لبنان يحترق… و”إطفاء” قرداحي مقابل بيطار!

لبنان الكبير

أكملت الحرائق المتنقّلة التي اجتاحت المناطق اللبنانية أمس من أقصى البلاد إلى أقصاها، مشهديّة الاشتعال الكئيب في مفاصل الصورة العامّة، التي تجتاح لبنان على الصعد السياسية والاقتصادية والبيئية. ولم يكد ينقص عناوين الاختناق سوى تمدّد النيران إلى مساحات حرجية واسعة النطاق من الشمال إلى الجنوب، بما تلازم مع اختناق قيمة سعر صرف الليرة مع بلوغ الدولار مستويات غير مسبوقة في عطلة نهاية الأسبوع لامست 23 ألف ليرة. وإذ شهد سعر الصرف تراجعاً طفيفاً مساء الأحد، سجّل في السوق ما بين 22700 و22750 ليرة للدولار الواحد. ونافست نيران الأزمات السياسية على لقب “الحريق” الأكثر تمدّداً مع استمرار اندلاعها على مقلب الأزمة المستجدة بين لبنان ودول الخليج العربي من دون التوصل إلى بلورة مخرج يقضي باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي من جهة، واستمرار التعنّت على صعيد محور “حزب الله” لناحية تعطيل عقد جلسات الحكومة ربطاً بقضية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار من جهة ثانية.

وأفادت معلومات “لبنان الكبير” بأنّ ثمّة مشاورات سياسية ناشطة أعيد تحريكها في الساعات الماضية، في إطار البحث عن مخرج يرضي الجميع ويساهم في إعادة عقد الجلسات الحكومية. وعُلم أن المشاورات تقوم على بحث إطار مخرج دستوري يؤدي إلى إقصاء بيطار، في مقابل تمهيد الطريق أمام عودة انعقاد جلسات الحكومة والبحث في مخارج تقضي باستقالة قرداحي أو إقالته مع ترجيح خيار الاستقالة، طالما أن هذا القرار ليس مرتبطاً بتوجّه شخصيّ من الوزير نفسه بل يعتبر قراراً قائماً على التوجهات التي يتخذها “حزب الله”. وأشارت المعلومات إلى أن البحث في صيغة التوليفة الكاملة المشار إليها لحلحلة الأوضاع حكومياً، مرتبطة بمسار يسعى إلى ترجمته رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما يرجَّح أن يعرف ما إذا كان ستنتج هذه المحاولات عن نتائج خلال الأيام المقبلة.

وبات من المؤكّد في مقاربة مصادر سياسية معارضة أن لا مجال لأيّ انفراجة على صعيد عودة جلسات الحكومة من دون إجراء مقايضة على قاعدة بيطار – قرداحي. وأشارت هذه المصادر عبر “لبنان الكبير” إلى أنّ “قضية المقايضة لن تكون بهذه السهولة ودونها محاذير داخلية وخارجية، تبدأ من موقف أهالي ضحايا المرفأ وتصل الى المواقف الخارجية التي تترقب موضوع التحقيقات”، مشيرة إلى أنه “من الخطأ اعتبار هذا الملف والتصرف فيه على أساس أنه محط أنظار داخلية فحسب، لأن العين الدولية مترقّبة ولا يمكن التعامل مع الموضوع بهذه البساطة”. وختمت: “هذا الأسبوع سيكون أشبه بأسبوع مفصليّ لمعرفة ما إذا كانت القدرة على التوصل إلى مخرج مرتبط بمسألتي المحقق العدلي في قضية المرفأ وإقالة قرداحي قائمة من عدمها”.

وإذا كان بري يستعدّ لإطلاق محرّكاته الآطفائية في محاولة منسقة مع أكثر من فريق سياسي مؤثر، فإنّ معدّات بيانه أمس وجّهت للمعطى البيئي، طارحاً التساؤلات، في قوله إنه “قبل أسابيع في جرود عكار وقبلها في الجبل وجرود الهرمل والشوف واليوم يحط مسلسل الحرائق في أحراج الجنوب وهي في زمانها وجغرافيتها وتوقيتها تطرح جملة من التساؤلات نضع الإجابة عليها برسم الأجهزة الأمنية والقضائية المختصّة، التي يجب أن تسارع إلى إجراء تحقيقاتها وتحديد المسؤليات والأسباب التي أدّت لحصول هذه الكارثة إذا لم نقل هذه الجريمة التي طاولت ليس البيئة فحسب إنّما أيضاً الإنسان”. وانعطف بيانه متناولا الحرائق السياسية، مشيراً إلى أنه “في الوقت الذي تكاد السنة النيران تلتهم آخر ما تبقى من مساحات خضراء في لبنان من خلال حرائق عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، ألم يحن الوقت للاقتناع إن تحصين الوطن وحفظ ما تبقى من ماء الوجه الوطني وطبعاً ما تبقى من ثروة حرجية يكون بالإقرار بتعيين مأموري أحراج خارج القيد الطائفي؟”، معتبراً أن “أخطر الحرائق التي لا يمكن إخمادها هي الحرائق المذهبية والطائفية المندلعة في النفوس”.

وبين الحرائق السياسية والاقتصادية، أتى دويّ صافرة الإنذار الأقوى أمس على لسان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي تأسّف في عظة الأحد أنّ “بعض المسؤولين السياسيّين والمتعاطين في العمل السياسيّ، بدلًا من محاربة الفقر بشتّى الطرق السياسيّة والاشتراعيّة والاجرائيّة، فإنّهم يمتهنون إفقار المواطنين بأكبر عدد وأكثر حرمان وبطالة، والأرقام هي أنطق دليل. وفوق ذلك يتلكؤون عن معالجة الأزمة الحادّة الناشبة مع دول الخليج”، محذّرا من أن “استنزافَ الوقت يدخلنا في أزمة استنزاف اقتصاديّة ومعيشيّة تصعّب الحلّ، ما يضرُّ بمصالح مئات ألوف اللبنانيّين ومصالحِ التجّار والصناعيّين والمزارعين وقطاعات لبنانيّة أخرى”. واعتبر الراعي أن “حلَّ هذه الأزمة بشجاعةٍ وطنيّةٍ، لا يمسّ كرامة لبنان، بل إنّ تعريض اللبنانيين للطرد والبطالة والفقر والعوز والعزلةِ العربيّة هو ما يمسُّ بالكرامة والسيادة والعنفوان”. وشدّد على أنه “لا يحق لأي طرف أن يفرض إرادته على سائر اللبنانيّين ويضرب علاقات لبنان مع العالم، ويعطل عمل الحكومة، ويَشل دور القضاء، ويخلق أجواء تهديد ووعيد في المجتمعِ اللبناني”، مضيفاً: “أيّ منطق يسمح بتجميد عمل الحكومة والإصلاحات والمفاوضات الدوليّ بهذه الظروف؟ كل ما يجري اليوم يتعارض تمامًا مع النظامِ اللبنانيّ بوجهه الدستوري والميثاقي والديموقراطي”.

شارك المقال