النفط على صفيح ساخن: صراع بين الاستقرار والاضطراب

سوليكا علاء الدين

تواصل أسعار النفط رحلتها التصاعدية مدعومة بمخاوف عميقة من نقص الامدادات العالمية، بحيث تلقي الأحداث المتفاقمة في الشرق الأوسط، وعرقلة الشحن في البحر الأحمر، واستمرار الحرب الروسية-الأوكرانية بتأثيراتها السلبية على أسواق النفط. وشهدت الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً في نهاية جلسات آذار، في طريقها لتحقيق مكاسب للشهر الثالث على التوالي، ومدعومة بحالة التفاؤل بشأن احتمالية ازدياد الطلب الأميركي على النفط الخام خلال الفترة المقبلة.

ويتوقع الخبراء استمرار صعود أسعار النفط عالمياً خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد أدائها المتميز في الربع الأول من العام 2024 بحيث تُعزى هذه التوقعات إلى استمرار العوامل التي أدّت إلى ارتفاع الأسعار منذ بداية العام. وتتجه الأنظار في الأسواق العالمية نحو اجتماع مجموعة “أوبك+” المقرر عقده الأسبوع المقبل، حيث تُنفّذ المجموعة تخفيضات في إنتاج الخام بهدف تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمي.

تقاطع ذهبي

أشارت وكالة “بلومبرغ” إلى اقتراب أسعار النفط من تحقيق “التقاطع الذهبي”، وهو مؤشر تقني ذو تأثير كبير على أسعار النفط. فقد سبق أن تنبأ بارتفاعات كبيرة في آخر مرتين ظهر فيهما. وأوضحت أن المؤشرات التقنية لا تؤثر على جميع المتعاملين في السوق، لكنها تُشكل جزءاً من نقاش السوق الأوسع نطاقاً. ويدلّ هذا النمط الصعودي إلى تجاوز المتوسط المتحرك لسعر النفط على مدار 50 يوماً للمتوسط المتحرك خلال الـ 200 يوم تداول الأخيرة، بحيث يبلغ هذا التباين حالياً 70 سنتاً للبرميل. وظهر هذا التقاطع آخر مرة في آب الماضي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنحو دولارين من سعر 100 دولار للبرميل خلال شهر أو بعد ذلك.

وتوقعت الوكالة أن يشهد خام برنت مزيداً من المكاسب خلال الربع الثاني من العام 2024، مدعوماً بارتفاعه بنسبة 12 في المئة منذ بداية العام واقتراب “التقاطع الذهبي”. ولكن، يُحذر بعض الخبراء من أن هذا التقاطع قد يُشير أيضاً إلى فترة تراجع لأسعار النفط، كما حدث بعد حدوث عمليتي التقاطع السابقتين في عامي 2019 و2020.

النفط رهينة المخاطر

يُعد تفاقم التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وجماعات الحوثيين في البحر الأحمر أحد أهم العوامل التي تؤثر على أسواق النفط بصورة قوية. وتثير هذه الأحداث مخاوف متزايدة من نقص الامدادات في الفترة القادمة جراء ارتفاع التكاليف، ما قد يُؤدي إلى تعطل كبير في إمدادات النفط العالمية. وفي هذا السياق، كشف بنك الاستثمار الأميركي “غولدمان ساكس” عن تحويل قرابة مليوني برميل من النفط يومياً بعيداً عن البحر الأحمر، وذلك لتجنب الاضطرابات الأمنية التي يشهدها الممر المائي في الوقت الحالي. وتُقدّر كمية النفط المُحوّلة بنحو 30 في المئة من إجمالي تدفقات النفط عبر البحر الأحمر، ما يُشكل مؤشراً على التأثير الكبير للاضطرابات على حركة التجارة العالمية للنفط.

وشدّد البنك على أن الاضطرابات الراهنة تُؤثّر على أسعار النفط الخام بصورة طفيفة، بحيث لم تُسجّل أيّة تأثيرات على إنتاج النفط حتى اللحظة. بينما تُؤثّر هذه الاضطرابات بصورة ملموسة على أسعار شحن النفط وعلى المنتجات النفطية المُكرّرة في أوروبا مع قيام شركات الشحن العالمية بتغيير مسار ناقلاتها بعيداً عن البحر الأحمر وقناة السويس، واتّجهت نحو رأس الرجاء الصالح.

وأظهرت تقديرات “غولدمان ساكس” أن اضطرابات البحر الأحمر أدّت إلى ارتفاع أسعار خام برنت بدولارين فقط للبرميل. ويعود ذلك إلى زيادة مدة بقاء النفط في البحر، وارتفاع الطلب على الوقود البحري، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض أسرع من المتوقع في مخزونات النفط على البر. كما أضاف البنك أن هجمات أوكرانيا المتزايدة على البنى التحتية النفطية الروسية، خصوصاً مصافي التكرير، تُشكل مصدراً آخر للمخاطر الجيوسياسية المستمرة، وتُفاقم من النقص الحالي للمنتجات المكرّرة، مُظهراً أن روسيا فقدت 800 ألف برميل يومياً من طاقة التكرير حتى الآن، ومن المُحتمل أن يدوم هذا الانخفاض لعدة أشهر، وسط انخفاض مخزونات المنتجات بالفعل.

من المتوقع أن تستمرّ المخاطر الجيوسياسية في التأثير على إمدادات النفط والمنتجات النفطية في المستقبل. وتشمل هذه المخاطر شن هجمات أخرى على البنى التحتية النفطية الروسية، أيّ خفض لامدادات النفط الايراني بعد الانتخابات الأميركية، أو عقب تصعيد محتمل للصراع في غزة، بالاضافة إلى إغلاق مضيق هرمز، وهو احتمال أقل ترجيحاً، إلا أنّ عواقب وخيمة ستترتب عليه، أهمها انخفاض كبير في إنتاج الخام في الشرق الأوسط، وارتفاع حاد في أسعاره.

مستقبل على المحك

تواجه صناعة النفط عاماً حاسماً في الـ 2024، بحيث تتقاذفها موجات من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، ما يُضفي المزيد من الغموض على مستقبل أسعار النفط. وتشير منظمة “أوبك+” إلى أنّ الصناعة النفطية ستحتاج إلى استثمارات ضخمة تقدر بنحو 14 تريليون دولار بحلول العام 2045، وذلك لضمان استقرار إمدادات الطاقة وتلبية الطلب المتزايد على النفط. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً في عامي 2024 و2025، بينما تتوقع “أوبك+” نمو الطلب على النفط في عام 2024 إلى 2.25 مليون برميل يومياً، ليصل إلى 104.46 مليون برميل يومياً.

وفي محاولة لكبح جماح أسعار النفط المتصاعدة، اتخذت دول “أوبك+” قراراً بتمديد خفض الانتاج بمقدار 2.2 مليوني برميل يومياً حتى نهاية حزيران من العام الحالي، غير أنّ تصاعد حدّة التوترات الجيوسياسية يُهدد استقرار الأسواق ويُبقي أسعار النفط في العام 2024 على صفيح ساخن.

شارك المقال