أيلول طرفه بالرئاسة مبلول… لكن خاطر بكركي مكسور

لبنان الكبير

صحيح أن قضية المطران موسى الحاج طغت في الأيام الأخيرة على المشهد العام، إلا أن الشلل الاصلاحي واستمرار الغرق في المستنقعات المميتة والجمود المريب على المستوى السياسي والاستحقاقات الدستورية، ينذر بهدوء ما قبل العاصفة خصوصاً أن غالبية المحللين والخبراء تعتبر أن شهر أيلول المقبل سيشهد حماوة على صعيد الملفات كافة، وهناك تخوف من أن يكون طرفه مبلولاً بتعقيدات سياسية تستدعي حلولاً خارجية، وبارتطامات اجتماعية لا تحمد عقباها.

وقبل الوصول الى أيلول وملفاته، لا يجوز نسيان الاستحقاق الحكومي الذي لم يشهد أي خرق يذكر في جدار المراوحة، لا بل على العكس فإن مصادر مطلعة أكدت لـ “لبنان الكبير” أن ما من مساع حقيقية تبذل على هذا الصعيد، والاتصالات معدومة بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي وكأن الجميع سلموا واستسلموا للأمر الواقع بأن لا حكومة جديدة في العهد الحالي. وبالتالي، فإن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، انصرف الى مهامه كرئيس حكومة تصريف أعمال، ويعقد الاجتماعات التي كان أبرزها أمس مع “اللجنة الوزارية لمعالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام”، وتم درس عدة اقتراحات وتوصيات، فطلب وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، التريّث في بتّها الى حين درس كلفتها وانعكاساتها المالية، لذلك، اتفق على الاجتماع مجدداً غداً لاتخاذ القرار النهائي.

في مطلع أيلول سيكون الموعد مع أول جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعلى الرغم من أن الحرارة تُرصد وبقوة في هواتف القوى السياسية من مختلف الأطراف على هذا الخط، إلا أن كل المؤشرات تظهر أن الفراغ الرئاسي سيكون صاحب الفخامة لاعتبارات داخلية وخارجية عدة خصوصاً وأن لا وجود لأي أكثرية يمكنها ايصال شخصية الى سدة الرئاسة ما يفتح البلد على كل الاحتمالات وصولاً الى تدخل خارجي قد يفرض حلاً فرضاً على اللبنانيين لأن الأزمة حينها ستأخذ منحى تصاعديّاً، إذ لا رئيس جمهورية والسلطة في يد حكومة غير مكتملة الصلاحيات ما يعني أن الرئيس المقبل سيأتي على أرضية ساخنة لا بل ملتهبة وفق أحد المطلعين.

وبعد، في أيلول الحسم في ملف ترسيم الحدود البحرية وتوقيع الاتفاق بين لبنان واسرائيل حتى أن بعض المسؤولين والمعنيين ذهبوا بإيجابيتهم وتفاؤلهم الى حد القول ان التوقيع يمكن أن يحصل قبل أيلول لاسيما أن الجميع ينتظر وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت بعد أيام، حاملاً في جعبته الرد الاسرائيلي على المقترح اللبناني الأخير. إلا أن أوساطاً معنية أوضحت لـ “لبنان الكبير” أن هناك سرية مطلقة في الملف، ولا أحد يعرف سبب هذه الايجابية، لكن في كل الأحوال لا يحق لأي طرف أن يهدر قطرة نفط أو شبر واحد من حق لبنان ليبقى السؤال البديهي اليوم: اذا تم التوافق على اعطاء حقل “قانا” كاملاً للبنان مقابل حقل “كاريش” كاملاً لاسرائيل، هل هناك نفط وغاز في” قانا” أو يكون العدو باعنا سمكاً في البحر؟

