مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف (1): هل يكفي لانقاذ القطاع؟

هدى علاء الدين

يستعد مجلس الوزراء لعقد جلسة حكومية استثنائية يوم الجمعة المقبل لمناقشة مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها. فمنذ اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2019، عانى القطاع المصرفي من تدهور كبير، تمثل في توقف المصارف عن دفع الودائع بالدولار، وفرض قيود صارمة على السحوبات، وشحّ الدولارات في السوق. وازدادت الضغوط على القطاع مع تراكم الخسائر، وتآكل رساميله، ووصول بعض المصارف إلى حافة الإفلاس.

وانطلاقاً من الحاجة الماسة إلى مشروع القانون كخطوة ضرورية لمعالجة الأزمة النظامية العميقة في سبيل تفعيل دور القطاع ومكافحة الاعتماد المفرط على الاقتصاد النقدي الذي قد تكون له عواقب على التعاملات المصرفية مع الخارج وعلى سمعة لبنان في الأسواق المالية العالمية، يهدف مشروع القانون إلى تعزيز الاستقرار المالي والحماية القصوى للودائع وزيادة الشفافية في المعاملات المالية واحترام المعايير الدولية ما يساعد لبنان على الانخراط أكثر في النظام المالي العالمي.

وقد حدد مشروع القانون الأسباب الموجبة له، وأبرزها:

حماية المودعين: يساهم تطبيق إجراءات إعادة هيكلة فاعلة واستعادة الثقة في استرداد أموال المودعين المشروعة خلال فترة معينة تطول أو تقصر حسب سرعة تنفيذ الاصلاحات الأخرى ومن شأنه أن يُعزز في الوقت عينه الثقة بالنظام المصرفي وإمكان اجتذاب ودائع جديدة.

إعادة تفعيل دور القطاع المصرفي الذي كان يعتبر واحداً من أقوى النظم في المنطقة، لا سيما وأن إعادة هيكلة القطاع ستساهم في تعزيز دور المصارف ودعم النمو الاقتصادي من خلال تحسين قدرتها على تمويل القطاع الخاص الذي يشكل المحرك الأساسي للعجلة الاقتصادية.

تحسين وضعية المصارف والملاءمة مع المعايير الدولية: عبر الامتثال للمعايير الدولية وأفضل الممارسات، من حيث الملاءة والسيولة والنسب والقواعد الاحترازية كافة لتحسين القدرة على مواجهة الصدمات المالية، وضمان سلامة النظام المالي ككل ما يعزز تنافسية البلاد وجاذبيتها للاستثمار الأجنبي.

استعادة الثقة من خلال تحديث الاطار التنظيمي وضمان الشفافية والمساءلة والحد من المخاطر النظامية وتحسين القدرة التنافسية عبر فرض شروط تتعلق بالرسملة والسيولة.

تخفيف الاعتماد على اقتصاد النقد (cash economy) بصورة كبيرة بسبب تعثر القطاع المصرفي واضمحلال التعامل بالشيكات والتحاويل المصرفية ما قد يخلق بيئة مؤاتية لعمليات تبييض الأموال والفساد والتهرب الضريبي وتساعد في تجنب وضع لبنان على القائمة الرمادية من مجموعة العمل المالي الدولي (FATF)‏.

فما هي أبرز النقاط التي وردت في مشروع القانون؟

بحسب المادة الثالثة، فإنه عند تطبيق هذا القانون، يتم تحقيق الأهداف التالية:

  • العمل على حماية الودائع كأولوية.
  • تعزيز استقرار النظام المالي والمصرفي.
  • ضمان استمرارية الوظائف الأساسية للمصرف في خدمة الاقتصاد.
  • الحد من استخدام الأموال العامة في عملية إعادة الهيكلة لتأمين استدامة الدين العام.

وعرفت المادة الخامسة الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة بأنها المرجع المختص باتخاذ قرار إخضاع المصرف لعملية إعادة الهيكلة أو لعملية التصفية. وهي هيئة جديدة سيتم إنشاؤها لدى مصرف لبنان وتتولى مهام الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة وفقاً لأحكام هذا القانون. وتتألف من الحاكم بصفة رئيس، نواب الحاكم الأربعة، خبير قانوني، خبير مالي/مصرفي وخبير اقتصادي.

ووفقاً للمادة التاسعة، تكون الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة المرجع المختص باتخاذ قرار إخضاع المصرف لاحدى العمليتين التاليتين:

  1. عملية إعادة الهيكلة: تصدر الهيئة قراراً بإعادة الهيكلة يتضمن أدوات إعادة الهيكلة الواجب تطبيقها بالنسبة الى كل مصرف؛ والتدابير الواجب على المصرف التقيد بها طوال عملية إعادة الهيكلة والوقت اللازم لاستكمال هذه التدابير.
  2. عملية التصفية: تصدر الهيئة قراراً بشطب المصرف من لائحة المصارف لمصرف لبنان (قرار الشطب) ما يؤدي إلى تصفية المصرف المعني، على أن يُستتبع شطب المصرف بقرار تعيين مصفّ/ لجنة تصفية.

ويُتخذ إما قرار إعادة الهيكلة أو قرار الشطب بالاستناد إلى تقرير تقويمي ترفعه لجنة الرقابة على المصارف إلى الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة، بعد إجراء عملية التخمين حول وجوب تصفية المصرف أو إعادة تأهيله عبر عملية إعادة الهيكلة.

