دولة العهد خارج الخدمة وباسيل يجيّش على التوتر العالي المقطوع

لبنان الكبير

لا شيء يعلو على أصوات المسؤولين في خطاباتهم النارية التي تطلق من مختلف الجبهات والتي سئم اللبنانيون سماعها لأنهم أيقنوا أنها ليست سوى نهج يتبعه هؤلاء لذر الرماد في العيون وشد العصب الطائفي بهدف حصولهم على صك رضى من بعض المناصرين للاستمرار في مسيرة تحقيق المكاسب، وما تحلل الدولة التي أصبحت خارج الخدمة في قطاعاتها ومؤسساتها كافة سوى دليل على ذلك.

الدولة خارج الخدمة، متحللة، مهترئة، منهارة، كلها تعابير لا تفي بتجسيد واقع الحال، ومن يراقب ما يجري على صعيد الكهرباء المقطوعة 24 على 24 وتحكم أصحاب المولدات بالناس واجبارهم على دفع بالفاتورة بالـ”فريش” دولار، واضراب موظفي “أوجيرو” الذين تسبب اعتكافهم بأعطال كبيرة في شبكة الاتصالات الخلوية والثابتة وفقد المواطنون الارسال والانترنت في هواتفهم، وارتفاع أسعار المحروقات لا سيما البنزين الذي شهد زيادة اضافية ليناهز سعر الصفيحة الـ650 ألف ليرة وسط تهديد أصحاب المحطات بالاقفال لأنهم يتكبدون الخسائر، والعام الدراسي المهدد بانطلاقة في موعدها وبشكلها الطبيعي بسبب عدم قدرة الأهالي على دفع الأقساط وتأمين الكتب والقرطاسية التي باتت أسعارها خيالية، لا يمكنه الا اضاءة شمعة على نية البلد وأهله.

وسط هذه الأزمات، تحرك المسؤولون، ونشطوا في اجتماعاتهم ولقاءاتهم، لكن كعادتهم، تبقى حلولهم عقيمة عصيّة على الحل، فيلجأون من خلال خطاباتهم ورفع السقف في مواقفهم الى تغطية “السموات بالقبوات” وخير دليل ما جاء امس على لسان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، اذ اعتبر أحد المتابعين أن هذا النوع من الخطابات ليس سوى دليل على تحلل الدولة، وأننا خارج اطار دولة المؤسسات وفي حالة نظام كل “مين ايدو الو”، وبات القانون والدستور وجهة نظر. باسيل يحاول ذر الرماد في العيون وشد العصب الطائفي للتوصل الى تحقيق المطالب، ولم ننتظر من هذه الاطلالة أو مما سبقها أو ما سيلحق بها أي خطوة ايجابية على الحالة التي يرثى لها وعلى المواطن الذي يحتضر شيئاً فشيئاً. أليس هو من ألغى خطوط التوتر العالي من الوجود؟ فماذا يستفيد الناس من توتره وصوته العالي؟ هل ننتظر منه تلاوة فعل الندامة؟ هذا هو الموقف الرجولي والبطولي والوطني، لكنه بعيد كل البعد عن هكذا مواقف بل سيستمر في اضاعة “الشنكاش” وذر الرماد في العيون. ان كل ما يقوله ليس له أي مفعول، بل بمثابة القنبلة الصوتية. لا مفعول للتصاريح والمواقف الصادرة عمن ارتكبوا الفظائع والمحرمات الا لدى بعض المناصرين الذين فقدوا بصرهم ونظرهم. ما هي النتيجة؟ ألا يخجل من الظهور أمام الناس؟ الأفضل أن يختبئ على أمل أن ينساه الجميع لأن أفعاله لا تغتفر. هو الذي باع المصلحة الوطنية وجيّر السلطة لفصيلة لا تنتمي الى لبنان ولا تريد المصلحة الوطنية. لا يهم ماذا يقول، لأن أفعاله تخبر عنه. ما أهمية الأقوال اذاً؟. لو ركع على الجمر لا يمكن أن يُسامح. نعم يحق له الرد لكن هل يحق له السرقة وتعطيل كل مرافق الدولة؟ يجب أن يرد من المحكمة وأمام القاضي وليس من أي مكان آخر. ما أهمية كلامه وهو الذي أرجع البلد 100 عام الى الوراء، وأحبط 5 ملايين انسان؟ المهم اليوم أن نجد 67 نائباً ينتخبون رئيساً ينتمي الى الوطن ومصلحته. المفعول الجيد أن يجتمع الناس الذين يريدون مصلحة لبنان، ويطالبون اليوم قبل الغد بانتخاب رئيس للجمهورية يحترم الدستور والشعب والوطن، ولا يخرجون من الساحات والطرقات قبل تحقيق هذا الهدف. هذه القضية اليوم، واذا لم ينفذ قسمه، يطرده الناس من القصر الجمهوري. الكرة اليوم في ملعب اللبنانيين الذين يجب أن يواجهوا المسؤولين للخروج من أزماتهم والا فعلى الدنيا السلام. المطلوب أن نعيد بناء دولة مؤسسات ودولة ديموقراطية يسود فيها القانون وليس شريعة الزعماء.

