مباراة دستورية بلا أهداف في “المونديال الرئاسي”

لبنان الكبير

يبدو أن نواب الأمة يهتمون بأمور كثيرة، متناسين أن المطلوب واحد: انتخاب رئيس للجمهورية. عقدت الجلسة السادسة لانتخاب الرئيس، واختتمت كسابقاتها بنتيجة تعادل سلبي بين أبرز لاعبين في المجلس حيث صوّت الفريق الأول لصالح النائب ميشال معوض فيما صوّت الثاني بورقة بيضاء. لكنّ كلمة حق تقال، فإن جلسة الأمس اتخذت طابعاً مونديالياً فريداً بحيث تسابق متبارون في التفسيرات الدستورية وكأن البلد يشهد انتخاب أول رئيس للجمهورية أما آخرون، فكانوا غائبين حاضرين، صوّتوا وخرجوا سريعاً من القاعة في حين عمد البعض الى تبادل المزاح على قاعدة: قل لي من تشجع في المونديال، أصوّت لك في الصندوق. وهكذا انتهت المسرحية الأسبوعية بلا خاسر أو رابح لأن المتبارزين متساوون، بانتظار حكَم عظيم، والشعب على فراش الموت الرحيم.

المباراة الصباحية مرّت بأقل أضرار ممكنة أما تلك المسائية، فجاءت حماسية ونارية بين لاعبي حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، اذ بعد كلام النائب جبران باسيل من باريس، حول إعتباره أنّ “انتخاب فرنجية سيعيدنا إلى الـ90 وننتقل من ثلاثية “بري – حريري – الهراوي” إلى ثلاثية “بري – ميقاتي – فرنجية”، ردّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي في بيان، قائلاً: “في جميع الحالات ما كان الأمر عليه في العام 1990 نعتقد أنه أفضل مما قدم لنا في السنوات الست الماضية، والذي يتلخص بـ: عون – باسيل – جريصاتي”.

وكان باسيل قد أصدر تعميماً الى “التياريين” لفت فيه الى أن “التيار في مرحلة مدّ جسور وتواصل مع كل القوى الراغبة، ولذا مطلوب عدم مهاجمة أحد في اللقاءات الداخلية وعلى الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وان رئيس التيار لم يتهجّم على أحد بل أوضح في اجتماع داخلي للتيار في باريس أسباب عدم تأييد فرنجية بأن التيار لا يرغب في العودة داخلياً الى زمن ١٩٩٠ – ٢٠٠٥”.

وبالعودة الى الجلسة الانتخابية التي تميزت عن سابقاتها، بجدل دستوري حول نصابي الحضور والانتخاب، حسمه رئيس المجلس بالتمسك بنصاب الثلثين في كل الدورات، لم تتبدّل النتائج وتوزعت بين الأوراق البيض والنائب ميشال معوض وبعض الشعارات. وحضرها 112 نائباً في الدورة الأولى، وجاءت نتيجة فرز الأصوات على الشكل الآتي: 46 ورقة بيضاء، 43 ميشال معوض، 9 “لبنان الجديد”، 7 عصام خليفة، 3 زياد بارود، 1 سليمان فرنجية، 1 ميشال ضاهر و2 ملغاة، واحدة باسم “دستور جديد للبنان جديد”، والثانية “فالج لا تعالج”. وبعد الدورة الأولى، انسحب نواب “لبنان القوي” و8 آذار، فطار النصاب. وحدد الرئيس بري موعداً جديداً لجلسة سابعة يوم الخميس المقبل في 24 تشرين الثاني الجاري.

وشهدت الجلسة سجالات حادة بين عدد من النواب، وخصوصاً بين نواب من كتلة “الكتائب” وكتلة “التنمية والتحرير”، اذ سأل النائب سامي الجميل في البداية، رئيس المجلس: “إلى أي مادة تستند عندما تقر بأننا نريد الحفاظ على نصاب الثلثين في الدورتين؟. المادة 49 لا تتحدث عن نصاب، بل عن انتخاب رئيس بالثلثين في الدورة الأولى، وانتخاب بالنصف زائد واحد في الدورة الثانية”. فرد بري: “الدستور اللبناني ينص على أكثريتين، أكثرية نصاب الجلسات شيء، والدورات شيء آخر، فالجلسات دائماً يجب أن تكون بنصاب الثلثين، هذا الأمر كان دائماً موضع نقاش منذ العام 1927 وحتى الآن”. ثم حصلت مشادة كلامية بين النائب علي حسن خليل ونواب “الكتائب”، بعد مداخلة الجميل، وتدخل النائبان الياس حنكش ونديم الجميل. ثم تدخل النائب قبلان قبلان، وقال: “في العام 1982، أتوا بالنواب إلى المجلس بالملالات ليعملوا نصاب لبشير الجميل”. فرد عليه النائب نديم الجميل: “خلصنا من طق الحنك ومن الملالات تبعكن”. فأجابه قبلان: “نحن من زمان خلصنا، بس إنتو ما عم تخلصوا”.

