طوابير الأزمات تتصاعد… والخسائر “يا مين يشيل”

لبنان الكبير

وكأنّ المطلوب الاعتياد المتدرّج على مستويات أكثر ارتفاعاً من الفقر والعوز والانهيار الذي “لا سقف” له، مع تخطي سعر الصرف أمس عتبة 31 ألف ليرة مقابل الدولار والتلويح بعودة الطوابير أمام محطات الوقود والأفران. وإذا كان اللبناني رضي بالهمّ و”الهمّ لم يرضَ به” فإنّ قياس انعكاسات الانهيار على نحو عام يُنذر بتراكم أكبر للخسائر كلّما استمرّ واقع الدوران حول الذات وانتظار انفراجات على شكل معجزات سياسياً وحكومياً.

وأشارت معلومات “لبنان الكبير” إلى أن حجم الخسائر، الذي درسته اللجنة الوزارية المختصة بوضع الخطة الاقتصادية الانقاذية، ارتفع إلى مستويات أكبر في الفترة الممتدة ما بين شهري تشرين الأول وكانون الأول الماضيين. وفي وقت عبّرت اللجنة عن مستوى خسائر مقدّر ما بين 68 و69 مليار دولار، أفادت المعلومات بأنّ هذا الرقم يحتسب حجم الخسائر حتى نهاية شهر أيلول الماضي، وأن الرقم ارتفع في الأشهر الثلاثة المنصرمة وبات حجم الخسائر الذي قدّرته اللجنة يبلغ 74 مليار دولار. وهذا الرقم مرجّح للارتفاع كلّما استمرّ واقع التعطيل القائم وتأخر تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية.

ولا يتوقّع أن تستقرّ صورة التراقص المتصاعد ما بين سعر الصرف والانهيار في مرحلة قريبة. وأشارت أجواء “لبنان الكبير” نقلاً عن مرجعية وزارية أن التعويل سيكون في الأشهر المقبلة على الإجراءات التي يتّخذها مصرف لبنان للحدّ من تفلّت سعر الصرف وليس للحدّ من ارتفاعه، باعتبار أنه لولا الاجراءات التي يقوم بها مصرف لبنان لكان وصل الدولار إلى مستويات أكثر ارتفاعاً. واعتبر أن المرحلة الممتدة حتى بدء تدفق الأموال من صندوق النقد إلى البلاد، في حال التوصّل لاتفاق على الخطة الاقتصادية ستكون الأكثر حساسية بانتظار امكان تحديد هامش لتثبيت سعر صرف جديد منطقي.

وفي مقابل العاصفة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، ينصرف السياسيون الى عواصفهم السياسية بأبعادها المتنوعة بما يشمل الاقتصاد. وقد اعتبر المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية أمس رداً على مسألة “تجميد المراسيم” المتعلقة برواتب المتعاقدين والأجراء والمياومين وغيرهم، أنّه “لم يمدّد العمل بالملاكات الموقتة وللمتعاقدين والأجراء قبل نهاية العام الماضي بسبب عدم انعقاد مجلس الوزراء للأسباب المعروفة”. ولفت المكتب إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون “طالب بانعقاد مجلس الوزراء للبتّ في هذا الموضوع وغيره من المواضيع الأخرى العالقة والملحّة لكن سعيه لم يستجاب”. ورأى أنه من “المتعذّر إصدار موافقات استثنائية في ظل حكومة غير مستقيلة ولا هي بمرحلة تصريف الأعمال، والحل المناسب هو في انعقاد مجلس الوزراء”.

وتبقى الآمال المعقودة في ظل الانسداد السياسي على استحقاق الانتخابات النيابية على بعد أشهر، والتي أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس حصولها “في الربيع المقبل بما يشكّل فرصة لشباب لبنان ليقولوا كلمتهم ويحدّدوا خياراتهم في ما يتوافق مع رؤيتهم للانخراط بورشة الإنقاذ المنشود”. وخلال مشاركته في “المنتدى الشبابي الدولي” الرابع الذي تقيمه مصر في شرم الشيخ، أشار ميقاتي إلى أنّ “لبنان يمرّ بمراحل صعبة وأزماتٍ حادة يعرفها الشباب اللبناني ودفعت قسماً كبيراً من أبناء لبنان إلى الخارج، وهذه جميعُها في ضميرنا ووجداننا… لكن العلّة في جسد الوطن تقتضي منّا المعالجةَ لا الخروجَ من المسؤولية أو التخلّي عنها أو الهجرة من الوطن”. وشكر لمصر “دعم لبنان وأهمية رعايتها لإعادة النهوض العربي العام”.

من جهته، شدّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على “التضامن الكلّي مع لبنان خصوصاً في الضائقة التي يمرّ بها، مشيراً إلى استعداد مصر للإسهام بإيصال الغاز المصري وفق المعاهدات الموقّعة وتسهيل الموضوع والإسراع بتنفيذه”. وأردف: “لبنان في قلبي شخصياً وفي ضمير ووجدان مصر”.

استذكار لبنان ورد أيضاً في كلمات البابا فرنسيس أمس، خلال لقاء أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي، إذ استذكر لقاء الأوّل من تموز الماضي الذي خُصِّص للتأمل والصّلاة من أجل لبنان. وأكد البابا أنّ “لبنان الذي شعّ ثقافة عبر القرون والذي يشهد على العيش السلمي، لا يُمكن أن يُترك رهينة الأقدار أو الذين يسعون من دون رادع ضمير وراء مصالحهم الخاصة”. وقال: “الشعب اللبناني العزيز واقع في أزمة اقتصادية وسياسية، وهو يسعى جاهداً لإيجاد حلّ لها. أريد اليوم أن أجدّد تأكيد قربي منه وصلاتي من أجله، وأتمنى أن تساعد الإصلاحات اللازمة ودعم المجتمع الدولي لكي يبقى هذا البلد ثابتاً في هويته وبقائه نموذجاً للعيش السلمي معاً والأخوّة بين مختلف الأديان فيه”.

على صعيد التحضيرات للانتخابات النيابية، برز أمس تأكيد المكتب السياسي لـ”حركة أمل” أنّ “الحركة أطلقت ماكينتها الانتخابية لتكون على جاهزية كاملة، وتؤكد أنّ هذا الاستحقاق الانتخابي ليس إستحقاقاً موسمياً، بل هو تشريع ورقابة على عمل السلطة التنفيذية وعمل دؤوب ودائم يتمثل بخدمة الناس ومؤازرتهم والانحياز إلى مطالبهم المحقة، وتلبية احتياجاتهم والوقوف معهم على مدار السنوات والايام بثبات على النهج وإصرار على الخيارات التي تشكل عنوان رفعة وعزة الوطن وكرامة المواطن”. وفي موضوع دعوة رئيس الجمهورية الى الحوار، أشار المكتب السياسي إلى أن”الحركة ورئيسها كانوا دائماً السبّاقين إلى الحوار بين المكوّنات اللبنانية وعلى أهميته كعنوان تلاقٍ بين اللبنانيين على ثوابتهم المشتركة وعناصر قوتهم”. وأكد “تلبية الدعوة للمساهمة في إيجاد حلول للأزمات التي يعانيها البلد”.

شارك المقال