نعم دولة مفلسة… وانتخابات بلا رصيد

لبنان الكبير

نعم، نحن دولة مفلسة سياسياً وأخلاقياً. الكل يعرف هذه الحقيقة المرّة التي أصبحت روتينية يتعايش معها المواطن باستخفاف غير طبيعي، ربما لثقل ما عاناه في العهد العوني، الواجهة للعهد الايراني، فصار لبنان في حجر ديبلوماسي، وكأنه مصاب بـ”كورونا سيادية” أسقطت “مناعة” الدولة أمام “فيروس” الدويلة، فصرنا غرباء في بيئتنا العربية وصرنا الأشقياء في عيون العالم، لأن قلة سرقت ونهبت وتاجرت بالمبادئ والشعارات من أجل كرسي.

واذ أغلقت مهلة اللوائح، يبدأ العد العكسي لانتخابات يرى كثيرون أن نتائجها ستكون أشبه بـ”تفليسة سياسية” لكل المشاركين، مع انعدام حظ التغيير، وبالتالي إعادة ضبط ميزان القوى بين طرف مدجج بالمال والسلاح وطرف “يبكي على الأطلال” بصوت أجش.

افلاس الدولة

لم تكن ردة الفعل تُذكر على كلام نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي عن إفلاس الدولة ومصرفها المركزي، قبل أن يخفف منه بالقول انه كان مجتزأ، معرباً عن خشيته من “أن تكون وراءه نية سيئة”.

الشامي، الذي يرأس اللجنة المكلفة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أشهر إفلاس الدولة كما إفلاس مصرف لبنان في الحديث التلفزيوني، قائلاً: “الخسارة وقعت… وتوزيع الخسائر سيكون على الجهات المعنية والتي تتمثل بالدولة ومصرف لبنان والمصارف، بالإضافة إلى المودعين. ولا توجد نسبة مئوية محددة، للأسف الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان”.

وبالتالي، فأن يصدر تصريح مماثل بإفلاس الدولة عمن هو المسؤول عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي بالنيابة عن الحكومة اللبنانية، هو أمر بالغ الخطورة وله تداعياته على سير المفاوضات.

هذا الأمر دفع بالشامي الى التوضيح فقال في تصريح إن حديثه اجتزئ من سياقه حين كان يجيب عن سؤال حول مساهمة الدولة ومصرف لبنان في تحمل الخسائر، فاعتبر أن في إمكانهما تحمّل جزء لكن وضعهما الصعب لا يسمح بتحمل الكثير لردم الهوة.

وسأل الشامي: “من أنا لأعلن إفلاس الدولة؟، الحديث مجتزأ وأخشى أن تكون وراءه نية سيئة، ضميري مرتاح ونعمل بكل طاقاتنا لانجاز خطة تعاف اقتصادية ولابرام اتفاق مع صندوق النقد في أقرب وقت”.

واستغرب الموضوع من ناحية قانونية وتقنية، فـ”لستُ المرجع الصالح لاعلان أمر مماثل”، مضيفاً: “نحن في وضع مالي صعب ولدينا تعثّر في سداد الديون ومشكلات أخرى نأمل معالجتها عبر خطط إصلاحية مناسبة، لكن الأمر لا يعني إعلان الافلاس”. ونفى أن يكون التصريح “تمهيداً لاعلان إفلاس رسمي من قبل المرجعيات المعنية”.

ورد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على هذا التصريح ببيان صادر عن مكتبه الإعلامي، نافياً ما يتم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي، وقال إن هذا الأمر “غير صحيح. فعلى الرغم من الخسائر التي أصابت القطاع المالي في لبنان، والتي هي قيد المعالجة في خطة التعافي التي يتم إعدادها حالياً من قبل الحكومة اللبنانية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، لا يزال مصرف لبنان يمارس دوره الموكل اليه بموجب المادة ٧٠ من قانون النقد والتسليف وسوف يستمر بذلك”.

وكانت مصادر قريبة من الحكومة بررت في وقت سابق أمس لـ”لبنان الكبير” بأن القصد من هذا التعبير هو توقف الدولة عن سداد التزاماتها، فيما شرحت مصادر مالية أن توقف الدولة عن الدفع لا يعني أن ليس لديها أصول وإلا لما كان صندوق النقد وافق على التعامل معها.

