ثلاثية الحكومة والرئاسة والحدود… والمسخرة العونية

لبنان الكبير

أزمات معيشية خانقة من المتوقع أن تزداد حدتها خلال شهر أيلول وفق أحد النواب الذي أشار في تصريح لموقع “لبنان الكبير” الى أن واقع الحال وفق المعطيات والحسابات والأرقام ينذر ليس بالجوع وانقطاع شبه تام للكهرباء وحسب، انما أيضاً بالعطش وانقطاع شبه كلي للمياه عن المنازل، والله يستر من الدخول في المجهول المخيف والمفتوح على كل الاحتمالات حتى نهاية العهد، وكأن الرئيس ميشال عون يأبى اليوم كما في السابق أن يخرج من القصر قبل أن يدمر البلد، ويذيقه مرارة العيش في جهنم. وهنا لا بد من أن نسأل: هل هذا نهج رئيس البلاد أو عقيدته أو مفهومه لقيادة الدولة؟ وهل كلما دخل القصر الوطني الذي هو ملك الجمهورية اللبنانية وملك الشعب اللبناني بكل طوائفه ومذاهبه لا يخرج منه الا على الساخن؟ الكل يضع يده على قلبه حتى منتصف ليل ٣١ تشرين الأول المقبل لأن الأبواب مشرّعة على كل أنواع المخاطر، وكل أشكال المغامرات البرتقالية. ومن يقرأ التاريخ يتأكد أن كل شيء وارد على الرغم من المعلومات التي تتسرب من السفارات ومن الديبلوماسيين الأجانب الذين أوصلوا الرسالة الى القصر الجمهوري بعدم خرق الدستور، والقيام بأي خطوة في هذا الاطار.

هي ساعات تفصلنا عن شهر أيلول، لكن بوادره المشؤومة أطلت برأسها قبل أيام من انطلاقته حيث كل الاستحقاقات تجمدت وتعطلت وتفركشت بالحسابات الضيقة والشخصية والمصلحية. ويمكن القول ان ثلاثية “الحكومة والرئاسة والحدود” محاصرة في قمقم داخله مفقود، وخارجه لا شيء سوى الآمال والوعود. فلا تفاؤل على مستوى الاستحقاق الرئاسي عشية بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية في الأول من أيلول، ولا دعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى عقد جلسة لكنه سيحددها حين تصبح الأمور أكثر نضوجاً وفق أحد المطلعين، مع العلم أن مصادر مقربة من بري كشفت لـ “لبنان الكبير” أن الكلمة التي سيلقيها في الذكرى ٤٤ لتغييب الامام موسى الصدر ستكون بمثابة خارطة طريق لمختلف الأزمات وسيضع النقاط على الحروف في الاستحقاقات المهمة التي تشهد تعطيلاً خطيراً، وليس مستبعداً أن يكون له موقف من تشكيل الحكومة خصوصاً أنه نأى بنفسه سابقاً عن كل السجالات الحاصلة بين الرئيس عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وسيتحدث عن خطورة الوضع في حال استمرت الأمور على ما هي عليه.

وأسف أحد الخبراء لأن تتحول محطة دستورية موضع تجاذب بالطريقة التي تحصل فيها، لكن لا شك أن الاستحقاق يأتي في مرحلة صعبة لناحية الانقلاب على الدستور والجمهورية، ورأينا الأداء خلال ست سنوات سابقة تم فيها قضم القوانين والتلاعب بها، وصدور الاجتهادات القانونية التي أوصلت الأمور الى مكان أصبح فيه الاستحقاق الرئاسي رهن بمغامرات وبمشاريع أحلام وبأمنيات ربما تهدف في خلفياتها إلى الانقضاض على ما تبقى من الدولة والدستور واتفاق الطائف. ما نشهده اليوم هو صراع صلاحيات يعكس كيفية التعاطي مع التوازنات الداخلية التي أرساها دستور الطائف، الذي من خلاله يعتقد بعض الفرقاء أن بإمكانه طرح صيغة جديدة بعد إظهار النظام الحالي أنه عاجز كلياً عن إدارة شؤون البلد. على أي حال، المغامرات التي نسمعها ليست سوى هرطقات في القانون والدستور وعلى الرئيس في ٣١ تشرين الأول أن يغادر قصر بعبدا ويفسح المجال أمام انتخاب رئيس بسلاسة بحسب القوانين والدستور. وإذا أحسن المجلس النيابي التعاطي مع هذا الاستحقاق، فيذهب إلى انتخاب رئيس، ولبنان مليء بالشخصيات والكوادر التي تصلح لممارسة دور الرئاسة الأولى كما ينص عليه الدستور أي أن يكون حكماً بين السلطات ومرجعاً لكل اللبنانيين، ويسهر على تطبيق القوانين بطريقة موضوعية لا أن يعطل أو يطالب بحصص. هذا الاستحقاق واضح المعالم ومهما صدر من أحلام ومغامرات وأمنيات لن يؤدي في نهاية المطاف الى أي نتيجة عملية سوى الاطاحة بما تبقى من مقومات الدولة ومؤسساتها.

