بين الفاتيكان والقاهرة… لبنان رهن “مأمورة التنفيذ”

لبنان الكبير

بالتأكيد تجاوزنا أفغانستان على لائحة التعاسة العالمية في غضون الأيام القليلة الماضية، لا بل يفترض إعلاننا “البلد البائس رقم واحد في العالم” بفضل القيادة “الحكيمة” لعهد واجهته العماد ميشال عون ويتحرك بـ”ريموت كونترول” يتحكم به “مرشد الجمهورية” في ملجأ ما في الضاحية الجنوبية، بحيث يستعد “الشعب العظيم” لكل أنواع الويلات طالما لم ينته العهد العوني بتياره ومشاريعه وأطماعه، وطالما “حزب ايران” يتحكم بكل مفاصل الوطن ومؤسساته واستحقاقاته الدستورية، فلا تنفع جعجعة عن “أكثرية” تحكم وتقلب الطاولة على ما يروج السنيور الذي يغرد على ليل معراب.

كان المشهد مبكياً، مزرياً، مؤسفاً على الأقل، لـ”رأسي المارونية” الرئيس عون والكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الأول في الفاتيكان يحمل همّ صهره ويجهد في تبييض صفحة “حزب الله” والمضي في ركب “الممانعة، والثاني في القاهرة يحمل همّ لبنان ويبحث عن سبيل لتكريس الحياد الايجابي.

وبين صورتي الفاتيكان والقاهرة، كانت “مأمورة التنفيذ” غادة عون تواصل “مهمتها” في تخريب ما تبقى من القطاع المصرفي وآخر همها ودائع المودعين.

القضاء – المصارغ

نفذت المصارف أمس إضراباً تحذيرياً يستمر الى اليوم الثلاثاء رفضاً للحملات القضائية التي تُشن عليها، على أمل جلاء موقف الحكومة التي كانت كلفت وزير العدل هنري خوري طرح رؤية لمعالجة الأزمة العالقة على خط القضاء – المصارف.

وفي وقت بدا واضحاً أن مجلس الوزراء فشل خلال جلسته الاستثنائية السبت الماضي، في احتواء المعركة القضائية – المصرفية، استمرت النائبة العامة التمييزية في جبل لبنان القاضية غادة عون في حملتها التصعيدية من ضمن خطة العهد لـ”قبع” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فسطرّت أمس قراراً يقضي بوضع إشارة منع تصرف على كافة الممتلكات العقارية العائدة لشقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة نتيجة التحقيقات الأولية التي أجرتها في الشكوى المقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة “رواد العدالة”. وادعت على حاكم مصرف لبنان بجرمي الاثراء غير المشروع وبتبييض الأموال، وعلى رجا سلامة وآنا كوزاكوفا وعدد من الشركات بالتدخل في هذا الجرم واحالتهم على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور الذي يتوقع أن يحدد موعداً لاستجوابهم.

ونفى حاكم مصرف لبنان اتهامه بـ”الإثراء غير المشروع”، وقال في تصريح لـ”رويترز”: “أمرت بإجراء تدقيق لم يكشف بدوره أن الأموال العامة تمثل أي مصدر لثروتي”.

ومن المتوقع أن يقوم القاضي منصور بتحديد موعد لاستجواب المدّعى عليهم في هذا الملف. فيتم استجواب رجا سلامة الموقوف، ويتم تبليغ كل من الحاكم والسيدة آنّا كوزاكوفا وفق الأصول القانونية، وإن تعذّر الإبلاغ يتم الأمر لصقاً في دائرة قاضي التحقيق.

وفي الموازاة، ادّعت الدائرة القانونية لمجموعتَي “روّاد العدالة” و”متّحدون” جزائياً على جميع أعضاء المجلس المركزي لدى مصرف لبنان ومفوَّضي الحكومة لديه الحاليين والسابقين منذ تولي حاكم مصرف لبنان مهامه، وذلكَ بجرائم الاهمال الوظيفي والخطأ الجسيم في إدارة مرفق عام وسوء استخدام السلطة وهدر وتبديد المال العام والنيل من مكانة الدولة المالية. كما ادعت “رابطة المودعين” على جمعية المصارف أمام قضاء العجلة لـ”وقوع هذا الإضراب تحت خانة التعسّف”.

مصادر مالية نبهت على خطورة الادعاء على المجلس المركزي لمصرف لبنان باعتبار أن من شأن هذا التدبير أن يشل عمل المصرف، اذ لم يعد يحق للمجلس توقيع أي معاملة من أجل تسيير المرفق العام.

وفي تداعيات الاضراب، سجل ارتفاع في سعر صرف الدولار على منصة “صيرفة” إلى 21 ألفاً و500 ليرة في مقابل 20 ألفاً و800 ليرة يوم الجمعة وبحجم تداول قليل مقارنة بما كان يسجل سابقاً وهو 36 مليون دولار في مقابل متوسط 85 مليوناً الأسبوع الماضي. فيما وصل سعر الصرف في السوق الموازية إلى 24 ألف ليرة مقابل الدولار.

