هكذا ولد مشروع تنظيم المصارف “اللقيط”… منصوري لـ”لبنان الكبير”: الحكومة صاحبته

ليندا مشلب
ليندا مشلب

منذ حوالي الشهرين اتصل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري وسأله اذا كان يستطيع المساعدة في ترتيب مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف والانتظام المالي لجهة اعداد القوانين وضبط الأرقام؟ وافق منصوري مبادراً الى اعادة تنظيمها واعدادها بقانون موحد يعكس الأرقام الحقيقية، لكنه اشترط أن لا يتم تلبيسها لبوس “المركزي” ونشرها على أساس أنها خطة مصرف لبنان “لأنها خطة الحكومة ولا دور لنا فيها سوى بترتيبها وفق الأرقام الحقيقية”. أجابه ميقاتي: “بالتأكيد ولا مشكلة في هذا الأمر” .

بعد أسبوع، أعاد ميقاتي الاتصال سائلاً: “وين صرنا؟”، أجابه منصوري: “عم يشتغلوا الشباب”. ومرة جديدة ذكره منصوري بأن العمل فيها يطال الشكل وليس المضمون، “وهذه خطة الحكومة ولا دخل لنا فيها”. ومجدداً أجابه ميقاتي: “أكيد أكيد هذه خطتنا”.

وعند انتهاء العمل، توجه الحاكم بالانابة الى السراي وسلم ميقاتي النسخة التي طوّرها مصرف لبنان ودمجها بقانون موحد هيكلة المصارف واعادة الانتظام المالي مع الـgap resolution ورتب أرقامها، وقال له: “لدي نصيحة، لو كنت مكانك لما طرحتها”. فسأله ميقاتي عن السبب؟ أجاب منصوري: “مش راكبة، مصير أموال المودعين غير واضح وعم تاكلو مصريات الناس بهذه الطريقة”. فكان رد ميقاتي أنه سيتم تعديل هذه الأرقام بعد وضع الحلول واقتراح معالجات. غادر منصوري مذكراً بأن ما تسلمه ميقاتي هو خطة الحكومة ولا علاقة لمصرف لبنان بها ولا مسؤولية له عليها ويعود الى الحكومة اجراء ما يلزم وما تريد من تعديل عليها. واذ يفاجأ منصوري بعد أيام بأن الخطة تنشر ويسرّب أنها خطة مصرف لبنان، وأن نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي يقول انها خطة مصرف لبنان مع هيئة الرقابة على المصارف. جن جنون حاكم “المركزي” وقال للجميع: “هذه الخطة وردتنا من الحكومة ولا علاقة لنا بها”، آسفاً للطريقة التي تم التعاطي بها. وقال لمن راجعه في هذا الأمر: “هذه الخطة منذ سنتين موضوعة على الطاولة، يعني قبل أن أتسلم، فكيف تكون خطتنا؟”.

تقول مصادر “المركزي” لـ”لبنان الكبير”: “تسلمنا الخطة التي أعدها سعادة الشامي وجل ما قمنا به هو دمج القانونين وعكس أرقامنا عليها بعد ما أصبح الكابيتال كونترول خارجها، والقانونان هما اعادة هيكلة المصارف والتوازن المالي، والثاني هو الطامة الكبرى لما فيه من ابداعات في شطب الأموال يميناً ويساراً عبر فذلكات مالية، ولعل موضوع السندات بصفر فائدةzero coupon bond هو دليل واضح على أنها ليست خطتنا ومعروفة أنها فكرة وطرح سعادة الشامي وهو الذي يجاهر بتبنيها”.

وتضيف المصادر: “هذه الخطة شاءوا أم أبوا تشطب أكثر من ٦٠ مليار دولار من الودائع، لم نتدخل في مضمونها بل عكسنا تأثيرها على الأرقام في مصرف لبنان. وسبق أن أبلغنا رئيس الحكومة أن أرقامها ما بتمشي ومش زابطة، والمجلس المركزي خير شاهد على ما قيل حول الخطة”.

وتكشف المصادر أن “طلب الحكومة بصمة مصرف لبنان عليها جاء نتيجة المداولات بين الحكومة والنواب الذين أبلغوا رئيس الحكومة أنهم لن يسيروا في خطة يعارضها مصرف لبنان، فهل استخدموا اسمنا ومصداقيتنا لتمريرها؟ واذا كان المطلوب لصقها بنا فوسيم منصوري أبلغ الجميع أنه لا يريدها ويسحبها من التداول ولكنها ليست خطتنا وليدافع عنها عرّابوها”.

وتوضح المصادر أن “الاجراءات التي اقترحها الشامي منذ سنتين أصبحت معروفة وترتكز على تجزئة الودائع بين سقف استرداد لغاية الـ ١٠٠ ألف دولار وbail ln لما فوق مع سندات خزينة بصفر فائدة وصندوق لاسترداد الودائع مع تصنيف الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة، وتم بحث تأثير هذه الخطة على الأرقام الموجودة لدى مصرف لبنان، لمعرفة كم سيسترد للمودعين من القيمة الاجمالية (٨٨ مليار دولار)، وتبين أن طريقة الاسترداد قاسية جداً وهناك حوالي ٦٠ ملياراً مش مبينين، فإذا لم يكن هذا شطباً، ماذا يسمونه؟ وكل المفردات التجميلية لا تنفع ولا تلغي الشطب، من دون لف ودوران… وما هو مقترح يرتكز على الاستيلاء على احتياط المركزي ورأسمال المصارف بعد تصفيتها وبيعها في المزاد العلني (٩ مليارات دولار من المركزي + ٥ مليارات من المصارف) أما باقي الـ ٨٨ مليار دولار فمجهولة المصير”.

مصدر حكومي بارز أكد لموقع “لبنان الكبير” أن هذا المشروع لا يمكن أن يبصر النور ولن يوافق عليه أحد، وهناك اقتراحات علمية ومنطقية وشفافة يجب السير بها، فاسترداد الودائع هو مسار process يبدأ بشطب الفوائد العالية والودائع غير المشروعة وأموال تجار الشيكات ومن استفاد من صيرفة بأرقام ضخمة وغيرها… أي شطب الأموال غير الشرعية مع اعادة بث الحياة في القطاع المصرفي واطلاق يده للعمل في السوق مع القطاع الخاص، أي العمل على تكبير حجم الاقتصاد الذي انخفض من ٥٥ مليار دولار الى ٢٠ مليار دولار ونبدأ برفعه تدريجياً، وهذا ممكن في مدة لا تزيد عن سنة واحدة اذا اتخذ القرار واعتمدت رؤية مالية ونقدية واضحة. خلاصة الأمر أن الحكومة أمام خيار من اثنين: الأول اعداد خطة واضحة للنهوض بالاقتصاد والبدء بالاصلاحات واستعادة الثقة بالبلد تماشياً مع مسار واضح لتنظيم العمل بالقطاع المصرفي واعادة أموال المودعين تدريجياً، والا القول بكل صراحة للناس: نحن عاجزون وغير قادرين على اعادة أموالكم وجنى تعبكم وسامحونا!

شارك المقال