صعوبة اقتصادية أكبر وخسائر أكبر، وهذا ينعكس سلباً على عملية استكشاف النفط على الحدود اللبنانية، وشركة توتال لم توقع على اتفاقية البلوك ٨ والبلوك ١٠، ناهيك عن تأخر انتظام عمل مؤسسات الدولة، وتأخر انتخاب رئيس للجمهورية، وغياب حكومي كل هذه العناصر تزيد الأمر تعقيداً”، متوقعاً في حال طالت الحرب الى ما بعد فصل الربيع “أن يكون هناك خوف على موسم السياحة الصيفي أيضاً ما يؤدي إلى مشكلة كبيرة، لأن السياحة تدخل إلى لبنان ما بين ٣ إلى ٤ مليارات دولار”.

وعن دور الحكومة، أوضح أنها “لم تخصص في موازنتها أي شيء للجنوب وأهله، وهناك بعض الهيئات الدولية تساعد النازحين الذين بلغ عددهم ١٠٠ ألف من الجنوب، حتى خطة الطوارئ لا تمويل لها أساساً لا من الناحية الصحية ولا الأمنية، ما يعني أن الدولة غير قادرة على إيجاد مصادر تمويل في حال توسعت الحرب. وبالنسبة الى الدمار الذي حصل حتى اليوم، لا إمكان لإعادة بنائه، وفعلياً نحن في أزمة كبيرة، ودول الخليج العربي ليست متحمسة لتأمين تمويل شبيه بالعام ٢٠٠٦”.

قبل الغوص في أي كلام اقتصادي، حرص عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال على التأكيد أن الحرب القائمة في جنوب لبنان ليست “مزحة”، وكل يوم يخسر الجنوب ثلة من أهله، وأمام خسارة الانسان لروحه وأمام الشهداء الذين يسقطون في الغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان، لا قيمة لشيء في هذه الحياة.

ورأى أن “إجراء إحصاء للأضرار ليس ممكناً قبل انتهاء الحرب، لأن الأرقام التي يتم تدوالها قد تتغير كل يوم بسبب الدمار الذي تخلفه الغارات الاسرائيلية، وأعداد النازحين التي تتزايد مع ارتفاع وتيرة المواجهات. هناك خسائر كبيرة وحركة اقتصادية متوقفة، ولم يتم اجراء أي مسح دقيق حتى اللحظة للأضرار في الجنوب، الأرقام غير دقيقة، بدليل أن أهل الجنوب الذين نزحوا لم يعودوا حتى اللحظة إلى منازلهم لمعرفة الأضرار التي أصابتها أو أصابت محاصيلهم الزراعية، وأنا ضد كل هذه الارقام العشوائية”.

أضاف: “لبنان يعيش أزمة اقتصادية ومالية ونقدية قبل عملية طوفان الأقصى، وبعد ٧ تشرين الأول توقفت الدورة الاقتصادية في الجنوب، وحركة النزوح أثرت على مداخيل الأسر التي تكبدت مصاريف لم تكن في الحسبان. كما أن حالة الحرب في الجنوب اللبناني أثرت على كل قطاعاته، والحكومة كانت غائبة بصورة كلية عن أي مساعدة فورية، وهذا تقصير فاضح”.

شارك المقال