نكسة الترسيم… مزايدات بإنتظار 1 تشرين الثاني

لبنان الكبير

اذا كان الاستحقاقان الرئاسي والحكومي قبل نكسة رفض اسرائيل الملاحظات اللبنانية على اقتراح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في دائرة التعطيل، فقد أقفل عليهما اليوم في جوارير المسؤولين والمعنيين الذين صبّوا كل اهتماماتهم على ملف الترسيم البحري والملاحظات الاسرائيلية التي شكلت محور الاتصالات بينهم وبين الوسيط الأميركي الذي يراهن عليه الطرفان اللبناني والاسرائيلي لايجاد مخرج يرضيهما، مع تأكيد مختلف الخبراء أن التصعيد والتهديد الاسرائيليين لا يتعديان مقتضيات نزاع انتخابي داخلي مزمع اجراؤه في مطلع تشرين الثاني المقبل في ظل ضغط أميركي كبير، بحيث أن الثروة النفطية أصبحت مسألة دولية وتخطت قضية الحدود والتفاوض بين لبنان واسرائيل. وبالتالي، فإن المفاوضات انتقلت من المرحلة السياسية الى مرحلة درس المفردات القانونية والتقنية في أجواء هادئة بعيدة عن التشنج.

وفي هذا الاطار، أكد أحد المتابعين للملف في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن الترسيم يجب أن يحصل لأن للبنان مصلحة في ذلك، ونظن أن الاتفاق سيحصل وان تأخر بضعة أيام. الاتفاق ملزم به الوسيط الأميركي، وهناك نقاط لا يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها لأنه يعمل عليها منذ أشهر. العدو يحاول تحسين الشروط لكن لبنان لن يرضى الا بكامل الحقوق، والاتفاق لن يتوقف على بعض التفاصيل الصغيرة. الترسيم سيحصل قبل نهاية العهد، والهدوء على الجبهة الجنوبية من دون تسجيل أي حركة غير عادية خير دليل على أن كل ما سمعناه من تحضيرات عسكرية واستعدادات غير صحيح. انه البازار الانتخابي، وربما يتأخر التوقيع على الاتفاق لأيام، وهذا غير مهم.

أما أحد الخبراء العسكريين، فاعتبر أن كل ما نراه من تصعيد على الجانب الاسرائيلي يمكن تسميته “تنتيعات” اللحظة الأخيرة بحيث تصعّد المواقف بغية تحقيق مكاسب اضافية أو عدم السماح للآخر بها، وهذا منتظر في آخر لحظات المفاوضات. الاسرائيليون محرجون لأن وضعهم الداخلي غير مستقر وعلى أبواب انتخابات، والتباين الداخلي حول الترسيم البحري واضح، لكن في النتيجة، فإن الملف سيكمل في مساره الايجابي لأنه حاجة دولية للطاقة في العالم، اذ أن القضية لا تتعلق بلبنان واسرائيل وبالمفاوضات بين البلدين انما هي أكبر من ذلك بكثير، ولن يقف في طريق الترسيم أي عرقلة أو تصعيد، ولا بد من ايجاد طريقة لتقريب وجهات النظر خصوصاً أن لبنان مستعجل على التوقيع. الزعماء في اسرائيل يكذبون ويناورون كما الزعماء في لبنان خصوصاً أن الخط 23 هو خط وضعته اسرائيل الرابحة الأولى. التصعيد كذبة يلعبها علينا الاسرائيلي. ومن سيربح في الانتخابات الاسرائيلية، من مصلحته أن يسير بهذا الاتفاق لأنه في حال رفضه، ستكون هناك مطالبة لبنانية بالخط 29، كما أن موضوع النفط والغاز في المنطقة سيتعرض لعدم الاستقرار. على الاسرائيليين اليوم عدم الافراط في الدلع لأن اسرائيل الرابح الأكبر في حين يعتبر بعض الأفرقاء في لبنان أنهم حققوا نصراً قبل الوصول الى الاتفاق. انه الجنون بحد ذاته. قبل اعلان الانتصار كان عليهم الحديث عن الأهداف التي تم تحقيقها لتعتبر انتصاراً. لم نحقق شيئاً انما الحد الأدنى من المطالب. ما نعرفه وما نحن واثقون منه أن الحلول ستتبلور، لكن ما هي الملاحظات التي يعترض عليها غير معروفة، مع التأكيد أن التسوية قائمة ومستمرة، وهذا أمر طبيعي لأن المفاوضات تعني تسويات والوسيط الأميركي سيجد حلاً وسطياً بين لبنان واسرائيل. وهنا بعض الهواجس من نقطة الـb1 والمنطقة الأمنية. والسماح للبنان بالاستخراج والتنقيب بحد ذاته ادانة لأميركا لأنها من خلال الترسيم تعترف بأنها كانت تمنع لبنان من التنقيب واليوم سمحت بذلك على الرغم من أن ذلك حق طبيعي للدول. في المفاوضات تعتبر اللحظات الأخيرة هي الأصعب، وهذا ما نراه اليوم على أرض الواقع، والعقد تكون في الواحد بالمئة المتبقي. وفي الخلاصة، يؤخر الاستخراج من حقل “كاريش” وتحصل الانتخابات الاسرائيلية، ومن سيربح يسير بالاتفاق لأن بذلك مصلحة اسرائيلية. وتبقى “الشطارة” في المفاوضات من يسجل نقاطاً أكثر في مرمى الطرف الآخر من دون نسف الاتفاق. انها لعبة المفاوضات. التوقيع حاصل بسبب الضغط الأميركي على الادارة الاسرائيلية وعدم رغبة أي طرف في الدخول بحرب ستؤثر على لبنان واسرائيل خصوصاً من الناحية الاقتصادية.

