اقتصاد الشرق الأوسط… صمود أمام تحديات النفط والأزمات

سوليكا علاء الدين

وسط التحديات التي لا تزال تواجهها منطقة الشرق الأوسط، مثل تمديد خفض إنتاج النفط والأزمات الجيوسياسية، أظهر تقرير “بي دبليو سي” الأخير حول المشهد الاقتصادي في الشرق الأوسط، ، قدرة اقتصاد المنطقة على الصمود. ويُتوقع أن يستمر نمو القطاع غير النفطي في المنطقة بوتيرة قوية، مدعوماً بأداء الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي الذي فاق التوقعات في العام 2023، ومؤشرات مديري المشتريات في كل من المملكة العربية السعودية والامارات، التي تشهد توسعاً هائلاً منذ مطلع العام 2024.

أبرز التقرير بصورة ملحوظة دور التمويل الأخضر في دفع التنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل في المنطقة، وذلك من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بحيث سلط الضوء على ثلاثة محاور رئيسية: تمديد خفض إنتاج النفط والقطاع غير النفطي، الممرات التجارية والمسارات البديلة وزخم التمويل الأخضر.

تباطؤ ونمو

شهد سعر النفط الخام برنت استقراراً في الأشهر الأولى من العام 2024 عند 80 دولاراً أميركياً للبرميل، أي ما يعادل متوسط سعره في العام 2023، بانخفاض عن سعره في العام 2022 الذي بلغ 101 دولار أميركي للبرميل.

تُشير توقعات الطلب على النفط في العام 2024 إلى احتمالية عدم قدرة منظمة “أوبك+” على زيادة إنتاجها من دون مواجهة خطر انخفاض الأسعار. وتتوقع المنظمة نمو الطلب بمعدل 2.3 مليون برميل يومياً، بينما تتوقع الوكالة الدولية للطاقة نمواً أقل بكثير يبلغ 1.2 مليون برميل يومياً. وفي الوقت نفسه، يتوقع المحللون أن ينمو إنتاج النفط من دول خارج “أوبك+” بمعدل 1.3 مليون برميل يومياً. وهذا يعني أن إنتاج الدول المنتجة من خارج دول المنظمة سيكون كافياً لتلبية الزيادة في الطلب، حتى لو تمّ الاعتماد على الحد الأدنى من توقعات الوكالة الدولية للطاقة. وبالتالي، فإن أي زيادة في إنتاج “أوبك+” قد تؤدي إلى انخفاض الأسعار.

وكانت مجموعة “أوبك+” قد اتفقت على تمديد خفض الانتاج حتى نهاية الربع الثاني من العام 2024، وذلك في ظل تباطؤ نمو الطلب على النفط وازدياد مخاطر ارتفاع الامدادات من الدول خارج المجموعة. ويشير خفض الانتاج إلى احتمال انكماش القطاع النفطي خلال العام 2024 مقارنة بالعام الماضي. وعلّقت المملكة العربية السعودية خططها لزيادة طاقتها الانتاجية، مستثمرةً رؤوس الأموال في مشاريع الطاقة البديلة، بما يشمل مصادر الغاز والطاقة المتجددة. في المقابل، أعلنت دولة قطر عن خطط طموحة لزيادة إمكاناتها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، لا سيما عبر مشروع توسعة حقل الشمال الغربي. وتشير هذه الخطوة إلى مرحلة مهمة في استراتيجية قطر لتعزيز إمكاناتها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتعزيز مكانتها في السوق العالمية. وتأتي هذه الخطط استجابةً للآفاق الأكثر تفاؤلاً للغاز مقارنةً بالنفط، ولجاذبية الغاز بسبب انبعاثات الكربون المنخفضة المرتبطة باعتماده.

تواصل منطقة الشرق الأوسط تركيز جهودها على المرحلة التالية من التنويع والتنمية، وذلك من خلال الاستثمارات الحكومية والاصلاحات التي تهدف إلى جذب استثمارات القطاع الخاص. وعلى الرغم من عدم التناسق في بعض الجوانب، إلا أن التوجهات في القطاعات غير النفطية قوية عموماً. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي الصادرة في أكتوبر 2023 إلى أن متوسط نمو القطاعات غير النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي سيبلغ 3.9 في المئة في العام 2024، بانخفاض طفيف عن المتوسط المقدر لعام 2023 الذي بلغ 4.2 في المئة.

مسارات بديلة

تُعدّ هجمات البحر الأحمر على سفن الشحن تذكيراً صارخاً بأهمية المسارات التجارية البحرية في المنطقة ومدى تعرضها للتهديدات. يُعدّ مضيق باب المندب أحد أهمّ هذه المسارات، حيث يمرّ عبره قرابة 15 في المئة من التجارة العالمية بقيمة تزيد عن تريليون دولار أميركي سنوياً، بما في ذلك 8 ملايين برميل نفط يومياً. وأدّت الهجمات إلى إعادة توجيه معظم سفن التجارة لتبحر حول إفريقيا، ما زاد من وقت الوصول وتكاليف الشحن بصورة كبيرة. وتُعتبر دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر الدول المتضررة من هذه الهجمات، نظراً الى اعتمادها الكبير على التجارة مع أوروبا عبر البحر الأحمر.

