ثالثة بعبدا ليست ثابتة… وحدها أجواء الترسيم ايجابية

لبنان الكبير

أجواء التهدئة خيّمت فوق سماء القصر الجمهوري والسراي الحكومي، ومعطيات الساعات الماضية تشير الى أن موجات التصعيد بين المكاتب الاعلامية لفريقي رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي انحسرت وأن عملية إذابة الجليد انطلقت لتحضير الأرضية للزيارة الثالثة التي من المرتقب أن يقوم بها الرئيس ميقاتي الى بعبدا مطلع الأسبوع المقبل بعد عودته من اجازته في الخارج.

المعطيات الشكلية والظاهرية توحي بأن الولادة الحكومية القيصرية باتت قاب قوسين، الا أن المؤشرات والوقائع تفيد بما لا يقبل الشك بأن تشكيل حكومة جديدة بات من المعجزات الا اذا استجد طارئ ليس في الحسبان لأن التأليف أُصيب بانتكاسات متتالية من الصعب معالجتها، واللقاء المنتظر لن يغيّر شيئاً باعتبار أن ما قيل قد قيل وما كتب قد كتب، إذ أكد أحد المطلعين على ملف التشكيل أن اللقاء سيزيد الشرخ بين الطرفين لأن الأوراق ستكشف على الطاولة وهامش المناورة ضيق بمعنى أن الرئيس ميقاتي المنفتح على مناقشة مسودته لكن ضمن ثوابت وحدود معينة، لن يقبل ولن يرضخ لشروط الفريق الرئاسي المستعصية، مع العلم أن النقاش يجري حالياً حول حلول وسطية أي “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”. ويتم البحث عن أشخاص غير استفزازيين ولا ينتمون الى هذا الفريق أو ذاك، لاستلام الحقائب التي هي السبب الأساس في تطيير التشكيلة الحالية وكل التشكيلات السابقة وأبرزها وزارة الطاقة.

وفيما يترقب الجميع في الداخل نتائج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة ومدى انعكاساتها على الاستحقاقات الدستورية، يبدو البلد بمؤسساته العامة ومرافقه وأوضاعه السياسية والاصلاحية في حالة شلل تام بانتظار الحركة الحكومية الأسبوع المقبل، كما واحتمال زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت ليطلع المسؤولين على نتائج محادثاته مع الجانب الاسرائيلي في شأن ترسيم الحدود البحرية، مع العلم أنه على تواصل بصورة يومية مع عدد من المسؤولين والمعنيين بالملف الذين يؤكدون أن أجواء الترسيم ايجابية.

فقد رحبت الولايات المتحدة أمس بالجهود التي يبذلها لبنان وإسرائيل للتوصل إلى قرار بشأن الحدود البحرية، وقالت إنها ما زالت ملتزمة بتسهيل المفاوضات الجارية بين البلدين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان، إن إدارة الرئيس جو بايدن تعتقد أن التوصل إلى اتفاق يمكن أن يفضي إلى “استقرار أكبر وأمن ورخاء كل من لبنان وإسرائيل، والمنطقة كذلك، كما تعتقد أن من الممكن الوصول إلى حل”.

وفي وقت أصيب ملف التأليف الحكومي بانتكاسة كبيرة، فإن مختلف الأطراف تتخوف من انتكاسة مماثلة تلحق بالاستحقاق الرئاسي ما يعني أن احتمال الفراغ الشامل وارد جداً في المرحلة المقبلة بحيث يرى المتشائمون أن الاشهر القليلة المقبلة سوداوية وهي الأخطر على لبنان في ظل أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، وانهيارات على المستويات كافة ما ينذر بأن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات وعلى السيناريوات الضبابية.

