المرأة في عيدها… 3.9 مليارات قصة من الفرص الاقتصادية المُهدرة

سوليكا علاء الدين

يحتفي العالم بـ”اليوم العالمي للمرأة” في الثامن من مارس/آذار من كل عام. وقد اختارت الأمم المتحدة شعاراً لعام 2024 هو “الاستثمار في المرأة: تسريع وتيرة التقدم”. يُسلّط هذا الشعار الضوء على أهمية دعم النساء وتمكينهن، من خلال الاستثمار في تعليمهن وصحتهن وتعزيز وصولهن إلى التكنولوجيا الرقمية، كوسيلة لتسريع التقدم العالمي نحو تحقيق المساواة بين الجنسين. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال المساواة حلماً بعيد المنال عالميّاً، بحيث تواجه النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم العديد من التحديات التي تمنع حصولهن على حقوق وفرص متساوية مع الرجال.

فجوة عميقة

وعلى الرغم من سعي المجتمع الدولي الى تشريع قوانين تحقق المساواة للمرأة، تجاوزت الفجوة بين الجنسين في الفرص الاقتصادية كل التوقعات. إذ تواجه 3.9 مليارات امرأة، أي نصف سكان العالم، عقبات قانونية تعرقل مشاركتهن الاقتصادية بصورة كبيرة وتُظهر الاحصائيات حجم اتساع الفجوة بشكلٍ مُقلق. ففي الوقت الحالي، بينما يشارك حوالي ثلاثة أرباع الرجال في القوى العاملة، تظل مشاركة النساء ضعيفة للغاية في بعض مناطق العالم. فعلى سبيل المثال، في جنوب آسيا، تعمل امرأة واحدة فقط من كل 4 نساء، بينما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعمل امرأة واحدة فقط من كل 5 نساء. وتُعدّ هذه الفجوة عائقاً رئيسياً أمام التنمية الاقتصادية، بحيث تعوق التوزيع العادل للموارد وتُقيد حجم القوى العاملة، ما يُؤثّر سلباً على الانتاجية والنمو الاقتصادي.

وفي هذا السياق، أظهر تقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” الصادر عن مجموعة البنك الدولي أن حقوق النساء لا تزيد عن ثلثي حقوق الرجال، وليست هناك دولة في العالم تتمتع فيها المرأة بالحقوق القانونية نفسها للرجل في جميع المؤشرات التي تم قياسها. وتهدف استراتيجية مجموعة البنك الدولي المقبلة بشأن المساواة بين الجنسين (2024-2030) إلى إنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي وتعزيز مستوى رأس المال البشري؛ وتوسيع الفرص الاقتصادية للمرأة وتمكينها ودعم مشاركة النساء في تولّي مراكز قيادية وصنع القرار على جميع المستويات.

التقرير قدّم تحليلاً شاملاً للعقبات التي تواجهها النساء في دخول سوق العمل العالمي والمساهمة في تحقيق المزيد من الرخاء لأنفسهن وعائلاتهن ومجتمعاتهن. وبحسب النتائج، بلغ متوسط التقويم العالمي لأطر “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” 64.2 من 100، ما يدل على وجود تفاوت عميق في المساواة بين الجنسين على صعيد القوانين. وعند الأخذ في الاعتبار الفوارق القانونية، مثل تلك المتعلقة بالعنف ورعاية الأطفال، تقلّصت حقوق المرأة إلى أقل من ثلثي حقوق الرجل. ولم تُحقّق أيّ من الاقتصادات الـ 190 التي شملتها الدراسة المساواة القانونية بين الجنسين في جميع المجالات، ما يعني عدم حصول أيّ دولة على الدرجة الكاملة “100”. وبالتالي، لم ينجح أي بلد في العالم، حتى في الدول ذات الاقتصادات الأكثر ازدهاراً، في تحقيق تكافؤ الفرص للنساء.

تنفيذ غير كاف

يُذكر أنّ التقرير أدرج مؤشرين اضافيين يمكن أن تكون لهما أهمية كبيرة في فتح باب الخيارات أمام تمكين المرأة أو تقييدها، وهما: السلامة من العنف، والحصول على خدمات رعاية الأطفال. وعند دمج هذين المؤشرين، لوحظ أن المرأة تتمتع في المتوسط بنسبة 64 في المئة فقط من الحماية القانونية التي يتمتع بها الرجل، وهي نسبة أقل بكثير من التقدير السابق البالغ 77 في المئة.

كما كشف تقرير البنك الدولي عن فجوة صارخة في التنفيذ. فعلى الرغم من أن القوانين المكتوبة تُشير إلى أن المرأة تتمتع بحوالي ثلثي حقوق الرجل، إلا أن الدول في المتوسط أنشأت أقل من 40 في المئة من الأنظمة اللازمة للتنفيذ الكامل. فعلى سبيل المثال، سنّ 98 اقتصاداً قوانين تُلزم المساواة في الأجر للمرأة عن العمل متساوي القيمة. ومع ذلك، لم يعتمد سوى 35 اقتصاداً – أي أقل من اقتصاد واحد من بين كل 5 اقتصادات – تدابير تتعلق بشفافية الأجور أو آليات تطبيق لمعالجة الفجوة في الأجور. ويعتمد التنفيذ الفاعل للقوانين التي تُقر بتكافؤ الفرص على وجود إطار داعم كافٍ، يتضمن آليات تنفيذ قوية، ونظاماً لتتبع التفاوت في الأجور بسبب النوع الاجتماعي، وتوفير خدمات الرعاية الصحية للنساء الناجيات من العنف.