وسط هذه الأجواء السلبية التي تنذر بالمزيد من التصلب في المواقف والادعاءات القضائية في الأيام المقبلة، دعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال لقائه الهيئات الاقتصادية في مقر غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان “جميع اللبنانيين، مسؤولين وقيادات، الى التعاون لتمرير المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، وصولاً الى إجراء الانتخابات النيابية التي تشكّل محطة مفصلية، واستحقاقاً أساسياً تقوم الحكومة بكل جهد لإنجازه في الوقت المحدَّد وبأفضل الظروف، إضافة الى استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي تسير ضمن المهلة المتَفق عليها”.

وعشية زيارة جديدة مرتقبة لوفد صندوق النقد الدولي الى بيروت في الثامن والعشرين من الجاري، أعلن مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي في بيان، أن الاجتماعات مع الصندوق تستمر هذا الاسبوع تحضيراً للزيارة، وأنه تم الاتفاق على تحضير مشروع قانون للتعامل مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي بعد الاتفاق على استراتيجية التصحيح المالي.

ولفت البيان الى أن اجتماعات الأسبوع الماضي ركزت على العديد من النقاط، منها مشروع قانون “الكابيتال كونترول” الذي وضع الصندوق عليه ملاحظات، وذلك بعد طلب مجلس النواب أن يتم التوصل الى اتفاق مع الصندوق قبل عرض المشروع عليه. كما تناولت النقاشات مسألة موضوع السرية المصرفية وضرورة تعديل بعض المواد في القانون الحالي بما يسمح بتسهيل مكافحة التهرب الضريبي والفساد بشكل عام. وجرى “استكمال البحث في موضوع القطاع المصرفي بهدف حماية المودعين قدر الامكان ولا سيما الصغار منهم واعادة تفعيل دور القطاع المصرفي بشكل يخدم الاقتصاد من خلال تمويل القطاع الخاص، وذلك لتحفيز النمو وخلق فرص عمل” وفق البيان. كما تناول البحث “مساهمة الجميع في تحمّل المسؤولية للتعامل مع خسائر القطاع المصرفي مع ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية لحل هذه الأزمة. ولهذه الغاية تم الاتفاق على تحضير مشروع قانون للتعامل مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي بعد الاتفاق على استراتيجية التصحيح المالي”.

عون في الفاتيكان

رأى محللون أن زيارة الرئيس عون الى الفاتيكان تهدف الى “تأكيد أنه الرئيس الشرعي للدولة اللبنانية، وأنه حامي المسيحيين ويدافع عنهم، وهم بخير تحت جناحيه. وأن الاصوات التي ترتفع في الآونة الاخيرة والتي تقول ان لبنان رهينة الاحتلال الايراني ليست صحيحة. رئيس الجمهورية في زيارته هذه، يدافع عن حزب الله وليس عن المسيحيين”.

وسأل هؤلاء: “ما هي الرسالة التي حملها الرئيس عون الى البابا فرنسيس في هذا التوقيت بالذات حيث يعلو صوت المطالبة بالحياد وبتطبيق الطائف؟ كيف سيبرر الانهيارات المتتالية في البلد، ورهن القرار السيادي بيد حزب الله، وتعامله مع الورقة الكويتية والعربية والدولية، وتوقف التحقيق في انفجار المرفأ؟”.

واعتبر مراقبون أن “الزيارة تأتي في سياق الحملة الانتخابية التي يسير فيها التيار الوطني الحر بحيث أن القاضية غادة عون تعمل على تحريك ملفات الفساد في الداخل بهدف الشعبوية تحت شعار محاربة الفاسدين. ويزور رئيس الجمهورية البابا فرنسيس لاستعطافه وليؤكد له أن المشكلة ليست في الاحتلال الايراني بل في الطبقة الفاسدة التي يقف في وجهها ويحاسبها. التيار يحاول أن يلعب بآخر أوراقه الانتخابية. الورقة الشعبوية مع غادة عون، والورقة الخارجية مع رئيس الجمهورية”.

الراعي في القاهرة

وضع البطريرك الراعي في القاهرة الاصبع على الجرح، وسمّى الأمور بأسمائها، متحدثاً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أن لبنان ليس على ما يرام، ومشدداً على اولوية الحياد كمدخل الى إنقاذ البلاد من جحيم الأزمات التي تتخبط بها، ومتطرقاً بوضوح الى مشكلة سلاح “حزب الله”، بما أنه أحد أبرز مسببي العزلة الدولية والعربية للبنان، حيث توقف عند ضرورة أن يتعاون الخارج معنا في ايجاد حل لهذه المعضلة الاقليمية ولاعلان لبنان دولة حياد ايجابي أيضاً.

شارك المقال