إنهم يختلفون على جنس الملائكة في جهنم والفراغ في بلد فارغ!

لبنان الكبير

مع دخول البلاد مدار المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، لا شيء جديد على صعيد الاستحقاقين الرئاسي والحكومي. وفيما بات مسلماً به أن الاستحقاق الأول لن يتم في موعده إن لم تحصل معجزة تهدي المسؤولين الى الطريق الصواب، وينتخبوا رئيساً يجسد خشبة الخلاص لبلد منهار انهياراً تاماً على الصعد كافة، فإن مصير الاستحقاق الثاني ضبابي، وسماءه ملبدة بغيوم مصحوبة بهبات باردة وهبات ساخنة، وتتلاعب به رياح المحاصصة والمواقف القاسية واللاذعة بين الأفرقاء السياسيين، وأبرزها ما جاء على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري في الذكرى الـ 44 لتغييب الامام موسى الصدر بحيث تولدت لديه قناعة بأن لا ولادة لحكومة كاملة الصلاحيات، على الرغم من أن مصادر “التيار الوطني الحر” تصر على أن الأجواء ايجابية والتأليف وارد في أي لحظة.

وفي تعليق لأحد السياسيين المخضرمين على ملف التشكيل، قال في حديث لـ”لبنان الكبير”: “يمكن اختصار ما يجري بكلمة واحدة: المحاصصة. وهنا نسأل: هل يجوز الخلاف على جنس الملائكة اليوم والناس تتلوى بنار جهنم؟ هل الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي يعيشان على كوكبنا وفي زمننا أو على كوكب آخر وفي زمن آخر؟ ألا يعلمان أن الناس تموت من الجوع ومن المرض ومن قلة الكهرباء؟ ألا يعرفان أن العسكري الذي يحميهما ويحافظ على أمن البلد لا يكفيه معاشه لدفع فاتورة المولد الكهربائي أو لينتقل الى عمله؟ اننا نعيش المأساة الحقيقية بكل مفاعيلها وتداعياتها، وتتجلى بأبهى مظاهرها في حياتنا اليومية. لماذا الانتظار؟ لماذا لا يصارحون اللبنانيين؟ لماذا الحديث عن الفراغ الرئاسي في وقت أصبح البلد فارغاً من كل مقومات الحياة، ويكاد يفرغ من أهله؟ ما يجري في الاستحقاقات الدستورية غير معقول وغير مقبول وغير مسؤول. وهم اليوم مدينون لنا بالاعتذار”.