وبسبب المخاطر المتزايدة، وطول المدة، والتكاليف الباهظة لمسار الملاحة البحرية الحالي، ظهرت الحاجة إلى بدائل جديدة. ويُعد الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ومشروع طريق التنمية في العراق من أهمّ البدائل المطروحة، نجد لكلّ من هذه المسارات البديلة جوانب إيجابية وأخرى سلبية.

ومع ازدياد حجم التجارة المتدفقة في منطقة الشرق الأوسط وعبرها بصورة مستمرة، بات من الأهمية بمكان تطوير ممرات تجارية تضمن سرعة الوصول، وخفض التكاليف، مع مراعاة البيئة وتعزيز الأمان. وفي ما يتعلق بالمسارين الرئيسين المقترحين أعلاه، فمن غير المرجح إحراز أي تقدم قبل التوصل إلى حل سياسي للحرب في غزة، وهو أمر أساسي أيضاً لإنهاء الأزمة التي تشهدها الملاحة في البحر الأحمر. ونظراً الى النمو المستمر للتجارة حول العالم، هناك إمكان لتطوير هذين المسارين وتوسعة قناة السويس أيضاً، بحيث تجري مصر حالياً دراسة جدوى لتحويل المقاطع ذات المسار الواحد إلى معابر مزدوجة تستطيع استقبال السفن التي تبحر في الاتجاهين.

زخم أخضر

يشهد التمويل الأخضر زخماً متزايداً في أعقاب النجاح الكبير لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP28) الذي عقد في دبي، وطرح أطر عمل التمويل الأخضر في المنطقة. ولعل أبرز مبادرات التمويل الأخضر تمثلت في إعلان دولة الامارات العربية المتحدة عن إنشاء صندوق “ألتیرا” بقيمة 30 مليار دولار أميركي للحلول المناخية على مستوى العالم. يهدف الصندوق إلى جمع تمويل خاص بقيمة 250 مليار دولار أميركي بحلول العام 2030، لإحداث تحول جذري في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، بما فيها تلك الموجود في منطقة الشرق الأوسط.

وارتفعت إصدارات السندات والصكوك الخضراء في منطقة الشرق الأوسط بصورة مطردة خلال العام 2023، بحيث تضاعفت قيمتها لتصل إلى 24 مليار دولار أميركي، مدعومةً بدفع من كل من الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي تخطط لإصدار سندات سيادية خضراء لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وذلك في إطار استراتيجية التمويل الأخضر التي أطلقتها مؤخراً.

واستمر هذا الزخم خلال العام 2024، بحيث نشرت سلطنة عمان إطاراً للتمويل المستدام، بينما أعلن وزير المالية القطري في دافوس أن بلاده تُخطط لطرح أول سندات خضراء قريباً. ومن المتوقع أن يستمر نمو قطاع التمويل المستدام في دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات المقبلة.

التقرير أشار، الى أنه وعلى الرغم من التركيز المتزايد على الاستدامة وتحويل الاقتصادات إلى اقتصادات خضراء، إلا أن التمويل الأخضر لا يزال فرصة غير مستغلة بصورة كافية في المنطقة، خصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي التي تمتلك أسواقاً رأسمالية متقدمة.

تحسّن ضئيل

وفي الختام، أكد التقرير الأداء الإيجابي للقطاعات غير النفطية في منطقة الشرق الأوسط، حيث حققت كل من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة نمواً قوياً في الناتج المحلي الاجمالي ومؤشرات مديري المشتريات، وذلك على الرغم من انخفاض إنتاج النفط. في الامارات، وصل مؤشر مديري المشتريات إلى أعلى مستوياته منذ أربع سنوات، مسجّلاً 57.7 في شهر تشرين الأول/أكتوبر، بيد أنه تراجع قليلاً بعد ذلك إلى 56.6 في كانون الثاني/يناير. أما في السعودية، فقد سجّل المؤشر 55.4 في الشهر عينه.

وفي ما يتعلق بالتضخم، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تراجعاً في معدلات التضخم خلال العام 2023، وذلك على الرغم من بعض التحديات المتعلقة بارتفاع الايجارات في بعض الدول. فقد بلغ المتوسط المركب 6.2 في المئة، ووصل إلى 7.1 في المئة بنهاية العام. ويمثل ذلك انخفاضاً ملحوظاً بعد أن سجل أعلى معدل له في مرحلة ما بعد كوفيد-19 في حزيران/ يوليو 2022، عند 3.4 في المئة.

شارك المقال