وحدها أفغانستان تسبقنا في لائحة أتعس دول العالم. يمكن أن يسجل هذا انجازا لـ”العهد القوي” الذي يؤكد يوما بعد يوم أنه في ما تبقى له من ولاية مشؤومة لن يألو جهدا في ايصالنا الى ما بعد التعاسة الأفغانية.
فها هو أطلق “مأمورة التنفيذ” في القضاء العوني غادة عون في حملة دمار شامل يدفع ثمنها المواطن بالدرجة الأولى، خصوصا بعدما دخلت حربها على المصارف مرحلة القصف بالمدافع الثقيلة مع إظهار المصارف عزمها على الرد.
فعلى وقع تفاقم النزاع بين القضاء العوني والمصارف بعد الحجز على خزائن وأموال “فرنسبنك” وختمها بالشمع الأحمر وبعيد إعلان جمعية مصارف لبنان إضراباً تحذيرياً “ضد التعسف” يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، تقرر عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء الساعة العاشرة صباح اليوم لـ”البحث في الموضوع القضائي والمصارف” حسبما أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من قصر بعبدا، عقب انتهاء اجتماع الرؤساء الثلاثة لمناقشة الردّ على رسالة كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة المكلّف الوساطة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود آموس هوكشتاين حول ملف ترسيم الحدود البحرية.
وقالت مصادر إن الرئيس ميقاتي دخل على خط المعالجة في مسعى منه لفرملة ما يقوم به بعض القضاء والذي، اذا استمر على هذا المسار، يهدّد بافتعال توترات لا تحمد عقباها، لما لها من ارتدادات وتداعيات سلبية داخلياً على المواطن وخارجياً على علاقة المصارف بنظيرتها المراسلة.
وذكرت “المركزية” أن قراراً اتخذ بوجوب معالجة النزاع سريعاً نسبةً للمخاطر التي قد تترتب جراءه، وتوقعت أن تكون خطوة إحالة النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة بعد الادعاء عليهما بجرم “الإهمال الوظيفي وهدر المال العام وإساءة الأمانة” وملف المصارف، إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، من ضمن أطر المعالجة الجاري العمل عليها.
وكعادته، حاول رئيس الجمهورية ميشال عون “غسل يديْ” مستشاريه من التدخل في الاجراءات القضائية المتخذة في حق المصارف معتبراً أن ما أثير عن دور لرئاسة الجمهورية في الاجراءات القضائية في حق عدد من المصارف هو “قمة في التزوير والافتراء والتضليل وإمعان في ضرب مؤسسات الدولة، لكون رئاسة الجمهورية لم تتدخل يوماً في عمل القضاء وهي تحترم استقلاليته، لكنها تتابع ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان”.
وكان ميقاتي التقى في السراي الحكومي قبيل توجهه الى بعبدا وزير العدل هنري خوري وحذره من أن “مسار الامور لدى بعض القضاء يدفع باتجاه إفتعال توترات لا تحمد عقباها، وأن ثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية، وهذا أمر خطير سبق أن حذرنا منه”.
وقال ميقاتي: “من حق القضاء أن يحقق في أي ملف مالي ومصرفي، خصوصاً أن استعادة المودعين في المصارف حقوقهم هي الاولوية والثابتة الاساسية في كل المفاوضات التي نجريها مع صندوق النقد الدولي وكل الهيئات المعنية، الا أن إستخدام الاساليب الشعبوية والبوليسية في مسار التحقيقات أساء ويسيء الى القضاء أولا والى النظام المصرفي ككل”. وأكد “أن الحرص على استقلالية القضاء وعدم التدخل في الشؤون القضائية، يوازيه الحرص على استقرار الاوضاع في البلد من النواحي كافة، لا سيما المالية”.
وتم الاتفاق على الطلب من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات اتخاذ الاجراءات المناسبة في هذا الملف.
وفيما كان ميقاتي مجتمعاً مع خوري، كانت جمعية مصارف لبنان تعقد جمعيتها العمومية حيث قررت تنفيذ إضراب تحذيري يومَي الإثنين والثلاثاء المقبلين للقطاع المصرفي بكامله.
ولم يدفع إعلان ميقاتي عقد جلسة طارئة اليوم لمجلس الوزراء بجمعية المصارف الى إعلان عزوفها عن إضرابها التحذيري، بل أصدرت بياناً أكدت فيه مضيها بـ”الإضراب ضد التسعف” في تطبيق السياسات المالية وفي التدابير النقدية وضد بعض القرارات القضائية. وإذ تساءلت عما اذا كان المعنيون يدركون التداعيات الكارثية للتدابير التعسفية المتخذة بحق المصارف تجاه الهيئات الرقابية الاجنبية والمصارف المراسلة، دعت الجمعية المعنيين الى “التوقف عن التهرب من مسؤولياتهم وإلقائها على عاتق المصارف، والمبادرة إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية واتخاذ الخطوات المطلوبة لحماية المصلحة العامة”.