وتُظهر الفجوة في التنفيذ حجم العمل الشاق الذي ينتظر الدول التي تُسن قوانين تكافؤ الفرص. ففي العام 2023، بذلت الحكومات جهوداً حثيثة لتعزيز تكافؤ الفرص من خلال إصلاحات قانونية في ثلاث فئات رئيسية: الأجور، وحقوق الوالدية، والحماية في مكان العمل. لكن نتائج التقويم أظهرت أداءً ضعيفاً لجميع الدول في الفئتين اللتين تمّ رصدهما لأول مرة، وهما: الحصول على خدمات رعاية الأطفال وسلامة المرأة. وتواجه سلامة المرأة تحديات كبيرة، بحيث أظهر متوسط الدرجة العالمية المنخفض (36 نقطة) عجزاً فادحاً في الضمانات القانونية للنساء من جرائم مثل العنف المنزلي، التحرش الجنسي، زواج الأطفال وقتل الإناث. وعلى الرغم من وجود قوانين تجرّم التحرش الجنسي في أماكن العمل في 151 دولة، إلا أن عدد الدول التي تُطبق قوانين مماثلة في الأماكن العامة لا يتجاوز 39 دولة. ويُشكل هذا النقص في الحماية عائقاً كبيراً أمام النساء، ويعوق قدرتهن على استخدام وسائل النقل العام للوصول إلى العمل.

كما كشفت نتائج التقويم عن ضعف قوانين رعاية الطفل في معظم الدول. وتقضي المرأة في المتوسط أكثر من 2.4 ساعة يومياً في أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر، أغلبها يتعلق برعاية الأطفال. ويؤدي توسيع نطاق الحصول على خدمات رعاية الأطفال إلى زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة بنسبة 1 في المئة في البداية، مع توقع ارتفاع هذا التأثير بأكثر من الضعف خلال 5 سنوات. غير أن ما لا يزيد عن 78 دولة (أقل من نصف الدول) تُوفر أي مساعدات مالية أو تخفيضات ضريبية للآباء والأمهات الذين لديهم أطفال صغار. كما أن عدد الدول التي تُطبق معايير عالية لتنظيم خدمات رعاية الأطفال لا يتجاوز 62 دولة (أقل من الثلث). ويُعد غياب هذه المعايير عائقاً أمام عمل المرأة، خصوصاً مع وجود أطفال بحاجة إلى رعاية.

المرأة في خطر

وتُعاني النساء أيضاً من صعوبات كبيرة في مجالات أخرى من بينها مجال ريادة الأعمال، حيث لا يُطبق سوى اقتصاد واحد من بين كل 5 اقتصادات معايير المساواة بين الجنسين في عمليات الشراء والمناقصات العامة. ويُترجم ذلك بحرمان المرأة إلى حد كبير من الفرص الاقتصادية التي تُقدر قيمتها بـ10 تريليونات دولار سنوياً.

أما على مستوى الأجور، فلا يزال التمييز ضد المرأة مُستمراً، بحيث تكسب المرأة 77 سنتاً فقط مقابل كل دولار يتقاضاه الرجل. وتستمر هذه الفجوة حتى مرحلة التقاعد، ففي 62 دولة، تختلف أعمار التقاعد بين الرجل والمرأة. على الرغم من أن متوسط أعمار النساء أكبر من الرجال، إلا أن المطاف ينتهي بهن بمزايا معاشات تقاعدية أقل وانعدام أمان مالي أكبر في سن الشيخوخة. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها حصولهن على أجور أقل أثناء العمل، وأخذ إجازات رعاية الأطفال، والتقاعد المبكر.

على صعيد آخر، يبرز نقص التمويل كأحد أبرز التحديات التي تعرقل تحقيق المساواة بين الجنسين بحلول العام 2030. وبحسب الأمم المتحدة، هناكَ عجز هائل في الإنفاق السنوي يٌقدّر بنحو 360 مليار دولار أميركي. ويؤدي هذا النقص إلى إعاقة تنفيذ العديد من البرامج والسياسات التي تهدف إلى تحقيق المساواة بين الرجال والنساء. وأشارت أحدث التقديرات إلى أن 75 في المئة من البلدان ستُقلّل من الانفاق العام بحلول العام 2025، وذلك بسبب النزاعات وارتفاع أسعار الوقود والغذاء. ويُؤثّر التقشف سلباً على النساء خصوصاً، بحيثُ يحلّ بدلاً من الإنفاق العام على الخدمات العامة الأساسية مثل الرعاية الصحية، التعليم والحماية الاجتماعية.

وتلعب المنظمات النسوية دوراً ريادياً في معالجة فقر المرأة وعدم المساواة بين الجنسين. ولكن على الرغم من أهمية دورها، لا تتلقى هذه المنظمات سوى 0.13 في المئة من إجمالي المساعدات الرسمية للتنمية، ما يُمثل تحدياً كبيراً يعوق قدرتها على تحقيق أهدافها المنشودة.

أولوية المساواة

على وقع تداعياتِ الأزمات المتتالية، يزداد إلحاح تحقيق المساواة بين الجنسين بصورة فاعلة ومحاربة جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة. ويُعدّ ضمان حقوق النساء والفتيات في مختلف جوانب الحياة السبيل الوحيد لبناءِ اقتصاداتٍ مزدهرة ومجتمعاتٍ عادلة، وعالمٍ آمن يؤمّن حياة كريمة ومستدامة للأجيال القادمة.

شارك المقال