سيناريو اللافراغ… “الرئيس القوي” خارج الخدمة

لبنان الكبير

انعكست عطلة عيد الاضحى شللاً على الحياة السياسية حيث انكفأ الجميع عن المشهد التعطيلي في استراحة محارب على جبهة التأليف الحكومي فيما تشهد معركة الاستحقاق الرئاسي حماوة، وتطبخ التفاهمات والتسويات بين الكتل والأحزاب والتيارات على نار قوية خصوصاً أنه بات لدى الجميع قناعة بأن تشكيل حكومة جديدة في “العهد العوني” تصطدم بجدار من الباطون المسلح لا يمكن عبوره، في حين أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيتم في موعده انطلاقاً من واقع يقول ان ظروف الفراغ غير متوافرة وان هناك جهداً كبيراً وسعياً دولياً الى انتخاب رئيس لتصبح المعادلة على الشكل التالي: كلما تقدمت حظوظ الرئاسة كلما ابتعدت حظوظ تشكيل الحكومة.

على ايقاع الحرائق التي تتنقل من منطقة الى أخرى وتلتهم معها الأخضر واليابس، وضع ملف تشكيل الحكومة في ثلاجة المناكفات والصلاحيات والشروط بحيث يؤكد المعنيون أن البلد مقبل على مرحلة اضاعة الوقت وليس استثماره، والمرحلة الفاصلة عن موعد انتخاب رئيس الجمهورية ستكون الأدق والأخطر لأن الغرق في مستنقع الأزمات سيكون أكبر.

وعلى الرغم من أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي طلب موعداً لزيارة قصر بعبدا قبيل سفره الى الخارج لتمضية عطلة عيد الأضحى الا أن هذا الموعد لم يُحدد له بعد وسط معلومات تحدثت عن امكان قيامه بزيارة مفاجئة إلى بعبدا. وبحسب مصدر متابع فإن من المفروض أن تحصل الزيارة بعد انتهاء عطلة الأعياد لأن هناك مرحلة مشاورات لتشكيل الحكومة، ورئيس الجمهورية ملزم عندما يطلب منه رئيس الحكومة المكلف موعداً ليطلعه على التشكيلة أن يحدده له ويناقش معه تشكيلته الا اذا كان يرى أن ليست لديه مصلحة في التأليف وفق رؤية الرئيس ميقاتي، وبالتالي، تصبح مصلحة رئيس الجمهورية وفريقه السياسي الابقاء على الحكومة الحالية التي لديهما فيها العديد من الوزراء، ويمكن من خلالها التعطيل في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية.

وإذا كان الاقتراب من 31 تشرين الأول يفقد فريق رئيس الجمهورية جزءاً من قوته الى أن تتلاشى مع انتهاء الولاية، فإن “حزب الله” وحلفاءه لا يؤيدون ولا يحبذون اعطاء النائب جبران باسيل حكومة بالمواصفات التي يريدها لأنهم يدركون جيداً أنه لم يعد ورقة رابحة في المرحلة المقبلة، وبالتالي، الحكومة ستبقى تصرف الأعمال الى حين انتهاء عهد الرئيس عون، وأجواء التواصل المقطوع بين الرئيسين عون وميقاتي تدل على أن الكيمياء مفقودة بين الرجلين. لا شك أن الرئيس المكلف لديه رغبة في تأليف حكومة الأشهر الثلاثة المتبقية لأنه يعتبرها أشهراً فاصلة عن الاستحقاق الرئاسي، ويجب خلالها استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي والقيام بالاصلاحات واعادة التواصل مع الدول الصديقة للبنان والدول الشقيقة وجلب الاستثمارات، لكن الفريق الآخر لديه أولويات مختلفة باعتبار أن الحكومة الجديدة يجب أن تكون الحكومة التي يتمكن من خلالها من الهيمنة على ادارات الدولة ومؤسساتها وتعزيز حضوره السياسي. حكومة تأخذ على عاتقها اجراء الكثير من التعيينات التي تخدم رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” في مرحلة ما بعد نهاية العهد الحالي. وما التعيينات التي يصر عليها النائب باسيل سوى ضمانة لابقاء الدولة تحت سلطته وهيمنته لسنوات طويلة وربما تكون الأرضية الصالحة لاعادة انتخابه رئيساً للجمهورية في المستقبل.