وقالت المصادر المالية إياها إن لبنان يملك احتياطات من الذهب بقيمة حوالي 18 مليار دولار وعقارات وموجودات وقطاعات ممكن أن تدر ايرادات وفيرة اذا ما أحسنت إدارتها، كالاتصالات مثلاً. هذا عدا عن المخزون المتوقع من الغاز بعد بدء مسار التنقيب.

وفي إطار اجتماعات بعثة صندوق النقد الدولي، التقت أمس الهيئات الاقتصادية التي أبلغتها “ضرورة الإنطلاق في خطة التعافي من إعتماد معطيات واقعية وعلمية ورؤية إقتصادية شاملة وعادلة ومستدامة”، مؤكدة على “الثوابت” الآتية:

– إن مسؤولية الإنهيار المالي، وبإعتراف الجميع، تقع على عاتق الدولة، والمصرف المركزي، والمصارف على التوالي.

– الإعتراض الشديد على ما يطرح في الخطة المعروضة لجهة قلب هذه التراتبية رأساً على عقب، من ناحية إبراء ذمة الدولة، وتكبيد المودعين والمصارف فاتورة ردم الفجوة المالية بأكملها، محولة بذلك، دين الدولة إلى خسائر فادحة يتكبدّها المجتمع والإقتصاد اللبنانيين.

الانتخابات

على وقع استكمال التحضيرات اللوجيستية وإقفال باب تسجيل اللوائح منتصف ليل أمس، دخل البلد في المدار الانتخابي الفعلي وسط معطيات تشير الى أن التأجيل أو التطيير بات صعباً الا اذا طرأ حادث أمني كبير.

وفي الأيام القليلة الماضية، طغت المناخات الانتخابية على سواها من الملفات السياسية والمعيشية بحيث كثرت الاطلالات الاعلامية للمرشحين الذين وصفت تصاريحهم بالنارية بعد أن ارتفعت حماوة التسابق الى البرلمان الذي سيكون بنسخة 2022 شبيهاً بنسخة 2018 وفق الدراسات الاحصائية مع بعض التعديلات الطفيفة.

إذاً طبول المعارك الانتخابية تقرع على مساحة 15 دائرة بحيث يعتبرها الجميع انتخابات “مصيرية”، لكن وفق مقاربة متناقضة بين فريقين أساسيين: فريق موحد تحت عباءة “حزب الله” يريد الاحتفاظ بالاكثرية، وفريق مشتت ومؤلف من أحزاب وقوى سيادية وتغييرية وشخصيات، لكنه يتوحد في موقفه من سلاح “حزب الله” ويريد استرجاع الأكثرية من الحزب حتى أن المراقبين يعتبرون أن الاستحقاق الانتخابي المقبل يختلف عن سابقاته لأسباب عدة، لكن الأهم أنه يجري تحت شعارين متقابلين: الأول يُصنّف على أنه مشروع ايراني بينما الثاني يُصنّف على أنه مشروع أميركي أو خليجي.

وفي حين يعتمد “حزب الله” وحلفاؤه في حملاتهم الانتخابية على عناوين وشعارات تصل في بعض الأحيان الى التخوين، واعتبار الانتخابات بمثابة “حرب تموز سياسية” أو “معركة مواجهة مع شخصيات مقربة من واشنطن في لبنان” أو “المواجهة اقليمية” أو “المواجهة ليست مع أدوات الداخل، والمعركة الانتخابية الحقيقية ليست معهم إنما مع أسيادهم” أو “الاقتراع أمر جهادي”، يؤكد الفريق الآخر أنه سيواجه التمدد الايراني من خلال صناديق الاقتراع، ويتهم “حزب الله” بأنه “بات الحاكم الفعلي للبنان، بمنطق القُوّة والسلاح والفرض”، وأنه يطمح الى تغيير هذا الواقع، وأن “كل من يصوّت للتيار الوطني الحر وحزب الله يعني تمديداً لأوجاعه بيده. الانتخابات النيابية تشكل فرصة حقيقية من أجل استبدال الأكثرية الحالية”. وشدد بعض المسؤولين في حملاتهم الانتخابية على “أننا نريد من خلال الانتخابات النيابية سحب الشرعية من حزب الله”.

شارك المقال