الاقتصاد الاسرائيلي في قبضة الحرب: انكماش حاد ونمو محدود

سوليكا علاء الدين

مع دخول الحرب شهرها الخامس، يستمر النزيف الاقتصادي في اسرائيل من دون أي رادع، متسبباً بخسائر فادحة في مختلف القطاعات والأصعدة. وتبدو الأزمة الاقتصادية في حالة تفاقم مستمر مع غياب أي مؤشرات تُنذر بقرب نهاية الحرب على المدى القصير. وكشفت بيانات أولية تقديرية صادرة عن مكتب الاحصاءات الاسرائيلي المركزي عن تعرّض الاقتصاد لانكماش حاد بنسبة 19.4 في المئة على أساس سنوي في الربع الرابع من العام الماضي، وذلك بسبب الحرب على غزة.

البيانات الرسمية أظهرت أن الانكماش المسجل في الربع الأخير، جاء مدفوعاً بتدهور القطاعات كافة، في وقت تراجع فيه مستوى الاستثمار بنسبة 70 في المئة ونصيب الفرد من الاستهلاك بنسبة 2.8 في المئة. بينما تباطأ النمو الاقتصادي لاسرائيل إلى 2 في المئة لعام 2023 بأكمله مقارنة مع 6.5 في المئة عام 2022.

وشهد الناتج المحلي الاجمالي نمواً ضعيفاً في الفترة من تموز إلى أيلول 2023، بنسبة 2.5 في المئة على أساس سنوي، من دون توقعات 2.8 في المئة السابقة. ووفقاً لبيان بنك إسرائيل، أدى استمرار الحرب إلى تفاقم العجز في الموازنة الحكومية، حيث ارتفع من فائض 0.6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي عام 2022 إلى عجز 4.2 في المئة عام 2023، ومن المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة في العام 2024 6.6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، مع ارتفاع نسبة الدين إلى 66 في المئة بنهاية العام، مقارنة بـ 60 في المئة قبل الحرب.

وحافظ بنك إسرائيل على توقعاته لنمو الناتج المحلي الاجمالي، إذ توقع نمواً بنسبة 2 في المئة في كل من عامي 2023 و2024، و5 في المئة في العام 2025. وأشارت التقديرات إلى بقاء معدل البطالة منخفضاً نسبياً خلال عامي 2024 و2025، بحيث من المرجح أن يبلغ 5.3 في المئة و3.2 في المئة على التوالي. ومن المتوقع أن يسجل التضخم انخفاضاً طفيفاً، بحيث سيصل إلى 2.4 في المئة في العام 2024 و2 في المئة في العام 2025.

ونتيجة لاستمرار الحرب، ارتفعت علاوة المخاطرة بصورة حادة وانخفضت قيمة الشيكل بشكل ملحوظ مقابل الدولار واليورو. وللتخفيف من هذه التأثيرات، أعلن بنك إسرائيل عن برنامج لبيع العملات الأجنبية بقيمة 30 مليار دولار بحيث تم بيع 8.2 مليارات دولار في شهر ضمن إطار برنامج بيع العملات الأجنبية.

من جهتها، حذرت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” من أن الاقتصاد الاسرائيلي سيسجّل أحد أدنى معدلات النمو على الاطلاق في تاريخ البلاد خلال العام 2024، وذلك نتيجة التأثيرات السلبية للحرب في غزة. المؤسسة أشارت في تقريرها إلى أن انكماش الناتج المحلي الاجمالي لاسرائيل بنسبة 19.4 في المئة على أساس ربع سنوي في الربع الأخير من العام الماضي كان أسوأ بكثير مما كان متوقعاً، مؤكّدة أن هذه الأرقام تسلط الضوء على مدى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الاسرائيلي نتيجة الحرب على غزة.

وعلى الرغم من حالة عدم اليقين بشأن نطاق تراجع الناتج المحلي الاجمالي في الربع الأخير، إلا أنه يُعدّ مساوياً تقريباً للانخفاض الذي حدث في ذروة جائحة كورونا في الربع الثاني من العام 2020. وتُعدّ هذه النتيجة أسوأ بكثير مما توقعه أي طرف، بحيث توقعت “كابيتال إيكونوميكس” انكماشاً بواقع 9.5 في المئة على أساس فصلي، بينما توقعت “بلومبرغ” أن يبلغ هذا الانكماش 15.2 في المئة. وعلى أساس سنوي، انخفض نمو الناتج المحلي الاجمالي من 3.4 في المئة في الربع الثالث من العام 2023 ليسجل انكماشاً بنسبة 3.5 في المئة. في العام 2023، سجل الاقتصاد الاسرائيلي نمواً بنسبة 2 في المئة فقط.

وأوضحت المؤسسة أن الانخفاض جاء مدفوعاً بانخفاض الاستهلاك الفصلي بنسبة 26.9 في المئة على أساس ربع سنوي. وعزت ذلك إلى عدّة عوامل أبرزها تراجع الثقة بعد الهجمات، انخفاض إنفاق الأسر بصورة حادة، كذلك انخفاض استهلاك الخدمات بنسبة 52 في المئة والسلع شبه المعمرة بنسبة 58 في المئة.

وفي الوقت عينه، تراجعت الاستثمارات الثابتة بنسبة 67.8 في المئة، جراء التوقف شبه التام في أنشطة البناء السكني التي سجلت انكماشاً بنسبة 95.2 في المئة. ويعود ذلك إلى نقص العمالة في قطاع البناء نتيجة الاستدعاءات العسكرية وانخفاض أعداد العاملين الفلسطينيين.

وشهد الاقتصاد الاسرائيلي انخفاضاً ملحوظاً في بعض المؤشرات الرئيسية خلال الفترة الماضية، بحيث انخفضت الصادرات بنسبة 18.3 في المئة والواردات بنسبة 42.4 في المئة. وفي المقابل، ارتفع الاستهلاك الحكومي بنسبة 88.1 في المئة، مدفوعاً بصورة أساسية بزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي.

التقرير ذكر أن المؤشرات الحالية، بما في ذلك معاملات بطاقات الائتمان الشهرية، تدل على أنّ الناتج المحلي الاجمالي سوف ينتعش في الربع الأول. وبالنظر إلى الانخفاض الكبير في توقعات الربع الأخير، أوضحت “كابيتال إيكونوميكس” أن التوقعات لنمو الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 1.8 في المئة في العام 2024 ستتطلب حالياً انتعاشاً كبيراً في النشاط خلال العام الحالي. لكن هذا الأمر يبدو غير مرجح، لا سيما في ظل الضعف الشديد للثقة بالاقتصاد وتوقعات استمرار الحرب لفترة أطول من ستة أشهر المفترضة سابقاً.

وأضافت المؤسسة البحثية أنّ تحديد التوقعات سيتم بصورة أكثر وضوحاً في الشهر المقبل، لكن من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الاجمالي لاسرائيل نمواً ضئيلاً في العام 2024، متراوحاً بين 0.5 و 1.0 في المئة. كما أشارت إلى أن الانخفاض الحاد في الناتج المحلي الاجمالي يؤكد مدى الضرر الذي أصاب الطلب في الاقتصاد الاسرائيلي ويفسر بطريقة أكثر وضوحاً السبب وراء انخفاض أرقام التضخم عن المتوقع منذ بداية الحرب. إذ شهد معدل التضخم انخفاضاً ملحوظاً من 3.8 في المئة على أساس سنوي في أيلول إلى 2.6 في المئة في كانون الثاني وذلك في الوقت الذي بدأ المصرف المركزي الاسرائيلي بدورة تخفيف نقدي.

شارك المقال