القطاع المصرفي الاماراتي: قوة وثقة تدعمان مسيرة النمو

سوليكا علاء الدين

عزّزت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية الى النظام المصرفي في الامارات العربية المتحدة من “مستقرة” إلى “إيجابية”. جاء ذلك مدعوماً بقوة الانتعاش الاقتصادي، ونمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي المتوقع هذا العام، والذي توقعت “موديز” أن يصل إلى 4.6 في المئة، مقارنة بـ 3.1 في المئة في العام 2023. تأتي هذه التوقعات في ظل توقعات بتحسن الأداء المالي للبنوك، بالتزامن مع نمو الاقتصاد غير النفطي والارتفاع المستمر في أسعار النفط. وأشارت الوكالة إلى أن التطور الاقتصادي المستمر من شأنه أن يُحسّن من قدرة المقترضين على سداد ديونهم، مع توقعات باستقرار مخاطر الأصول.

الوكالة شدّدت في تقريرها الصادر حول القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي، على أنّ تحسين تقويمها المستقبلي للنظام المصرفي الاماراتي ذي التصنيف الائتماني المرتفع Aa2 (مستقر)، يعكس التحسن القوي في البيئة التشغيلية للقطاع المصرفي في دولة الامارات، واستفادته من النمو السريع للقطاعات غير النفطية. وأكدت “موديز” قدرة حكومة الامارات على دعم البنوك في حالات الضغوط المالية الشديدة، مدعومة بمصادر التمويل المتنوعة والسيولة المريحة للبنوك الاماراتية. وأشادت بمرونة اقتصاد الدولة وقوته المالية وتنوعه الواسع، ما يوفر ظروف تشغيل مواتية للقطاع المصرفي ويُعزّز قدرة البنوك على مواجهة التحديات الخارجية بعيداً عن أوضاع عدم اليقين التي تخيمّ على الاقتصاد العالمي.

كما توقّعت الوكالة أن ترتفع احتياطيات رأس المال القوية لدى البنوك مدعومة بالربحية النهائية التي ستظل مستقرة على نطاق واسع. وستُتيح السيولة الوفيرة للبنوك الحفاظ على مراكز تمويل قوية، بينما يبقى احتمال حصول البنوك على دعم حكومي في حال الحاجة مرتفعاً للغاية. وسيُساهم النمو الاقتصادي في القطاعات غير النفطية، المتوقع أن يصل إلى 4.5 في المئة في العام 2024 (من 5.5 في المئة عام 2023)، في تحسين النمو الاقتصادي عموماً مرتكزاً على أسعار النفط المُواتية وثقة الأعمال القوية والاصلاحات الهيكلية، إلى جانب القوانين والتشريعات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تُحافظ على قدرة الدولة على التنافس. ويعكس هذا الانتعاش القوي أداءً متميزاً لقطاعات السياحة والتجارة والنقل والعقارات والضيافة، بدعم من جهود دولة الامارات العربية المتحدة لتعزيز مكانتها التنافسية وجاذبيتها الاستثمارية.

ورجّحت “موديز” استقرار معدلات ربحية البنوك خلال العام 2024، وذلك بعد تحقيقها أرباحاً قوية في العام 2023. وعزت الوكالة هذا الاستقرار إلى ارتفاع أسعار الفائدة وظروف التشغيل المواتية، وعدم توقّع خفض الاحتياطي الفديرالي الأميركي أسعار الفائدة قبل النصف الثاني من العام، فضلاً عن مساعدة نمو الائتمان في زيادة عوائد الأصول.

وتوقع التقرير أيضاً أن يؤدي تعزيز رأس المال الأساسي وتحسين مخصصات خسائر القروض إلى تكوين احتياطيات قوية، مُشيراً إلى أنّ نسبة تغطية البنوك الاماراتية، والتي تُعرف بأنها احتياطيات خسائر القروض كنسبة من القروض المتعثرة، قد وصلت إلى 103 في المئة في العام 2023. ويُعد هذا المستوى قابلاً للمقارنة مع الأنظمة المصرفية الأخرى ذات التصنيف العالي، ما يوفر صمّام أمان إضافياً للبنوك.

وفي ما يتعلق بنسبة القروض المتعثرة، فمن المرجّح أن تستقر عند مستوى يتراوح بين 4 و5 في المئة من إجمالي القروض. ويعود ذلك إلى تحسن النمو الاقتصادي الذي سيعزز قدرة المقترضين على السداد، بالاضافة إلى استمرار توسع الائتمان بصورة سليمة. وتظهر التوقعات أن مبادرات التنويع الحكومية المستمرة والاصلاحات الهيكلية والتضخم المعتدل من شأنها أن تساهم في حماية أداء القروض عموماً.

وأضافت وكالة “موديز” أن البنوك الاماراتية ستحظى بتمويل قوي ووفرة في السيولة على المدى المنظور. ووفقاً للتقرير، شكلت ودائع العملاء 78 في المئة من قاعدة تمويل البنوك في العام 2023. وتشير نسبة صافي القروض إلى الودائع، التي بلغت 74 في المئة في العام 2023 (مقابل 77 في المئة في العام 2022)، إلى أن البنوك الاماراتية لا تعتمد بصورة كبيرة على تمويل السوق لتمويل أنشطة الإقراض الخاصة بها. بالاضافة إلى ذلك، تُعد الأصول المصرفية السائلة مرتفعة، بحيث تشكل 39.8 في المئة من إجمالي الخدمات المصرفية.

تتوافق توقعات وكالة “موديز” مع توقعات وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني التي صدرت في شهر شباط الماضي، بحيث تتفق على استمرار البنوك الاماراتية في تحقيق أداء قوي خلال العام 2024، مدعومة بنتائجها الايجابية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2023. وبفضل البيئة الاقتصادية الداعمة، شهد القطاع المصرفي الاماراتي تقدماً وازدهاراً ملحوظاً، مُعززاً بثقة عالية وبقوانين وتشريعات حديثة عزّزت من قدرته على لعب دورٍ فاعل وجوهري في تحفيز مسيرة التنمية الاقتصادية في الامارات العربية المتحدة.

شارك المقال