وعلى صعيد الترسيم الحكومي، يبدو أن الدخان الأبيض لم ولن يتصاعد أقله خلال الأيام المقبلة بحيث تدخل البلاد في عطلة رسمية لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، على الرغم من أن المعلومات أكدت أن “حزب الله” لن يتوقف عن مساعيه في هذا السياق.

ولفت أحد السياسيين المواكبين للتأليف الى تأجيل البت بملف الحكومة، ووضع في الجارور حالياً لأن الأولوية اليوم لملف الترسيم البحري الذي يستحوذ على اهتمام المسؤولين. وبالتالي، الحكومة لم تنضج بعد، ورحّل النقاش حولها الى الأسبوع المقبل، لكن في نهاية المطاف سيكون هناك حكومة. مع العلم أن رئيس الجمهورية ميشال عون أبلغ الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي خلال استقباله له في قصر بعبدا، أن الأولوية المطلقة يجب أن تكون راهناً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن وجود الرئيس أساس لتشكيل حكومة جديدة وليس العكس.

أما على صعيد الترسيم الرئاسي، فليست هناك معطيات تشير الى امكان انتخاب رئيس في المهلة الدستورية المتبقية، لا بل إن الامور ذاهبة نحو التعقيد والشغور الحتمي، اذ أن “التيار الوطني الحر” لم “يهضم” دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى انتخاب رئيس للجمهورية في 13 تشرين الجاري، لذا فلن يشارك فيها على اعتبار أنها رسالة موجهة اليه في هذا التاريخ بالتحديد و”تحمل استهتاراً بمشاعر الناس” بحسب ما قال النائب جبران باسيل، ما يجعل الجلسة في مهب التطيير أو التأجيل أو عدم اكتمال النصاب.

واعتبر أحد نواب تكتل “لبنان القوي” أن “الدعوة في هذا التاريخ لم تأت صدفة أو سهواً. الذاكرة مهمة بالنسبة الينا. اذا كان تعيين الدعوة في مثل هذا اليوم عن طريق الخطأ، فالرجوع عن الخطأ فضيلة، واذا كانت سهواً، فالرجوع عنه جيد، واذا كانت مقصودة، فلدينا ما سنقوله. علينا الانتظار. النائب باسيل أبدى رأيه في الموضوع علناً ولا بد أن رأيه وصل الى أصحاب الشأن”، سائلاً “هل المطلوب من تعيين الجلسة في هذا التاريخ تأمين عدم اكتمال النصاب، وهكذا يتم تحميل مسؤولية تطييرها لفريق معين؟”. وقال: “نحن ننتظر رد فعل السياديين من تعيين الجلسة في هذا التاريخ. هناك شهداء سقطوا في مثل هذا اليوم، وجيش غريب دخل الى مناطق حرة، وهناك من ضحوا بأرواحهم، وليس كثيراً عليهم أن نحترم هذه المناسبة ونصلي لأجلهم. وكنا نتمنى أن يقدم أحدهم أجندة لمجلس النواب تتضمن المناسبات الوطنية والأعياد الرسمية”.