في هذا الوقت، تتكثف الاتصالات بين القوى السياسية لاجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده على الرغم من أن هناك قناعة لدى الكثيرين بأن الفراغ شبه أكيد على هذا الصعيد لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، لذلك انصبت الجهود في الأسابيع القليلة الماضية على تأليف حكومة كاملة الصلاحيات لتستلم السلطة في حال الشغور الرئاسي، ودخل “حزب الله” على خط الوساطة بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من جهة ورئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر” من جهة ثانية على أمل خرق جدار التعطيل، وتجاوب فريق العهد مع طروحات الضاحية وعين التينة، وابداء بعض المرونة في التعاطي مع الاستحقاق الحكومي خصوصاً أن ميقاتي كان متجاوباً، وتنازل قدر الامكان الا أن رياح التأليف جرت بما لا تشتهيه سفن الوسطاء بحيث تمسك “التيار” بمطالبه الوزارية، واللقاء الأخير بين الرئيسين عون وميقاتي خير دليل حتى أن بعض المراقبين وصفه بالأسوأ. وبالتالي، فإن مساعي اخراج الحكومة من عنق الزجاجة لم تنجح في ظل غياب أي حركة جديدة في هذا الاطار، وكأن الوضع الحكومي عاد الى المربع الأول حين اعتبر كثيرون أن صفحة التشكيل في ولاية العهد الحالي طُويت الى غير رجعة خصوصاً بعد المواقف التي أطلقها أمس باسيل، والتي ستعمّق الهوة أكثر بين المعنيين بالتأليف.

دخل الاستحقاقان الدستوريان في حلبة السباق التعطيلي في وقت تتابع القوى السياسية والكتل النيابية تحديد مواصفات الرئيس المقبل، وتشتد الخلافات في تفسير الدستور حول صلاحيات الحكومة المستقيلة، اذ أكد باسيل في احدى المقابلات الصحافية “أننا لن نقبل بأي شكل من الأشكال بأن تتسلّم حكومة ميقاتي المنقوصة الصلاحية صلاحيات الرئاسة”.

وفي هذا الاطار، قال أحد النواب: “في المنطق الدستوري ليس هناك من فراغ، واذا لم ينجز مجلس النواب انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهل الدستورية، فنقع في شغور رئاسي، وفي حال الشغور لأي سبب كان، تستلم الحكومة ان كانت تصريف أعمال أو مكتملة الصفات صلاحيات رئيس الجمهورية”. في حين اعتبر نائب آخر “أننا نعيش اليوم في الفراغ الكامل على المستويات كافة اذ لا دولة ولا مؤسسات ولا سلطة ولا قضاء. واذا لم نتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية يحترم الدستور ويمثل الدولة اللبنانية، فالشغور أفضل لأنه في ظل رئيس على صورة الرئيس الحالي الى أين يمكن أن نصل بعدما وصلنا الى قعر جهنم؟ هذه الاستحقاقات دستورية، لكن أين احترموا الدستور؟ انه الجدل البيزنطي في وقت تموت الناس من الجوع”.

الترسيم في الاتجاه الصحيح

على صعيد الترسيم البحري، أكد نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سيزور لبنان نهاية الأسبوع الحالي من دون أن يعني ذلك أن الزيارة ستحمل الحل النهائي ولكنها ستكون خطوة إيجابية إضافية نحو الحل، ويجب أن نعلم أن هذا الموضوع شائك ومعقد ولكنه يسير في الاتجاه الصحيح.

وفي السياق، لفت مصدر مطلع في تصريح لـ “لبنان الكبير” الى أن كلام بو صعب يشير الى أن الوسيط الأميركي سيزور لبنان لكن لا أحد يتوقع أن يحمل معه حلاً نهائياً بحيث أن تأجيل اتفاق الترسيم ربما يكون لشهر أو شهرين، وأن هناك بعض الأمور بحاجة الى التفاوض على الرغم من أن الأمر يسير في الاتجاه الصحيح. يمكن أن نستخلص من هذا الموقف محاولة لابعاد أي احتمال للاحتكاك بين المقاومة والعدو الاسرائيلي خصوصاً أن “حزب الله” قال انه خلف الدولة في ملف الترسيم، وحين يكون موقف الدولة بأن الأمور تسير على ما يرام يعني أن لا تصعيد. هناك شركة قطرية دخلت على الخط لتحل محل الشركة الروسية، وهوكشتاين كان في قطر وطلب من الرؤساء الثلاثة في لبنان إيفاد مندوبين عنهم الى قطر للاجتماع بهم، لكنهم رفضوا على اعتبار أن يأتي هو الى لبنان ويخبرهم بنتائج مفاوضاته. ما يتم الحديث عنه اليوم أن الشركة القطرية تعوّض لاسرائيل عن الحصة التي تطالب بها من حقل “قانا”، لكن لا شيء محسوم في هذا الاطار. ويمكن القول ان هناك استبعاداً كلياً للتصعيد في هذه المرحلة بعدما أوقفت اسرائيل العمل في “كاريش” وبعد رفع القيود عن الشركات والسماح لها بالتنقيب في المياه اللبنانية. العقدة حالياً لها علاقة بالسياسة بحيث أن الترسيم من الناحية التقنية قطع الشوط الأكبر لا بل وصل الى خواتيمه، لكن توقيت الاعلان عن الاتفاق يتعلق بالسياسة الاسرائيلية الداخلية بحيث أن اسرائيل على أبواب انتخابات ولا تريد أن تظهر الحكومة الحالية أنها توقع على اتفاق الترسيم بشروط لبنان .

وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أن “لبنان وإسرائيل في حالة حرب رسمياً وعملياً، الحدود مغلقة لكن يمكن فتحها للحالات الخاصة. السؤال الآن هو من نصدق: نصر الله الذي يهدد بـ (مفاجأة سيئة لاسرائيل) حتى قبل أن تؤتي ثمارها، أم وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس الذي يحذر اللبنانيين لكنه يعني حزب الله، أو هوكشتاين الذي يحتفظ بأوراقه بالقرب من صدره، ويقلق أن يعلن أنه متفائل للغاية؟”.

شارك المقال