وبحسب أحد المسؤولين في مركز للدراسات والسياسات، فإن فريق رئيس الجمهورية لا يرغب في حكومة كاملة الصلاحية، وهو عمل على تسريب لائحة الأسماء ثم وضع المعايير غير المنطقية للوزراء والاعتراض على ما يسمى مبدأ المداورة في مرحلة دقيقة وصعبة وخطيرة خصوصاً أننا ذاهبون بعد أشهر قليلة الى استحقاق مهم وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية. كلها تبريرات واهية تتحول الى حجج وأعذار غير قابلة للحياة في هذه المرحلة بالذات حيث تعتبر الحكومة مصيرية وضرورية وأساسية لاستمرارية البلد، وليس عن عبث يشير الدستور الى الأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للدولة وليس المصلحة انطلاقاً من حسابات شخصية ومكاسب خاصة. ومن يعرف جيداً عقلية رئيس الجمهورية، يدرك أن اللقاء المنتظر مع الرئيس ميقاتي ربما لن يحصل، واذا حصل سيزيد الشرخ بينهما لأنه في جلسة المواجهة ستكشف كل الأوراق كما أن الحكومة ليست عالقة بين الرجلين فقط لأن الرئيس عون لا يمتلك قرار التشكيل أو العرقلة بل هو مقيد بقرارات متعددة من قبل الحلفاء، ويتم التنسيق معهم بصورة دائمة في محاولات متنوعة للحفاظ على استمرارية النهج الذي انطلق معه. وبالتالي، “التيار” يرغب في الفراغ على مستوى الحكومة كما على مستوى الرئاسة للهروب من تحمل مسؤولية المرحلة وخطورتها أو يؤمّن الاستمرارية للنهج نفسه من خلال الصهر أو صورة طبق الأصل عنه. وهنا السؤال: لو كانت نوايا رئيس الجمهورية حميدة فلماذا لا يطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يدعو الى جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية ولايته منعاً للفراغ؟ الجواب بسيط لأن السيناريو المطروح هو العرقلة والتعطيل. وتسربت معلومات من غرفة المستشارين في القصر الجمهوري تفيد بأن الفراغ الحكومي يعني الفراغ الرئاسي بحيث ستكون هناك اجتهادات وتفسيرات وتأويلات دستورية تتيح للرئيس عون في ظل حكومة غير مكتملة الصلاحيات البقاء في القصر أو يمدد لنفسه بحجة تسيير أمور البلاد أو حفاظاً على المصلحة العامة للدولة. وفي هذه الحالة، لا بد من السؤال: لماذا لا يطبق مصلحة البلاد العليا على الملف الحكومي ويسهل عملية التأليف؟

والتخوف الأكبر اليوم من العمل الممنهج عن سابق تصور وتصميم للذهاب بالبلد نحو الفراغ الكلي على المستويات كافة. هناك تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة أي القوة المهمة التي يتمتع بها لبنان بحيث أنه في عز الحرب الأهلية وخطوط التماس بين المناطق لم يتوقف القطاع العام عن العمل، والحفاظ على مؤسسات الدولة حينها أبقى لبنان واقفاً على رجليه. اليوم المؤسسات في حالة انهيار وتحلل كاملين، وسنصل الى مرحلة نواجه فيها الشغور من دون مؤسسات عاملة، وسيخرج الكثير من الاجتهادات الدستورية والقانونية حول الحكومة المستقيلة وصلاحياتها كما سيكون هناك شغور مقصود على المستوى الرئاسي ما يعني أن لبنان سيذهب، في ظل متغيرات كبرى في المنطقة، الى الانعزال أكثر وأكثر والى الفراغ التام على المستويات كافة، ليبقى وحيداً ويبدو كأنه خارج السياق وخار اطار التطورات الكبرى، ولا محل له من الاعراب، وسيُفرض عليه كل شيء فرضاً. لبنان لم يعد من أولويات الدول، وبات متروكاً ولعل رفع السقف في الخطابات خصوصاً من قبل “حزب الله” لأنه يعلم أن لبنان أصبح على الهامش بالنسبة الى حسابات الدول الكبيرة التي تعيد توزيع المنطقة.

وفي الخلاصة: المسار الذي سار فيه لبنان طيلة السنوات الست الماضية، أسس لمرحلة ستشهد على فراغ كامل، مبرمج وممنهج. ولعل خير تعبير عما ينتظرنا في الأشهر المقبلة ما قاله أحد النواب الذي شارك في نقاشات اتفاق الطائف، عن انتخاب الرئيس عون: “نعرف كيف وصل الى سدة الرئاسة لكن الله بيعرف كيف سيترك”.

شارك المقال