وذكرت مصادر المجتمعين لـ”لبنان الكبير” أنه كان هناك اتفاق بين المصارف على اعتبار هذا التحرك تحذيرياً، وقد يكون هناك مسار تصعيدي اذا لم يتراجع القضاء عن ممارسة أسلوب الشعبوية في تعاطيه مع هذا الملف الحساس.
وقالت المصادر: “من الواضح أن هناك مساعٍ ممنهجة لتحميل القطاع المصرفي المسؤولية الكاملة عن الازمة الاقتصادية في لبنان. ولفتت إلى أن ما يحصل راهناً لا يخدم الاقتصاد والمودعين ويعمّق الهوة أمام امكان خروج لبنان من أزمته، مبدية قلقها من أن تتسبب الملاحقات القضائية بإغلاق حسابات المصارف المستهدفة لدى المصارف المراسلة في الخارج، مما سيدفع باتجاه المزيد من عزل لبنان مالياً عن العالم. وهو ما يحصل حالياً في قبرص التي يتابع مصرفها المركزي الملاحقات القضائية وهو طلب توضيحات من المصارف اللبنانية المتواجدة في السوق القبرصية. ووفق المعلومات المتوافرة، فان المفاوضات التي قام بها مصرف لبنان لدفع نظيره القبرصي الى التراجع عن شروطه فشلت، لأن الجانب القبرصي يطالب بضمانات احتياطية لديه تشكل 105 في المئة من اجمالي الودائع المسجلة في ميزانية فروع المصارف اللبنانية العاملة في قبرص.
وقد أدى انتشار خبر الاضراب التحذيري إلى توافد المواطنين الى المصارف والصرّافات الآلية لسحب الأموال، مما خلق حالة من البلبلة أمام الفروع المصرفية.
كما أدى إلى ارتفاع جنوني وسريع لسعر صرف الدولار مقابل الليرة ليصل الى حدود 23 ألفاً و500 ليرة. والسؤال هل ستدفع الملاحقات القضائية باتجاه توقف عمل منصة “صيرفة” وهو ما سيؤدي حكماً الى تحليق للدولار؟.
القضاء يحاسب أهالي الضحايا
على خط قضائي آخر، استدعت مديرية امن الدولة أمس بيتر بو صعب، شقيق شهيد فوج الاطفاء جو بو صعب، الذي كان قد شارك ايضا مع وليم نون في الاعتصام امام منزل وزير العدل هنري الخوري منذ يومين.
وقد مثل الشابان قبل ان يتم اطلاق سراحهما. وقالا: “نحن سندخل الى التحقيق الآن ولكن فلتتفضل القاضية عون وتُصدر مذكرات جلب بالمجرمين، ام ان الدولة تسير على ناس وناس؟ نحن لسنا دولة انما مافيا”. وكان نون قال: “لي الشرف ان احرض على التحرك امام منازل المسؤولين، ونحنا ما عم نسرق نحنا عم نطالب بالعدالة وخليهن يجيبولنا المسؤولين عن انفجار المرفأ”.
الترسيم في بعبدا
قرر الرؤساء عون ونبيه بري وميقاتي خلال اجتماع عقد ظهر أمس في قصر بعبدا وخصص للبحث في اقتراح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، دعوة الولايات المتحدة الى الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية، وفقاً لاتفاق الاطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة.
وشددوا على ان هذا الملف وطني بامتياز ويجب أن يبقى بعيدا عن التجاذبات والمزايدات التي لا طائل منها. وتم خلال الاجتماع عرض نتائج ما توصلت اليه اللجنة التقنية التي درست اقتراح هوكشتاين والتي تألفت من ممثلين لرئاستي الجمهورية والحكومة وقيادة الجيش (مصلحة الهيدروغرافيا) وهيئة ادارة قطاع البترول. وعرض المجتمعون الملاحظات والاستفسارات حول الاقتراح بهدف الوصول الى موقف موحد يضمن المحافظة على حقوق لبنان وسيادته الكاملة على حدوده البحرية.
خطة الكهرباء
استقبل الرئيس عون وزير الطاقة والمياه وليد فياض وعرض معه التطورات المتصلة بأوضاع الكهرباء والخطة التي اقرها مجلس الوزراء في هذا المجال.
بعد اللقاء قال فياض: “توجهت بالتهنئة الى الرئيس عون بمناسبة موافقة مجلس الوزراء على خطة النهوض المستدام بقطاع الكهرباء، وهذا الامر مهم جدا لأنه يخدم مصلحة لبنان وهو شرط اساسي للمضي قدما بعمليات التمويل في المدى القصير من البنك الدولي للحصول على الغاز المصري والكهرباء من الاردن. والكرة الآن هي في ملعب البنك الدولي للمباشرة بمفاوضات رسمية حول التمويل مع الدولة اللبنانية”.
لائحة الدول السعيدة
نالت فنلندا أمس لقب “أسعد بلد في العالم” للسنة الخامسة على التوالي، فيما تذيّل لبنان وأفغانستان التصنيف الذي يصدر سنويا بإشراف الأمم المتحدة منذ عقد من الزمن.
واحتل لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية خانقة صنّفها البنك الدولي من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، المركز ما قبل الأخير فيما احتلت أفغانستان المرتبة الأخيرة في التصنيف.