وفي هذا السياق، لا تريد اسرائيل الحرب كذلك لبنان، وهي على عجلة من أمرها لتوقيع الاتفاق مع لبنان لأنها تريد الاستخراج والتصدير الى أوروبا بعد أن بدأت بتوقيع العقود مع دول أوروبية. وأي نزاع عسكري في هذه المنطقة يعني أنه لا يمكن لأي طرف أن يستخرج لأن الشركات لا تعمل في أجواء الحرب. وبغض النظر عن المفاوضات القائمة عبر الهاتف بين عدد من المسؤولين اللبنانيين، المدنيين والعسكريين، والوسيط الأميركي، يُشتم رائحة صفقات في هذا الاطار بحيث أنه في الفترة الأخيرة، يُسمع الكثير عن شركات وهمية في الخارج لها علاقة بصورة أو بأخرى بالطبقة السياسية الفاسدة التي نهبت البلد ولا تزال، وهذا يعني أن هذه الشركات ستتولى عملية التنقيب في الجانب اللبناني ما يدفعنا الى الاستنتاج أن هذه الطبقة ستتقاسم ثروات البلد النفطية، لكن نحن كلبنانيين يجب أن نقف لهم بالمرصاد، ونقول: “خللي الزيت بجرارو بكرا بتغلى أسعارو”. وهنا نسألهم: إذا لم نسمح لاسرائيل بأن تسرق نفط لبنان، فهل تعتقدون أننا سنسمح لكم بذلك؟ لا طبعاً، ماذا نستفيد من الثروات البحرية اذا وضعها المسؤولون في حساباتهم الخاصة في سويسرا؟ لا مسايرة بعد اليوم. سرقتم أموالنا وأرزاقنا وبلدنا والأملاك البحرية والنهرية ومشاعات الدولة ومؤسساتها، أقله اتركوا الشعب اللبناني الذي جوّعتموه أن يستفيد من خيرات بلاده لأنه في حال العكس سيحرقكم بنارها. ولا بد هنا من المطالبة بتشكيل هيئة عليا للنفط والغاز تكون نزيهة، يتم اختيار أعضائها من الأوادم وليس من التابعين لهذا الفريق السياسي أو ذاك. هيئة غير تلك التي شكلوها من مندوبين عن طبقة سياسية تريد أن تضمن حصتها. هكذا يمكن للشعب أن يطمئن الى أن ثروته ستذهب الى دولته وليس الى جيوب المسؤولين مع التشديد على عدم السماح لشركات وهمية تنوب عن الدولة في هذا الاطار.

قضية المطران الحاج تتفاعل

على صعيد آخر، لا تزال قضية المطران موسى الحاج تتفاعل، اذ أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أنه “إذا مر والدي على الحاجز أو المعبر وكانت هناك اشارة تقتضي تفتيشه فسنقوم بواجبنا كاملاً واذا كان هناك أي التباس، فالجهة التي تتم مراجعتها هي القضاء وليست الأجهزة الأمنية. لا علاقة لي ولا لمديرية الأمن العام بالحسابات السياسية”. أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع فرأى أن “المجموعة الحاكمة تريد وضع يدها على البلد بطرق مختلفة”، معتبراً أن “القاضي فادي عقيقي خائن”.

وفي السياق، نبّه مصدر مواكب لقضية المطران الحاج لـ “لبنان الكبير” على أن “هذه المسألة ستكون لها تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة في خط النضال لحماية هوية لبنان”، مشدداً على وجوب “ألا ننسى أن السفير البابوي في لبنان المطران جوزيف سبيتيري خرج عن صمته ووجه رسالة واضحة عندما قال: ما جرى أمر بالغ الخطورة، واذا كان هناك من يريد تمرير رسالة، فليس بهذه الطريقة تمرر رسائل في بلد أساسه الحريات. هذا يدل على أن الكرسي الرسولي مصمم على استمرار العمل الديبلوماسي لانقاذ لبنان من محاولات تغيير هويته”.

وأشار الى أن أولوية الديبلوماسية الفاتيكانية كانت منذ العام 2019، حماية السلم الأهلي في لبنان، لكن بناء على ثوابت الحرية، والديموقراطية، وحقوق الانسان، والعيش معاً، وتطبيق الدستور وحصرية السلاح في يد الشرعية وصولاً إلى بناء الدولة. دولة المواطنة التي تحترم التعددية. دولة الحياد عن الصراعات الإقليمية والدولية. دولة الهويّة العربيّة، لافتاً الى أن من افتعل هذا الاشكال يعرف ماذا يفعل اذ أراد رفع مستوى الاشتباك الى أعلى مستوى مع الكنيسة كما مع الفاتيكان. والأخطر، المراهنة على اثارة البلبلة بين المسيحيين والانقسام بين المسيحيين والمسلمين، وهذا لن يحصل بحيث هناك حكمة في عدم الانجرار الى انقسام وطني حول قضية ليست قضية مسيحية انما وطنية لأنها تتعلق بهوية البلد.

وفي الختام، يمكن القول ان البروباغندا التي قام بها اعلام الموالاة والتي توحي وكأن هناك تناغماً بين الفاتيكان وايران في لبنان ليس سوى كذبة، والدليل ما جرى مع المطران الحاج الذي تحولت قضيته الى رمز لاشتباك أبعاده أعمق بكثير من الشؤون القانونية، لها علاقة بالهوية اللبنانية والكيان اللبناني.

شارك المقال