التقاعس في “كاريش” سيجر خسائرنا الى قانا

لبنان الكبير

على لفح الحرائق يعيش اللبنانيون، وبين ألسنة النيران التي تحاصرهم من كل جانب، يحاولون إنقاذ أنفسهم لأن البلد يعاني ندرة منقذين أو مسؤولين فعليين يستخدمون خراطيم الانقاذ والاطفاء والتبريد، باعتبار أن الغالي يرخص أمام مصالحهم وحصصهم والحفاظ على مواقعهم.

التهمت النيران مساحات واسعة من غابة بطرماز في الضنية، وهي أكبر غابة للصنوبر البري في البلاد والمنطقة، وحوّلتها الى بقعة سوداء كحال البلد الذي ينتظر دائماً الخلاص من خارج الحدود أو من خلف البحار، وهو اليوم يجمّد شؤونه وشجونه، واستحقاقاته الكبيرة والصغيرة لاستقبال الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لاستئناف التفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية، ولمعرفة ما اذا كان يحمل أي جديد في جعبته أو أنه سيبقى على عرضه الذي لم يتلق عليه رداً من الجانب اللبناني، اذ تشير المعلومات الى أنه لن يعود الى لبنان قبل أن يتخذ المسؤولون المعنيون موقفاً موحداً ليبنى على الشيء مقتضاه.

وبين السيناريوهات المتعددة حول زيارة هوكشتاين، والموقف اللبناني الرسمي الغامض، رأى أحد المحللين في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “علينا التوقف عند كلام الرئيس نبيه بري بشأن ابلاغ الوسيط أن لبنان لن يقف مكتوف الأيدي أمام التجاوزات وعليه أن يقوم بإجراءات لوقفها باعتباره مسؤولاً عن التفاوض، واذا لم يتجاوب أو لم يصل الى نتيجة، فعلى الحكومة الاجتماع وأخذ قرار وطني بالاجماع بتعديل المرسوم 6433 وارساله الى الأمم المتحدة”. واعتبر أن “بالامكان أن نستشف من هذا الكلام موقف لبنان الرسمي الذي سيكون موحداً وسيسمعه الوسيط والاسرائيلي والعالم أجمع بأن لبنان لن يتنازل عن حقه ولن يسمح للعدو بأن يستغل ثروته، واذا لم يتجاوب هوكشتاين مع الرد اللبناني، فالتصعيد خيار وارد جداً لأن الدولة كما المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي، وعندما يصبح التعدي علنيّاً واستفزازياً، فالأمور مفتوحة على كل الاحتمالات”.

وفي الساعات الماضية، وفيما يجري العمل على إعداد النصّ اللبناني القانوني الرسمي، برز معطى جديد يتحدث عن إمكان فرض هوكشتاين على اسرائيل التراجع عن خطواتها في المنطقة المتنازع عليها الى حين انهاء التفاوض والتوافق نهائياً على الحدود البحرية، لكن كل ذلك يبقى ضمن التوقعات خصوصاً وأن الجميع يعلم انحيازه اليها، ولبنان يفاوض من موقع ضعف وليس من موقع قوة في منطقة تعيش على صفيح ساخن، وليس لديه ترف الوقت مع وجود سفينة الانتاج على حقل “كاريش” والحديث عن سفينة ستدخل ضمن منطقة الـ 29 لتبدأ بالتنقيب في شمال “كاريش”، كما أن هناك جولة تراخيص رابعة حول الحقول النفطية واحتمال أن تشمل الحقل 72 الملاصق لحقل قانا وهنا الخطورة، وبالتالي، ليس أمام لبنان سوى التحرك سريعاً.

استحقاقات داخلية

وبالعودة الى الاستحقاقات الداخلية، فإن بورصة المرشحين لرئاسة الحكومة تضم أسماء كثيرة وفي مقدّمها الرئيس نجيب ميقاتي الذي اغتنم فرصة تصريف الأعمال للقيام بجولة في مطار رفيق الحريري الدولي بغية الاطلاع على التحضيرات الجارية استعداداً لبدء موسم سياحي واعد في لبنان، معلناً أنه سيعقد قبل نهاية الاسبوع اجتماعاً مع رئيس الجمهورية ميشال عون لبحث الخطوات الواجب اتخاذها في ما يخصّ ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والخط 29 هو خط تفاوضي. وقال: “لن أقوم بأي عمل ارتجالي قد يعرّض ديبلوماسيّة لبنان للخطر… لن أتقاعس في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد عند الضرورة”.

وأوضح مصدر مطلع لـ “لبنان الكبير” أنه لم يحدد موعد للاستشارات النيابية حتى الآن، لكن من المنتظر أن تبدأ في منتصف الأسبوع المقبل خصوصاً اذا وصل الوسيط الأميركي في مطلع الأسبوع، وأجرى التفاوض مع رئيس الجمهورية في ملف الترسيم، واطلع على الموقف اللبناني الذي لا يزال يشكل الاهتمام الأول لدى المسؤولين.

وفي السياق، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال افتتاح الرياضة الروحية لسينودوس أساقفة الكنيسة المارونية: “نصلي على نية تشكيل حكومة جديدة في أسرع ما يمكن لتتمكن من القيام بواجباتها كسلطة اجرائية، ونرجو أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في غضون الشهرين السابقين لانتهاء ولاية الرئيس الحالي بموجب الدستور، لكي يتمكن الرئيس الجديد من قيادة سفينة الوطن بحكمة ودراية وسط الأمواج الهائجة”.

لا فرج قريباً

أما على ضفة الأحوال المعيشية، فلا يبدو أن الفرج قريب لا بل على العكس، فالخناق على الرقاب يشتد أكثر فأكثر مع الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية والمحروقات والتهديد بفقدان القمح لاسيما أن المخزون لا يكفي الا لعشرين يوماً. إلا أن وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أكد أن “كلّ مَن يُعلن عن أزمة خبز اليوم يضرّ بالصّالح العام ويخلق حالة بلبلة بلا طعمة في السوق”.

وفي هذا الاطار، أفاد مسح قامت به وزارة الصّحة مدعومة من “اليونيسف”، وشمل أطفالاً دون سن الخامسة ونساءً في سن الإنجاب، بأن تسعة من كلّ عشرة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهراً لا يتلقون الحد الأدنى من النظم الغذائية اللازمة لصحتهم ونموّهم وتطوّرهم، إضافة الى نحو 200 ألف طفل دون الخامسة في لبنان يعانون أحد أشكال سوء التغذية كفقر الدم ونقص النمو وانخفاض الوزن بالنسبة الى الطول وغيرها العديد من الأمراض.

وفيما وصل خبر مفرح من الشمال عن انطلاق غواصة من اسبانيا نحو لبنان لانتشال الزورق الذي غرق قبالة طرابلس في نيسان الماضي، فإن الوضع جنوباً يشهد حوادث شبه يومية، اذ أطلق جنود العدو المتمركزون في موقع رويسات العلم في مرتفعات كفرشوبا النار ترهيباً بإتجاه الأحراج المحيطة بالموقع أثناء قيام عدد من رعاة الماشية بالرعي قرب خط الإنسحاب، فيما كانت دبابة “ميركافا” تتحرك خارج السواتر وتوجه مدفعها نحوهم.

شارك المقال