وفي وقت لم يرد الفريق الرئاسي على سهام الرئيس بري، اذ رفض عدد من النواب الذين تواصل معهم “لبنان الكبير” التعليق على هذه المواقف باعتبار أنهم لا يريدون الدخول في سجالات عقيمة، رأى أحد المحللين السياسيين أن البارز في مواقف الرئيس بري اطلاقه رشقات مباشرة ضد العهد ووريثه السياسي وكأنه فعلاً يكتب ورقة نعي قبل شهرين من انتهاء هذا العهد. لذلك، فإن موقف الرئيس بري يؤكد على حالة طلاق بائن بينه وبين الرئيس عون ورئيس “التيار الوطني الحر”، بحيث لم يعد هناك مجال يستطيع من خلاله “حزب الله” التوفيق بينهما أو اعادة اللحمة الوفاقية خصوصاً في المسائل الداخلية الدقيقة كملف الكهرباء والتعقيدات في وجه الاصلاحات. وحمّل العهد وتياره المسؤولية الأولى في إفشال كل هذه الملفات وتحديداً الكهرباء وكأنه يؤسس لمرحلة سياسية ستخلو عملياً من الحصة الوازنة التي كان التيار العوني يتمتع بها على مدى 6 سنوات، ويخطط للاحتفاظ بها أو بغالبيتها في المرحلة المقبلة من خلال وضع الشروط المعقدة أمام تشكيل الحكومة الجديدة، ومن تحت ستار التمثيل المسيحي لفرض نفسه كرقم صعب في معادلة الاستحقاق الرئاسي. اذاً، يمكن وصف موقف الرئيس بري بأنه موقف نوعي متقدم ربما ستكون له ارتدادات أو نتائج ايجابية على الملفين المطروحين الآن أي تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية. مع التأكيد أن خطاب الرئيس بري لم يكن أقل أهمية من كل المواقف التي أطلقتها المرجعيات المحورية الروحية والسياسية المسيحية لجهة المواصفات التي حددها للرئيس المقبل. صحيح أن هذه المواصفات لا تتطابق كلياً مع المواصفات التي أعلنها البطريرك الماروني بشارة الراعي وكذلك الفاعليات السياسية المسيحية أو الأحزاب المسيحية السيادية والقوى السيادية الأخرى خصوصاً في الطائفتين السنية والدرزية، لكن اللافت في المواصفات التي أطلقها بري أنها لا تتطابق مع الأسماء التي يتم تداولها ضمن فريق ما يسمى 8 آذار أو على الأقل فريق “حزب الله” والتيار العوني. هذه المواصفات لا يمكن أن تنطبق على رئيس تيار العهد جبران باسيل ولا حتى على الوزير السابق سليمان فرنجية. وكأن الرئيس بري يفتح باب النقاش والحوار حول profile الرئيس المقبل ليكون وسطياً بين المواصفات التي حددها هو وبين المواصفات التي تريدها بكركي. المتابعون يقرأون في موقف الرئيس بري بالنسبة الى رئاسة الجمهورية وكأنه في أحد موقعين: اما أنه يبتعد فعلاً عن شريكه في الثنائي أي “حزب الله”، ويبتعد أكثر بمسافات بعيدة عن حليف حليفه أي الرئيس عون ووريثه السياسي، أو كأنه يمهد الطريق لنزول “حزب الله” عن أعلى الشجرة بعدما أدرك أنه لم يعد المرجعية العليا في انتخاب رئيس الجمهورية كما فعل سنة 2016. لذلك، فإن موقف الرئيس بري في الحالتين يوحي وكأن الاستحقاق الرئاسي خرج من النطاق الحصري للحزب وللتيار العوني الى مساحة وطنية وسياسية أوسع يشترك فيها كل المعنيين بهذا الاستحقاق وفي مقدمهم البطريركية المارونية.

الترسيم ورفع مستوى التعاطي الأميركي: انذار مبطن

لا يزال الغموض سيد الموقف في ملف الترسيم الحدودي البحري بين لبنان واسرائيل في ظل تأويلات وتسريبات كثيرة، الا أن الواضح أن العدو قد أجّل الاستخراج من حقل “كاريش” حتى شهر تشرين الأول المقبل. غموض ينتظر اللبنانيون تبديده مع الزيارة المتوقع أن يقوم بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت والتي لم يحدد موعدها بعد على الرغم من أنه على تواصل مستمر مع المعنيين بالملف في لبنان.

وتحدثت معلومات عن لقاء هوكشتاين مع رئيس مجلس إدارة شركة “توتال” في العاصمة الفرنسية باريس للتباحث في التزامات الشركة في لبنان، لا سيّما في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، وإمكان عمل الشركة في البلوكات ضمن المساحات اللبنانية الخالصة بحيث لم يحصل الوسيط الأميركي على موافقة “توتال” لبدء التنقيب في بلوكات لبنانية قبل الاتفاق على الترسيم، وهذا ما كانت الشركة أبلغته إلى الجانب اللبناني.

وفي هذا السياق، برز دخول البيت الأبيض مباشرة على خط المواقف الايجابية المتصلة بترسيم الحدود، اذ أعلن مسؤول في البيت الأبيض أن “حل النزاع حول الحدود البحرية يعتبر أولوية رئيسية لإدارة الرئيس جو بايدن. وفي حين أن المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكشتاين لم يزر لبنان أو إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، إلا أنه يواصل مشاركته القوية لإنهاء مناقشات الحدود البحرية. ونواصل تضييق الفجوات بين الطرفين ونعتقد أن التسوية الدائمة ممكنة. نرحب بالروح التشاورية لكلا الطرفين للتوصل إلى حل”.