اما على مستوى التشكيل الحكومي، فلا تفاؤل أيضاً على الرغم مما أكده مصدر متابع للملف من “التيار الوطني الحر” في حديث لـ “لبنان الكبير” أن الجو لا يزال ايجابياً بين الرئيسين عون وميقاتي وأن التواصل لم ينقطع خلال الأيام القليلة الماضية تحضيراً للقاء الخامس المنتظر قريباً، بين اليوم وغداً، والذي سيكون حاسماً ومفصلياً في التأليف خصوصاً أن النقاش دخل في تفاصيله الأخيرة. وعلى مقلب الرئيس ميقاتي، أشارت المعلومات الى أنه يتعرض لضغوط خارجية وداخلية للتنازل وتسهيل التشكيل لولادة حكومة تكون كاملة المواصفات، وتستلم إدارة البلد في حال الفراغ الرئاسي المتوقع، ومنعاً للدخول في خلافات دستورية قد تتحول الى اصطفافات طائفية خطيرة كما ولاقفال الطريق أمام المغامرات العونية والباسيلية التي يتم تسريبها. وشددت أوساط الرئيس المكلف على أنه سيستمر في محاولة التشكيل حتى الرمق الأخير، كما سيستمر في تدوير الزوايا والتنازل لكن الى حدود لا يمكن تخطيها، ولن يسمح بابتزاز باسيل وتحقيق رغباته في الحصول على حصة الأسد التي تمكنه من أن يكون معطلاً للحياة السياسية والدستورية، وتعزز نفوذه في السلطة وفي العهد المقبل. واذا لم تولد الحكومة بعد كل التسهيل من ميقاتي الذي يعلم جيداً أن فريق العهد يمارس عليه الضغط والابتزاز ربما حتى ربع الساعة الأخير من نهاية ولاية العهد، فإن “التيار الوطني الحر” يتحمل مسؤولية تداعيات التعطيل.

وفيما أشارت المعلومات الى أن “حزب الله” دخل على خط الوساطة في التشكيل الحكومي، لفت أحد المطلعين الى أن الرئيس المكلف يتعرض لضغوط كبيرة سواء من الخارج أو من الداخل، ولكن تختلف طبيعة هذه الضغوط. فالخارج يريد أن تتشكل حكومة وبأي صيغة ممكنة كي تستطيع استلام الحكم في حال الشغور في سدة الرئاسة الأولى بينما على المستوى الداخلي، فالضغوط من أطراف معينة من أجل تحسين المواقع، وأن تكون لها حصة الأسد في حال التسليم لحكومة جديدة، وبالتالي، القدرة على التعطيل وعلى فرض الأمور كما تراها مناسبة خصوصاً أن الحكومة الجديدة التي ستستلم صلاحيات رئيس الجمهورية قد تقدم على مشاريع مهمة، وتتخذ قرارات مصيرية بالنسبة الى لبنان ومنها التوقيع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط الاصلاحات للمساعدة، ولا مخرج للإنقاذ من دونه ليس لحجم المبالغ التي سيقدمها بقدر أهمية التوجيه والارشاد وتنظيم ميزان المدفوعات ومساعدة لبنان على التعاطي مع دول العالم بطريقة أفضل .

وفي ما خص الترسيم الحدودي البحري، لا يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم لأن الضبابية سيدة الموقف، وكل ما يتم الحديث عنه في الإعلام ان كان في لبنان أو في إسرائيل لا يستند الى وقائع انما الى تحليلات، وأكبر دليل أننا نسمع أخباراً ونقرأ مقالات متناقضة تماماً. كلنا بانتظار ما سيقوله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين خلال زيارته المتوقعة والتي لم يحدد موعدها حتى الآن، وهذا يعني أنه لم يحصل على جواب نهائي من الطرف الاسرائيلي الذي يجعلنا نتخوف من مماطلته وارجاء الاتفاق الى ما بعد الانتخابات في اسرائيل وفق ما قال مصدر متابع لملف الترسيم.

وأشار المصدر الى أن الجميع كان يتوقع الجواب الإسرائيلي على الطرح اللبناني من هوكشتاين منذ أيام، لكن يبدو أن الجواب سيتأخر نتيجة عدم رغبة العدو في التسرع باعطاء الاتفاق كهدية للجانب اللبناني قد تؤدي الى نكسة على مستوى الحكومة الاسرائيلية. ويمكن وصف المرحلة الحالية بمرحلة انضاج ترسيم الحدود البحرية، والوسيط هوكشتاين ينتظر هذا النضوج كي يعود الى لبنان، ويكون لديه جواب واضح يمكن من خلاله القول ان اتفاق الترسيم وصل الى خواتيمه السعيدة بحيث لا يكون هناك لا غالب ولا مغلوب ولا رابح ولا خاسر لاسيما أن العدو لا يريد أن يمنح انتصارات لأحد. وبالتالي، يجب انتظار ما سيقوله الوسيط الأميركي بحيث أن المعلومات التي تتحدث عن طلب اسرائيل استمهالها شهرين للرد على الطرح اللبناني وأن التوقيع على الاتفاق مرتبط بالانتخابات الاسرائيلية الداخلية غير دقيق خصوصاً أن الولايات المتحدة تريد التوقيع بأسرع وقت ممكن. ويبقى الأهم اليوم كيفية مواجهة المرحلة المقبلة بصيغة نستطيع من خلالها انقاذ الجمهورية من براثن العبث والمغامرات والأحلام، إذ لا بد من الاحتكام الى الدستور والعودة الى منطق القانون في إعادة بناء الدولة وتعزيزها كي تستطيع العبور الى بر الأمان في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية. وعلى السلطة أن تكون على قدر المسؤولية كي لا يتحول لبنان الى فريسة تتناتشها الدول على طاولات التفاوض، كما عليها استغلال حرص بعض الدول الصديقة على المصلحة اللبنانية، وملاقاتها الى منتصف الطريق من خلال اجراء الاستحقاقات الدستورية لإنقاذ الجمهورية.

شارك المقال