القطاعات غير النفطية تقود النمو الاقتصادي في السعودية ودول الخليج

هدى علاء الدين

شهد النشاط التجاري غير النفطي في المملكة العربية السعودية انتعاشاً ملحوظاً خلال شهر شباط، مدعوماً بأسرع نمو للإنتاج منذ خمسة أشهر، وذلك وفقاً لمسح مؤشر بنك الرياض لمديري المشتريات. وارتفع المؤشر المعدل موسمياً إلى 57.2 نقطة في شباط، مقابل 55.4 نقطة في كانون الثاني، والتي كانت أدنى قراءة له في عامين.

وتمثل هذه القراءة الشهر الـ 41 على التوالي التي تأتي فوق مستوى الـ 50، وهو ما يشير إلى استمرار النمو في القطاع غير النفطي. وعلى صعيد الانتاج، ارتفع المؤشر الفرعي للإنتاج إلى 61.5 نقطة، وهي أسرع وتيرة نمو له منذ أيلول، ما يدل على ازدياد زخم الطلب على السلع والخدمات. كما انتعش نشاط الطلبيات الجديدة بدعم من عودة النمو في طلبات التصدير، بحيث ارتفع المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة إلى 62.2 نقطة في شباط، مقابل 60.5 نقطة في كانون الثاني.

وعلى الرغم من أن الزيادة في مؤشر الطلبات الجديدة كانت أبطأ مما كانت عليه في الأشهر القليلة الماضية، إلا أنها تؤكد استمرار الاتجاه الايجابي في هذا المجال، لتعكس هذه البيانات تحسناً ملحوظاً في النشاط التجاري غير النفطي في المملكة، مدعوماً بزيادة الطلب على السلع والخدمات، ونمو الانتاج بصورة قوية.

على صعيد مواز، توقعت وكالة “ستاندردز آند بورز غلوبال” أن تنمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 2 – 3 في المئة في المتوسط في 2024، مستفيدة من أسعار النفط المقبولة. وأشارت إلى أن التوسع الاقتصادي غير النفطي سيستمر بمعدل أقل قليلاً من 5 في المئة في السعودية والامارات، مدفوعاً باستثمارات كبيرة في تنويع الاقتصاد ونمو سكاني يبلغ حوالي 2 – 4 في المئة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي في 2024.

وبحسب الوكالة، لا تزال القطاعات غير النفطية تستفيد من الانفاق العام الكبير كجزء من برامج التنمية الاقتصادية المختلفة، مثل رؤية 2030 في السعودية، بالاضافة إلى نمو الانفاق الاستهلاكي بدعم من المشاعر الايجابية، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ من 2023.

وأشارت تصنيفات “ستاندردز آند بورز غلوبال” إلى أن معظم شركات البنية التحتية والمؤسسات في دول مجلس التعاون تستفيد من ظروف ائتمانية داعمة عموماً في أسواقها المحلية. ويأتي ذلك على الرغم من ضعف النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الفائدة والمخاطر الجيوسياسية الكبيرة في الشرق الأوسط.

وكشفت أن أكثر من 95 في المئة من نظرتها المستقبلية حول شركات البنية التحتية والمؤسسات المصنفة في دول المجلس مستقرة، ما يؤكد وجهة نظرها بأن التصنيفات ستظل مرنة في 2024. وتوقعت أن تتمكن الشركات من تحمل احتياجات إعادة التمويل الأعلى وتكاليف الفائدة في العام الجاري. ويعزى ذلك إلى تحسن الأداء التشغيلي منذ 2023، ولا سيما لشركات النفط والغاز والمواد الكيميائية، وكذلك إلى النمو المستمر في القطاعات غير النفطية.

عوامل تدعم استمرار نمو القطاع غير النفطي

وسيؤثر النمو المستقر في السياحة الدولية والاتجاهات السكانية الايجابية على قطاعات متعددة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الضيافة والبيع بالتجزئة وشركات الطيران. وتشير أحدث البيانات إلى أن عدد الزوار الدوليين في طريقه لتجاوز أرقام عام 2019 في السعودية والامارات وقطر.

أداء سوق العقارات

على صعيد آخر، أدى الطلب المستمر على العقارات في الامارات والمدن السعودية الكبرى إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار خلال العامين الماضيين، ما يعود بالفائدة على جودة ائتمان مطوري العقارات. وبينما أشارت البيانات إلى أن خطر انعكاس سعر الدورة قد زاد في دبي، توقعت أن يستمر الطلب في السعودية في التأثر سلباً بارتفاع معدلات الرهن العقاري وانخفاض القدرة على تحمل تكاليف العقارات.

تشجيع تأسيس مشاريع تجارية جديدة

سيكون هناك بعض النمو في الشركات الجديدة في الامارات والسعودية. ففي الامارات، يعود ذلك إلى قواعد جديدة تسمح بملكية أجنبية بنسبة 100 في المئة لشركات معينة، وتأشيرات طويلة الأجل جديدة يمكن الوصول إليها. وفي السعودية، يعود ذلك إلى “برنامج المقر الرئيسي الاقليمي”، الذي بدأ سريانه اعتباراً من 1 كانون الثاني 2024، والذي يفرض على الشركات التي لديها عقود مع وكالات حكومية أن يكون لها مقر إقليمي في السعودية. وستدعم تأشيرة إقامة مميزة جديدة تم إطلاقها في الشهر نفسه في السعودية الأعمال التجارية الجديدة وتدفق السكان بصورة أكبر. وعموماً، سيستمر هذا في تشجيع خلق وظائف جديدة، مع تداعيات إيجابية على القطاعات التي يقودها المستهلكون.

زيادة الاستثمارات في خفض انبعاثات الكربون

أما على صعيد الاستثمارات في خفض انبعاثات الكربون، فقد رفعت وزارة الطاقة السعودية من مستهدفها لإنتاج الطاقة المتجددة إلى 130 جيغاوات بحلول العام 2030 من 59 جيغاوات سابقاً، بهدف تصدير جزء من تلك القدرة الاضافية المركبة على شكل هيدروجين أخضر، على غرار ما حققه مشروع “نيوم” للهيدروجين الأخضر، أكبر منشأة تجارية للهيدروجين في العالم. وتوقعت الوكالة أن تتطلب أجندة الطاقة المتجددة هذه وحدها حوالي 90 مليار دولار من التمويل.

تُؤكد هذه الأرقام ثبات مسار النمو الاقتصادي، وتبشر بتوقعات إيجابية لتحسين الأداء خلال الأشهر القادمة، مدفوعة بأسعار النفط المقبولة وسياسات تنويع الاقتصاد. وتؤدي القطاعات غير النفطية دوراً محورياً في هذه المرحلة، حيث تظهر قدرتها على تحقيق نمو مستدام يعزز من استقرار الاقتصادات الخليجية على المدى الطويل، لا سيما في السعودية حيث تشهد نمواً متواصلاً خلال السنوات الأخيرة، مدعومة برؤية المملكة 2030 وبرامجها الطموحة لتحفيز الاستثمار وخلق فرص العمل.

شارك المقال