على درب الشغور… لوتو رئاسي وترسيم و”تصدع التغيير”

لبنان الكبير

إنه “لوتو رئاسي” على درب الشغور، إذ يتعامل المسؤولون مع الاستحقاقات الدستورية باستخفاف واستهتار ولامسؤولية، فاذا لم يتوفقوا في ورقة التصويت في المجلس النيابي أو في ورقة التفاوض الحكومي، الاثنين فالخميس، وسبحة الاثنين والخميس تكر على ايقاع تفتت الدولة، وغرق شعبها في سياساتهم الخاطئة وتدابيرهم المؤقتة، وفي أول شتوة تشرين التي احتجزت آلاف المواطنين في سياراتهم لساعات طويلة وكأنه لا تكفيهم تداعيات الغرق السياسي المستمر منذ سنوات، ولا بصيص ضوء يلوح في الأفق.

على بعد أيام قليلة من انتهاء ولاية العهد الحالي، تبدو زاخرة بالملفات والاستحقاقات من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ومسرحيات “اللارئيس” الى توقيع اتفاق الترسيم البحري مع اسرائيل المتوقع أن يحصل بعد غد الخميس في الناقورة، ولقاء وفد لبناني برئاسة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب مع كبار المسؤولين في سوريا الذي كان متوقعاً غداً الأربعاء، بهدف مناقشة مسألة الترسيم البحري بين البلدين، الا أن الموعد ألغي في اللحظات الأخيرة، مروراً بالاستحقاق الحكومي المتعثر تحت ضربات الشروط التعجيزية، وصولاً الى المحطة الأبرز مع مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون قصر بعبدا الأحد المقبل مبدئياً.

اذاً، تكتسب الأجواء الطابع الدراماتيكي الذي يظهر بأبهى حلله في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، اذ لا شيء جديد تحت قبة البرلمان حيث أن سيناريو انتخاب رئيس الجمهورية تكرر على مدى 4 جلسات متتالية مع بعض التغيير في تفاصيل صغيرة لا تقدم ولا تؤخر في المسار الانتخابي، مع التوقع أن نستمر على هذا المنوال في الجلسة المقبلة التي بعدما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنها ستعقد بعد غد الخميس، عاد وقال انه سيحدد موعد الجلسة المقبلة في وقت لاحق لأن يوم الخميس موعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل. وبما أن الجلسة الرابعة التي لم يخرق عقمها سوى مشهد تصدع في صفوف نواب التغيير، والتراجع في “سكور” النائب ميشال معوض، وانطلاقاً من أن هناك استحالة في قدرة أي فريق على ايصال شخصية الى القصر الجمهوري، فإن الرئيس بري يتجه بعد نهاية ولاية العهد الحالي أي بعد انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، الى مفاتحة الكتل النيابية ورؤسائها والزعماء السياسيين، في اجراء حوار يكون عنوانه الوحيد: التوصل الى توافق لانتخاب رئيس الجمهورية، اذ أكد مصدر نيابي لـ “لبنان الكبير” أن آلية تنفيذ مبادرة كهذه تبقى ملكاً للرئيس بري الذي نجح في مبادرات سابقة في لملمة اللبنانيين، مع التأكيد أنه سيبادر في كل الاتجاهات وبأسرع وقت ممكن انطلاقاً من واجبه الوطني، ويبقى على القوى السياسية أن تحدد مواقفها من دعوة كهذه اما سلباً أو ايجاباً.

وفي حين أشار عدد من نواب المعارضة من مختلف الكتل الى أنهم ينتظرون مضمون مبادرة الرئيس بري وأنه لا يمكن تحديد المواقف منها قبل الاطلاع عليها، أكدوا في الوقت نفسه أن الحوار لا يحصل عادة حول الانتخابات إن كانت نيابية أو رئاسية خصوصاً أن نظامنا برلماني ديموقراطي، انما حول قضايا كبرى تتعلق بمصير البلد. ثم كلما تم التوافق على إسم الرئيس مسبقاً، كلما اقتربنا الى منطق التسويات والاتفاقات بحيث يدخل النواب إلى المجلس لانتخاب رئيس تم التوافق عليه، وبالتالي نكون ومن جديد سائرين على خطى سريعة باتجاه فقدان حس الديموقراطية التي على أساسها أنشئ لبنان. احتراماً لموقع رئاسة الجمهورية كان يجب أن نقوم بالمبادرة، وننتخب رئيس الجمهورية من انتاج لبناني مئة في المئة قبل انتهاء المهلة الدستورية وليس العكس.

أما أحد نواب الموالاة، فاعتبر أنه اذا لم تتفاهم الكتل النيابية على اسم الرئيس المقبل، فإن سيناريو الجلسات الانتخابية الأربع سيتكرر، واذا حصل التفاهم يتم الانتخاب فوراً. يجب أن نذهب الى التفاهم الذي لم يحصل حتى الآن لأن هناك من اعتقد أنه قادر على فرض رئيس تحدٍ. نحن نريد رئيساً يكون على تواصل مع كل اللبنانيين، ولديه علاقات جيدة مع العالم العربي ومع الدول الشقيقة والصديقة، ويتمتع برؤية اصلاحية تساهم في إنقاذ البلد من الوضع الحالي. اذا لم نجلس مع بعضنا البعض ونتوافق، لا امكان لانتخاب رئيس جديد، وبالتالي، سنكون أمام فراغ رئاسي. الرئيس بري سيتحرك وبالسرعة الممكنة تحت عنوان واحد: انتخاب رئيس جمهورية.

