العهد الجهنمي: ليس أمامكم غير البحر

لبنان الكبير

تستمر الأنظار والقلوب متجهة نحو طرابلس تنتظر خبراً ما عن المفقودين المدفونين في حطام “زورق الموت” في عمق البحر، فيما لبنان كله يئن على متن “الزورق الجهمني” بعدما غرقت أحلام أبنائه وودائعهم مع حطام سياسات وأطماع هذا العهد المفسد لكل مؤسسات الدولة لتأمين القوة لدويلة عرابه “حزب الله”.

صحيح أن الشعب اللبناني كان يعتبر نفسه عنيداً ويقف سداً منيعاً في وجه الأزمات والصعاب، ولا ينكسر أمام الرياح مهما اشتدت، لكن الصحيح أيضاً أن المخططات الجهنمية التي حاكتها السلطة لجعله أفقر الشعوب وأكثرها يأساً واحباطاً وبؤساً نجحت الى حد كبير لدرجة أنها أدهشت العالم وقادته. واذا كانت غالبية الناس ارتضت الى الأمس القريب أقل قدر ممكن من مقومات الحياة، متسلحة بأملها وتشبثها بأرضها وايمانها بأنه إن كان للباطل جولة فللحق ألف جولة، إلا أنه لم يخطر في بالها أن الطبقة السياسية سترميها في أمواج صفقاتها وفسادها وسمسراتها وسرقاتها، وتضعها أمام خيارين لا ثالث لهما: اما الموت اختناقاً براً أو الموت غرقاً بحراً.

كل ذلك، والمسؤولون يضعون رؤوسهم في الرمال، ويديرون الأذن الصماء عن أنين البلد وأهله، و”يطنشون” عن التقارير الدولية التي تشير الى أن غالبية الشعب اللبناني أصبحت فقيرة وأن أطفاله مهددون بصحتهم وغذائهم، ويغضّون الطرف عن شباب يرمي نفسه في أحضان البحر هرباً من حيتان الشر في البر. وما بات مسلماً به أن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا المنوال الى أجل غير مسمى، والبناء الذي تتدحرج أحجاره الواحدة تلو الأخرى منذ سنوات مهدد اليوم بالانهيار الكامل بعد سقوط أحجاره الأخيرة.

ويؤكد المراقبون أن ما جرى في طرابلس بعد غرق المركب ومعه الأطفال والنساء ليس سوى ردة فعل على الفاجعة، ولكن أيضاً على الحرمان المزمن الذي تعاني منه المدينة الأفقر على البحر المتوسط والتي أصبحت كل المدن والبلدات اللبنانية تجاريها في الفقر، كما ستكون الشرارة الأولى لغضب كل الشوارع وفي كل المناطق الذي قد يتحول الى فوضى أمنية نعرف كيف تبدأ ولا أحد يعرف كيف تنتهي. وبالتالي، هذه الفوضى ستكون بمثابة موجة ثورة ثانية لا تشبه ثورة أو انتفاضة 17 تشرين لأنها ربما تكون أخطر وأكثر عنفاً لأن الناس جائعة، والجوع كافر، ومداميك التحمل سقطت جميعها، والكل يريد معاقبة السلطة. مع العلم أن هذه الفوضى ستكون قبل الانتخابات النيابية أو بعدها، لكن الأكيد أن ما بعد 15 أيار ليس كما قبله اذا استمر الستاتيكو القائم حالياً.

يوم أمس انحصر بأهالي الضحايا المفجوعين منهم ممن تسلموا الجثث ومن يعانون الانتظار الثقيل على أمل العثور على أحبائهم أحياء، مع أن هذا الأمل شبه معدوم نظراً الى المعطيات والظروف المحيطة بالحادث وموقعه الجغرافي. تحرك هؤلاء جميعاً أمام مدخل مرفأ طرابلس، مصعدّين ومطالبين بالاسراع في البحث عمن يبقى مصيرهم مجهولاً.

رئيس الجمهورية ميشال عون صعّد من جديد نبرته على الخط “المصرفي – المالي”، غداة سقوط “الكابيتال كونترول” نيابياً، وقال خلال استقباله رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي شارل عربيد: “أنا مؤمن بقيامة لبنان وأعمل من أجل هذا الأمر، على أمل أن يعمل رئيس الجمهورية المقبل وفق خارطة واضحة تكون قد تحددت نقاطها”.

أضاف: “هناك من يتلاعب بالمسائل المالية وبسعر صرف الدولار وهو ما يؤثر بشكل سلبي على المواطنين، وهناك تقارير من اخصائيين محليين ودوليين تشير الى وجود جهات هدفها تأزيم الوضع ومنها من هو في موقع السلطة”.

وغداة تصويبه في مجلس الوزراء على النزوح السوري في لبنان واعتباره يفاقم أزمات لبنان ويدفع باللبنانيين الى الهجرة ولو بطرق غير شرعية كما حصل في طرابلس، عرض عون مع وزير المهجرين عصام شرف الدين لتفعيل عمل لجنة عودة النازحين السوريين ولايجاد الحلول الوطنية الاقتصادية والمالية لتقليص الدين العام وحل مشكلة المصارف والمودعين.

شارك المقال