وبالتوازي، أشارت المادة 15 إلى أدوات إعادة الهيكلة، ومن أبرزها:

  • الإنقاذ بمشاركة داخلية bail-in من خلال تخفيض قيمة الأموال الخاصة والمطلوبات و/أو تحويل المطلوبات إلى أدوات رأسمالية، وتكمن آلية تخفيض القيمة في إجراء تخفيض جزئي أو كلي لقيمة عناصر الأموال الخاصة والمطلوبات.
  • إعادة رسملة المصرف من خلال مستثمرين جدد.
  • تحويل كل أو بعض موجودات المصرف وحقوقه ومطلوباته الى كيان آخر .
  • نقل ملكية المصرف الى كيان آخر من خلال الدمج.

وتُطبق أدوات إعادة الهيكلة كما هو محدد في قرار إعادة الهيكلة الصادر عن الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة بخصوص كل مصرف، وفقاً لما نصت عليه المادة التاسعة من هذا القانون.

أما لناحية صلاحيات الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة، فقد أشارت المادة ١٨ إلى أن الهيئة تمارس صلاحياتها كلاً على حدة أو مجتمعة، من دون حاجة إلى موافقة مساهمي المصرف قيد إعادة الهيكلة أو دائنيه أو مجلس إدارته أو إدارته العليا أو أي طرف مقابل آخر يتعامل معه. ومن أبرز هذه الصلاحيات:

  • تعيين مدير مؤقت، إذا ما ارتأت ذلك.
  • اتخاذ قرار بشأن خطة إعادة الهيكلة من أجل إعادة هيكلة المصرف بطريقة منظمة، وذلك في حال تعثر المصرف و/أو في حال انطبق عليه أحد معايير الاخفاق أو احتمال الاخفاق.
  • الطلب من المصرف أن يبيع أصولاً يمتلكها وأن يوقف بعض العمليات وأنشطة العمل القائمة.
  • تعديل أجل استحقاق أدوات الدين وغيرها من مطلوبات المصرف بما فيها الودائع، أو تعديل قيمة الفائدة و/أو الأصل المتوجبة على هذه الأدوات.

وبحسب المادة ٢٤، تجري عملية التصفية بهدف حماية الاستقرار المالي وتحسين القيمة الى أقصى حد بالنسبة إلى الدائنين ككل. أما قرار الشطب المؤدي الى التصفية، فوفقاً للمادة 25، تشطب الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة المصرف من لائحة المصارف لمصرف لبنان:

  • بعد التخمين إثر استلام الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة تقريراً تقويمياً من لجنة الرقابة على المصارف يوصي بالتصفية على أساس إخفاق المصرف أو إحتمال إخفاقه وعدم إمكان إعادة تأهيله من خلال عملية إعادة الهيكلة.
  • بعد التخمين وفي أية مرحلة بعد البدء بعملية إعادة الهيكلة: إما إثر استلام الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة تقريراً تقويمياً من لجنة الرقابة على المصارف يخلص الى إخفاق المصرف أو إحتمال إخفاقه على الرغم من محاولات إعادة تأهيله بواسطة تدابير إعادة الهيكلة، أو إثر استلام الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة تقريراً من المدير المؤقت يسلّط الضوء على ضرورة تصفية المصرف المعني.

تقوم الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة، بعد قرار الشطب بتعيين مصفّ أو لجنة تصفية، تبعاً لحجم وكمية عمليات المصرف قيد التصفية. وعلى المصرف، متى بات قيد التصفية، أن يستخدم دوماً عبارة “قيد التصفية” إلى جانب اسمه، خصوصاً في مراسلاته مع الغير، وذلك حتى انتهاء عملية التصفية.

رفع السرية المصرفية

ولأغراض تطبيق هذا القانون الذي سيسري مفعوله فور نشره في الجريدة الرسمية، نصت المادة ٣٧ على السرية المصرفية كلياً أمام الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمدير المؤقت والمصفي وكل من يشارك في هذه العملية والتي ذكرها مشروع القانون. كما وترفع السرية المصرفية كلياً أمام جهات أخرى فقط إذا ارتأت الهيئة المختصة بإعادة الهيكلة ضرورة لذلك ولأسباب مشروعة بشأن تطبيق هذا القانون.

اليوم، وبعد أربع سنوات من حالة الافلاس المقنعة التي تُخيم على المصارف اللبنانية من دون استثناء وأزمة السيولة الحادة والائتمان، وفي ظل الجمود السياسي الذي يعطل خطط الإنقاذ، يزداد القلق حول مستقبل هذا القطاع ومصير الودائع الذي ينتظر إعادة الهيكلة كخيار لا بديل عنه من أجل انتشاله من مستنقع الانهيار، لا سيما وأنه يعتبر عنصراً أساسياً في خطة الاصلاحات الاقتصادية التي يشترطها صندوق النقد الدولي لبدء برنامج مساعدات للبنان. فهل يكفي مشروع القانون لإنقاذ القطاع لا سيما وأنه يحتاج بحسب جمعية المصارف إلى المزيد من الدراسة والتوافق عليه؟

شارك المقال