لبنان خارج السياق إقليمياً… والهوّة سحيقة بين الشعب والحكام

لبنان الكبير

من يراقب المشهد السياسي العام في المنطقة وما يتخلله من قمم ولقاءات تاريخية ومصيرية، يدرك ان لبنان خارج السياق وكأنه وحيدا في ظل المتغيرات الكبرى. ومن يراقب المشهد الداخلي، يستدرك الهوة العميقة بين شعب يحب الحياة ويبحث في كل منطقة وحي وشارع عن فرح من خلال المهرجانات العامرة وبين طبقة حاكمة لا تفهم الا بلغة الانكسار والموت. وفي المشهدين الداخلي والخارجي، مخرج واحد أو مايسترو وحيد يتولى القيادة نحو المزيد والمزيد من الانعزالية المدمرة والقاتلة.

في الداخل، استحقاقات كبرى ينتظرها لبنان ان كان على صعيد تأليف الحكومة أو على صعيد الانتخابات الرئاسية إذ يتخوف المحللون السياسيون والمراقبون من الفراغ على المستويين الحكومي والرئاسي انطلاقا من قناعة ان هناك مخططا عن سابق تصور وتصميم لتدمير المؤسسات الدستورية والعامة في البلاد وصولا الى الانهيار والشلل التام لأن في ذلك مصلحة لبعض القوى السياسية، والتخوف يكبر كل يوم على لبنان الكيان.

وفي الخارج، قمة في السعودية لم يشارك فيها لبنان الرسمي الذي أصبح بنظر القاصي والداني خاضعا للمحور الايراني وان قراراته في المشاركة من عدمها ليست في يده مع العلم انها كانت فرصة مهمة له لوضع مشاكله وأزماته على طاولة التفاوض بحضور قادة الدول العربية. من هنا، الدعوة الى ضرورة قيام جبهة وطنية تلاقي النية الدولية والعربية بشكل خاص لإخراجه من مستنقعه.

وتم ذكر لبنان في القمة بنقاط معينة ولا سيما دعم السيادة وحثّ الحكومة على فرض سلطتها وسيادتها على كامل الاراضي. لذلك، كان الاهتمام بدعم الجيش الذي هو المؤسسة الوحيدة اليوم التي يتم التعويل عليها للإنقاذ، وعدم السماح بالتفلّت الامني على خلفية الانهيار الاقتصادي إذ هناك تخوف من الدول القريبة والبعيدة من أن يتحول لبنان الى أخطر بؤرة أمنية تهدد السلم في المنطقة. والكرة اليوم في ملعب الدولة اللبنانية ومدى جاهزيتها وقدرتها على ملاقاة يد المساعدة العربية والتجاوب مع الدور الأميركي الجديد في المنطقة إذ ان الدول العربية تعتبر انها تمد لبنان بطوق نجاة كخطوة أولى لتستتبع بخطوات إنقاذيه لاحقة إذا كان هناك نية لدى اللبنانيين بالخروج من المحور الايراني، واستعادة السيادة والقرارات الداخلية، من حرب وسلم وترسيم حدود بحرية. وما يصرح به حزب الله في هذا الإطار يعكس أكثر فأكثر صُوَرية الدولة المجردة من كل سلطة وقرار. لذلك، كان التشديد على دعم الجيش كما على ضرورة القيام بخطوات اصلاحية من شأنها الحد من قدرة حزب الله على التحرك من خلال مراقبة الحدود البرية وحركة المرفأ.

ويؤكد أحد المحللين السياسيين ان تصرفات “حزب الله” داخلياً وخارجياً تخدم المشروع الايراني والمطالب والمصالح الايرانية أولا وأخيرا، وأي انزلاق الى حرب مع إسرائيل او مع اي تحالف اقليمي او دولي، سيدفع الشعب اللبناني ثمنها غاليا وباهظا. “حزب الله” قاد لبنان الى ازمة مالية واقتصادية بالتعاون مع بعض القوى السياسية، واليوم يقودنا الى مواجهة لا نعلم حجمها ولا مدى تداعياتها. وعلى لبنان ان يختار بين دولة مؤسّسات تحترم دستورها وتطبق القرارات الدولية والتزاماتها تجاه الدول الاخرى، او يتحول الى دولة مارقة أمنياً وفاشلة سياساً واقتصادياً.