وفي هذا السياق، شدد المكتب السياسي لحركة “أمل” في بيان على “أهمية تلاقي إرادات الكتل النيابية على حوار جدي وتواصل مفتوح ومباشر بعيداً عن المواقف المسبقة من أجل الوصول إلى تفاهم وإتفاق على إسم الرئيس المقبل”.

وعلى المقلب الحكومي حيث تحول التشكيل الى حرب اعلامية نفسية بين فريقيه، بحيث أن المعطيات المسربة تتناقض بصورة كبيرة الا أن أحد المطلعين على المسار الحكومي أوضح لموقع “لبنان الكبير” أن الأمور لا تزال عالقة ومعقدة، ولا يمكن القول ان الوساطة قد توفقت انما سجلت تراجعاً في الزخم التشاوري. عملية نعي الحكومة ليست منطقية لأنه لا يزال هناك باب ضئيل أو بصيص أمل في الأفق المظلم. بعد جلسة الأمس الانتخابية، يبدو أننا ذاهبون الى الشغور الرئاسي، وبالتالي، لا ندري إن كانت القوى السياسية ستتحرك بفاعلية أكبر لتشكيل الحكومة منعاً للتفسيرات والاجتهادات الدستورية أو أن الأمور ستترك وتستمر حكومة تصريف الأعمال بعد 31 الشهر الحالي حيث لا مجال سوى الاحتكام الى الدستور في هذا الاطار. في المحصلة، لم تقفل أبواب التشكيل بصورة كاملة لكن أيضاً لا تزال الطريق غير سالكة. كان تهناك محاولات جدية، لكنها لم تصل الى نتيجة حتى اللحظة، واستمرارية المحاولات من عدمها تعتمد على المشهد السياسي كاملاً بانتظار حدوث أي خرق بمعنى اجتماع القوى السياسية خصوصاً المعنية منها، والعمل على تذليل العقبات التي لا تزال قائمة. وهنا لا بد من الاشارة الى تظهير معطيات عبر الاعلام قد تكون غير صحيحة، ولها رسائل هادفة انما الأهم يبقى الاحتكام الى الدستور في حال الشغور حيث الاستمرارية قائمة وفقاً لبنوده .

أما على صعيد الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، فإن موعد الاحتفال في الناقورة سيكون بعد غد الخميس حسب ما أعلن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الذي سيسلم بعد وصوله الى لبنان رئيس الجمهورية نص الاتفاق الرسمي لترسيم الحدود، وسيقرر الأخير من سيوفد الى الناقورة. فيما أشارت المعلومات الى أن تمثيل لبنان في الاحتفال سيكون عبر أحد الضباط أو المديرة العامة للنفط في وزارة الطاقة أورور فغالي وسط التأكيد أنّ كلاً من الجانبين سيوقعان في الاجتماع بصورة منفردة في غرفتين منفصلتين على نصّ المذكرة الأميركية. كما أعلن رئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد أن توقيع اتفاق الترسيم سيتم يوم الخميس.

وفي وقت كان يستعد الوفد اللبناني للذهاب الى سوريا قبل الغاء الزيارة، رجحت المعطيات أن يشهد الأسبوع الجاري لقاء بين وفدين تقنيين، لبناني وقبرصي، لبحث ملف الحدود البحرية مع قبرص.

ولفت أحد الخبراء في تصريح لـ “لبنان الكبير” الى أن اعادة الترسيم اليوم مع قبرص هو تصحيح خطأ، لأن الخط الفاصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية والقبرصية كان من المفترض أن يكون الخط 23. لبنان تراجع في مرحلة التفاوض سنة 2007 الى الخط 1 لكن اليوم عدنا الى الخط 23. بداية الخط مع قبرص تكون احداثيات النقطة 23 جنوباً وينتهي بإحداثيات النقطة 7 شمالاً. وقبرص لا تخسر أي شيء من اعادة الترسيم خصوصاً أنها ليست بلداً مجاوراً بل مقابل بحر، ولبنان يكون أعاد تثبيت الخارطة الفعلية للمنطقة الاقتصادية الخالصة. أما بالنسبة الى عملية الترسيم البحري مع سوريا، في حال جرت، فلن تكون صعبة ومعقدة. عملياً تثبيت النقطة 7 مع قبرص يفيدنا في تثبيت الحدود البحرية مع سوريا. نتيجة التفاوض مع قبرص والأخطاء التي ارتكبها المفاوض اللبناني، أوصلتنا الى المناكفة الحدودية البحرية الجنوبية والشمالية والغربية. ما يجري اليوم تصحيح أخطاء ارتكبها المفاوض اللبناني وليس ترسيماً. واذا سارت الأمور مع سوريا كما يجب، يمكننا استرجاع 760 كلم مربع. تثبيت الحدود مع قبرص ينعكس ايجاباً على تصحيح الحدود مع سوريا، وبالتالي سيكون التفاوض مع سوريا سهل. وفي ما يتعلق بالترسيم وتوقيع الاتفاق بين اسرائيل ولبنان يمكن اعتباره أفضل الممكن، وعصفور باليد ولا عشرة على الشجرة. استطاع لبنان استعادة ما كانت تحاول اسرائيل قرصنته، اذ عدنا الى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بحدودها الجنوبية التي هي الخط 23. يجب أن يكون واضحاً للجميع أن كل ما هو شمال الخط 23 هو للبنان وكل ما هو جنوب الخط 23 هو لاسرائيل.

شارك المقال