في حين سأل أحد نواب كتلة “التنمية والتحرير”: “لماذا اعتبار الدعوة الى الجلسة يوم الخميس مقصودة أو أنها رسالة معينة؟ هل هو يوم عطلة أو عيد أو حداد رسمي؟ انه يوم من أيام العمل العادي، والدعوة في مثل هذا اليوم حيث كل الناس تذهب الى أشغالها وأعمالها، والمؤسسات الدستورية والرسمية تعمل بصورة طبيعية. هذه التفسيرات غير مبررة وغير مفهومة. لماذا التفتيش عن حجة للتصعيد؟ فلنخفف من الحدة والتشنج، ولنذهب الى الاهتمام بأمور أهم، ولنتحدث عن الايجابيات بعيداً عن التفسيرات السلبية لكل شيء. ثم لماذا على الرئيس بري أن يبدل موعد الجلسة؟ هل هناك من سبب جوهري لذلك؟ ما المانع في أن تكون الجلسة في هذا اليوم خصوصاً أنها قبل الظهر وربما لن تستغرق أكثر من ساعة واحدة؟”.

وفي هذا الاطار، أشار أحد المحللين السياسيين الى أنها زكزكة من الرئيس بري، والعداوة الموجودة بينه وبين العهد والنائب جبران باسيل ربما دفعته الى القيام بهذه الخطوة، وهو يضرب ضربة معلم في هذه الأمور. الأستاذ يريد تسجيل نقاط على فريق العهد، ولن يتأخر في ذلك اذا أمكنه. في المحصلة، كلها زكزكات لا تقدم ولا تؤخر، ولا بد من الذهاب نحو التوافق على شخصية لا تستفز أي طرف في الاستحقاق الرئاسي، وعلى ما يبدو، نحن متجهون الى هذا السيناريو. تجربة الرئيس ميشال عون في الحكم يجب أن تكون درساً لايصال رئيس يمكن أن يتواصل مع الجميع، مع العلم أن رئاسة الجمهورية ليست لديها الصلاحيات التي يتحدثون عنها، ومن يعوّل على تحقيق الرئيس المقبل العجائب في البلد، واهم. لذلك، من المرجح أننا ذاهبون الى تسوية بين مختلف القوى السياسية. لا يمكن ايصال رئيس تحد، وعلينا أن نكون واقعيين مع واقعنا. هذا هو النظام اللبناني القائم على التسويات والتفاهمات، ولو جمعنا مراحل التعطيل منذ العام 2005 الى اليوم، فهي تتخطى الست سنوات، وهذا دليل عجز النظام الذي لا يستطيع تأمين استمرار عمل المؤسسات ما يعني أنه نظام فاشل لكن اللبنانيين ارتضوا به. وبالتالي، نحن ذاهبون الى الشغور، ولم يعد مستغرباً هذا الأمر لا بل بات من أدوات العمل السياسي، ولكن سيحصل ضغط خارجي لعدم اطالة مرحلة الشغور خصوصاً أن هناك ملفات كبرى داهمة.

وليس بعيداً من الترسيمات الحكومية والرئاسية، حضر الملفان الرئاسي والحكومي في جولة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي على المسؤولين والقوى السياسية. وقال زكي: “نحن نستشعر أن الاقتراب من الاستحقاق الرئاسي من دون بوادر الوصول الى ما يشبه التوافق حول من سيصل الى سدة الرئاسة اللبنانية، هو أمر يبعث على قدر من القلق لأن لبنان في هذه الفترة وهذه الظروف لا يحتاج الى فراغ رئاسي، وهذا أمر مهم. الجامعة العربية التي تواكب لبنان كعادتها في كل محطاته واستحقاقاته الرئيسة، تسعى أيضاً الى تسهيل حصول هذا الاستحقاق بسلام، وتأمل أن يمر بصورة سلسة، وهذا الأمر يتطلب الكثير من التواصل والتفاهمات بين المعنيين للوصول الى تفاهم مشترك مطلوب يؤدي الى اتفاق، وهذا الموضوع يستمر في كسب رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية واهتمامه”.

شارك المقال