وبحسب مصدر مطلع، فإن ما صدر عن البيت الأبيض موقف مفاجئ ومتقدم، ورفع مستوى التعاطي مع ملف المفاوضات بين لبنان واسرائيل من الموفد الشخصي الى الادارة العليا أو أعلى موقع في الادارة الأميركية أي الرئيس، يحمل بحد ذاته الكثير من المعاني منها توجيه انذار مبطن الى كل من يحاول اللعب بهذا الملف أو بمسألة المفاوضات لتحقيق نقاط أو مكاسب سياسية معينة، كما يستبطن انذاراً سياسياً الى كل الأطراف التي تتبادل التهديدات ومنها اسرائيل طبعاً. وبالتالي، هذا يعني أن الادارة الأميركية ستضع كل ثقلها بصورة مباشرة للوصول الى الاتفاق المرتقب لكن الأمر يتطلب المزيد من الوقت وليس في مطلع أيلول. هذا الموقف يعني أن الملف استرجع كاملاً الى دائرة القرار الأميركي، وسحب من دائرة التهديدات المتبادلة بين “حزب الله” واسرائيل، وبات الحزب الآن في موقع المنتظر، وهو مضطر الى الانتظار أكثر، وتجاهل المهلة التي حددها في أوائل أيلول. لذلك، موقف الرئيس الأميركي باستعادته الملف الى ادارته كي يقوم بالدور اللازم بين اسرائيل ولبنان. وهذا في الواقع، يعزل التأثيرات المباشرة والخطيرة التي كان يتولاها الحزب من خلال التهديد المتكرر الذي كان يطلقه السيد حسن نصر الله وتحديده المواعيد وطبيعة الرد بما يعني حرباً واسعة فوق مياه المتوسط وربما حرباً اقليمية. موقف الرئيس بايدن أعاد ضبط ايقاع مفاوضات الترسيم ومنحها مجالاً زمنياً أوسع من المهل التي كان نصر الله قد حددها. استعادة الملف الى الحضن الأميركي بصورة مباشرة يتضمن نوعاً من الاشارة القوية الى الأطراف التي تتبادل التهديدات بأن المسألة أعلى من هذه التهديدات وأعلى من القرار الموضعي المحلي سواء في لبنان أو حتى في اسرائيل، لكن المستهدف من استعادة هذا القرار الى الادارة الاأيركية العليا هو “حزب الله” بالتحديد لأنه الآن أمام حالة ارتباك كيف سيتعامل مع تهديداته السابقة. هل يذهب الى تنفيذها أو يضطر الى التريث واعطاء مهل جديدة عملاً بالقرار الأميركي الجديد؟

ولفت مصدر عسكري معني بملف الترسيم الى أن هناك اهتماماً أميركياً بالملف، لكن كل ذلك يبقى منوطاً بالجواب الرسمي الذي يجب أن يحمله الوسيط الأميركي الى الجانب اللبناني. هذه المواقف المستجدة من البيت الأبيض بالغة الأهمية، لكن كل ذلك اذا لم يقترن بإجابة اسرائيلية مكتوبة وموثقة وواضحة، فلا يكون ذا أهمية. الرئيس الأميركي يريد حل مسألة النزاع البحري بين لبنان واسرائيل خصوصاً في ظل الحاجة العالمية الى الغاز. نحن في لبنان، نحكم على النتائج، وإن كان لبنان سينال ما يصبو اليه من الترسيم أي الخط 23 زائد حقل “قانا” كاملاً والسماح بالتنقيب والاستخراج لأن لدينا شكوكاً بالنوايا الأميركية والاسرائيلية.

اضراب “أوجيرو” مستمر… وتجديد سنة لـ “اليونيفيل”

وفيما أعلن نقيب مستخدمي هيئة “أوجيرو” إيلي زيتوني بعد اجتماع طارئ امس، الاستمرار بالاضراب الى حين الوصول الى معطيات جديدة وتحقيق المطالب، جدد مجلس الأمن تفويض قوّة الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) لسنة واحدة، على أن تستمر بدعم الجيش اللبناني لوجستياً لمدة ستة أشهر.

وجاء في نص القرار الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه بناء على طلب السلطات اللبنانية، قرر مجلس الأمن تمديد تفويضه مرة أخرى، معرباً عن قلقه من “انتهاكات” لوقف إطلاق النار. أضاف: “فيما لم تتغيّر الأسباب العميقة للنزاع بشكل جذري منذ 2006، تواجه (اليونيفيل) مشكلات جديدة في قيادة عملياتها ولا سيما القيود المفروضة على حريتها في التنقل”. وتبنى المجلس القرار بإجماع أعضائه الـ15.

شارك المقال