وفي هذا الإطار، افتتح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة بخطاب تصعيدي وتحذيري، واعطى مهلاً زمنية لمعالجة مشكلة ترسيم الحدود، والسماح بالتنقيب والانتاج من عدمه مما وضع لبنان في مواجهة مفتوحة مع المجتمعين الدولي والاوروبي بشكل خاص الذي ينتظر امداده بالنفط الاسرائيلي قبل موسم الشتاء المقبل. وعلى الرغم من هذه المواقف التصعيدية التي ستكون تداعياتها كارثية على لبنان، لم يصدر اي رد فعل رسمي يوازي خطورة ما قاله نصرالله.

وفيما يُنتظر زيارة الموفد الفرنسي بيار دوكان الى بيروت للتشجيع على اقرار القوانين الإصلاحية تمهيدا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يبقى التخوف الكبير من شهر ايلول المقبل خصوصا على الصعيد الاقتصادي، حين يغادر المغتربون الذين هم عصب البلاد حاليا وما سينتج عن ذلك من انهيارات في ظل ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار وما يرافقه من ارتفاع لأسعار المواد الاستهلاكية في ظل شلل وتعطيل تام على مستوى مؤسسات الدولة ومرافقها العامة. اما على صعيد التطورات الاقليمية، فإن شهر أيلول موعد استخراج الغاز الاسرائيلي وتصديره الى الدول الأوروبية في ظل تخبط وتباين في المواقف اللبنانية بين أركان الدولة وحزب الله وحينها لا يعود ينفع البكاء على اطلال مفاوضات يشوبها الكثير من الغموض والسرية وربما تبادلاً للأدوار.

الراعي: التحديات تعثر انتخاب رئيس الجمهورية

من جهته، اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة الأحد انه “ليس بمقدور لبنان ان ينتظر طويلا ليستخرج الغاز والنفط فيما تقوم إسرائيل بذلك، ونتمنى على الولايات المتحدة الاميركية الدولة الوسيطة ان تحسم الموضوع مع إسرائيل، فلبنان قدم الحد الأقصى من أجل إنجاح المفاوضات”.

وأشار الى انه “في ضوء المعطيات، نطالب القوى السياسية بأن تبتعد عن أجواء التحدي التي تعقّد علاقات لبنان وتُباعد بين المكوّنات اللبنانية في وقت يجتاز فيه لبنان أخطر تحد وجودي في تاريخه الحديث. التحديات تعثر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وحين ندعو الى انتخاب رئيس لا يشكل تحديا لهذا أو ذاك، نتطلع الى رئيس يلتزم القضية اللبنانية والثوابت الوطنية وسيادة لبنان واستقلاله ويثبت مبدأ الحياد، متمنيا على الاطراف المختلفة التموضع وطنيا وخلق مناخ إيجابي لتأمين تشكيل حكومة”.

شلل الإدارة ينذر بانزلاق دراماتيكي

وإذا كانت الحياة السياسية المعطلة لها تداعياتها على الواقع المعيشي، فإنه برأي الخبراء الاقتصاديين، توقف القطاع العام والدورة الادارية بشكل كامل له انعكاسات أكثر خطورة على حياة الناس اليومية، وينذر بانزلاق الامور بشكل دراماتيكي ويضع الدولة بمؤسساتها وموظفيها في دائرة المصير المجهول.

وكأن كل ما يتحمله اللبناني من مآس غير كافٍ لتأتيه المصائب من كل حدب وصوب، وآخرها ما جرى في عرسال حيث أدى اجتياح شاحنة لعدد من السيارات بعد تعطل مكابحها الى سقوط ٨ قتلى وعدد من الجرحى.

شارك المقال