وفي وقت اعتبر كثيرون أن التواصل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف كسر الجليد أو التشنج بينهما بحيث من المنتظر استكمال المباحثات في الشأن الحكومي خلال هذا الأسبوع بعد نهاية عطلة العيد، على الرغم من أن هذا لا يعني أن الحكومة ستبصر النور، تنكب القوى السياسية من مختلف الانتماءات على التحضير لخوض الاستحقاق الرئاسي خصوصاً أن رئيس مجلس النواب سيدعو الى جلسة نيابية مع بدء المهلة الدستورية لاجراء الاستحقاق أي في الأول من أيلول المقبل، واذا صفت النيات ولم تتم مقاطعة الجلسات، فإن انتخاب رئيس جديد في الجلسة الأولى غير مستبعد .

وفي هذا الاطار، أكد مصدر مطلع أن لا مجال لرئيس جمهورية استفزازي بعد اليوم، اذ أن الرئيس القوي بالمواصفات التي وضعت حين انتخب الرئيس عون لم تعد صالحة، و”حزب الله” لم يعد قادراً على تسويق أحد من حلفائه لا باسيل ولا النائب السابق سليمان فرنجية، كما أن قوى المعارضة أو السيادية لم تتمكن من تسويق اسم موحد. وبالتالي، يتم البحث اليوم عن رئيس تسوية أو وسطي يجمع الكل، رئيس حيادي غير تابع وليس كالرئيس عون الذي أثبت على الرغم من وجوده في قصر بعبدا أنه لا يزال رئيساً لـ “التيار الوطني الحر” ولديه حليف واحد في البلد هو “حزب الله” الذي لم يعد الناخب الأساس كما كان سنة 2016. الرئيس المقبل ستحدده الأطراف الداخلية في الدرجة الأولى والشركاء الاقليميون والدوليون في الدرجة الثانية. يجري البحث اليوم عن رئيس غير استفزازي لكن في الوقت نفسه رئيس يحترم الدستور ولا يعطل مؤسسات الدولة كما فعل الرئيس عون في السنوات الست الماضية، ولم يعد مقبولاً برئيس جمهورية يرهن البلد 10 أشهر لتتشكل حكومة. هذا بات من الماضي وأي رئيس حتى لو كانت مواصفاته أقل من جيد لن يكون بالسوء الذي كان فيه عهد الرئيس عون، مع التأكيد أن ظروف الفراغ غير متوافرة وهناك جهد كبير وسعي دولي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وفي هذا السياق، يؤكد نواب كتلة “التنمية والتحرير” أنه يجب خلال المهلة الدستورية أي من أول أيلول الى آخر تشرين الأول أن يكون لدينا رئيس للجمهورية يستلم من الرئيس الحالي. وعلى الرئيس الجديد أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وتكون لديه شخصية اصلاحية تملك رؤية لأننا في وضع صعب جداً، وأن يكون رئيساً توافقياً وعلى مسافة واحدة من كل الفرقاء والأطراف، ويسعى الى تأمين الوحدة الوطنية وحماية صيغة العيش المشترك، ويضع في أولوياته قضايا الناس الحياتية والمعيشية وكيفية وقف الانهيار، وأن يكون الأداء مختلفاً، وتكون لديه علاقات جيدة مع كل الدول باستثناء العدو الاسرائيلي وأن يقتنع بوجوب الذهاب نحو الاقتصاد المنتج لأن اقتصاد الاستدانة والريع أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم. المسؤولية كبيرة على الرئيس كما على أركان الدولة، والنهوض بالبلد مسؤولية مشتركة وجماعية.

شارك المقال