وإذا كان التصعيد في المواقف يزيد فطين الانتخابات الرئاسية بلة، فإن عدداً كبيراً من المراقبين يعتبر أن مصير الاستحقاق الرئاسي ضبابي حتى أن الحلحلة الداخلية تبدو شبه مستحيلة مما يدفع الأطراف الى انتظار تسوية خارجية ما ربما تتوضح معالمها مع بدء السنة الجديدة. لذلك، نرى أن قوى الموالاة تتريث في اعلان اسم مرشحها، كما أن قوى المعارضة ستتخلى عن مرشحها ما يعني أن القاسم المشترك بينهما كلمة السر أو التسوية الخارجية، لكن كل منهما يمرر الوقت الضائع على طريقته.

وهنا لا بد من التساؤل: هل التسوية الخارجية هي التي ستكسر روتين الجلسات الانتخابية؟ وهل يصدق من يقولون ان المعارضة تتمسك بمعوض، وتحاول رفع رصيده لتحسين شروطها التفاوضية في التسوية؟ وهل قوى الموالاة تتريث في اعلان مرشحها لتتضح أمامها بنود التسوية وتركيبتها؟

في هذا الاطار، لفت أحد نواب الموالاة الى “أننا كنا نتمنى لو حصل الاتفاق بين القوى السياسية التي دعاها الرئيس بري الى الحوار، ورفضته. هدفنا لبننة الاستحقاق، وجعله لبنانياً بالكامل من دون أي تدخل خارجي، وهذا ليس صعباً. وفي حال اجتمع اللبنانيون، وتنازلوا لبعضهم البعض فهذا أفضل بكثير من التنازل للخارج. الأفق ليس واضحاً لجهة انتخاب رئيس الجمهورية. واذا لم يتم التوافق في الداخل، فإن الخارج سيتدخل، وللأسف هناك من يسمع له. قلنا وسنقول ان النائب السابق سليمان فرنجية لديه كل المواصفات التي تؤهله لأن يكون رئيساً للجمهورية، لكن نحن لم نبتّ هذا الأمر حتى هذه اللحظة، ولا نطرح الأسماء لأننا نعرف أنه في الوقت الراهن لا يمكننا ايصال مرشحنا الى سدة الرئاسة. في المرحلة اللاحقة، سيرى الجميع أن الأسماء المتداولة اليوم ستكون قد أحرقت خلال هذه الجلسات. لا يجوز أن نقف عاجزين أمام الاستحقاق الرئاسي، وكأننا نقول اننا لم نبلغ سن الرشد السياسي والوطني”.

أما أحد نواب المعارضة، فأشار الى أن “الروتين الذي نراه في الجلسات سببه بعض النواب الذين يطيّرون الدورة الثانية. حين وضع الدستور، لم يذكر النصاب لأن المشرّع لم يعتبر حينها أن هناك نواباً لا يتحملون مسؤولية تجاه وطنهم. كلمة السر لا تأتي من الخارج انما موجودة في الداخل بحيث أن هناك بعض النواب الذين ينتمون الى الموالاة، يتحكمون بمصير البلد، وهذا غير منطقي وغير دستوري وغير قانوني. تمرير التسويات ليس سهلاً لأن هناك عدداً كبيراً من النواب لا يتلقى التعليمات من الخارج، ولن يقبل بها. مع التأكيد هنا أنه اذا أتى الخارج كحَكم لأننا لا نملك النضج السياسي الكامل في المجلس، فليكن لتقريب وجهات النظر اما اذا أتى ليفرض تسوية، فلن ينجح في ذلك”.

على صعيد آخر، قال باسيل الذي يواصل جولته الفرنسية بعد القطرية، في حديث صحافي انه يقوم بمسعى مكشوف لرفع العقوبات الأميركية عنه، وان عدم ترشّحه تنازل عن حق أساسي، وانه لا يدعم ترشيح فرنجية “لأننا لا نتفق معه في البرنامج السياسي الاصلاحي ببناء الدولة”،. وأكد مصدر مطلع أنه لا يمكن بزيارة شخص الى دولة كبرى، مهما كان حجمه، أن يحصل على تسوية أو اتفاق في الاستحقاق الرئاسي الذي يحتاج الى توافق جميع اللبنانيين، وأن يتم الحوار مع كل الأطراف وليس مع شخص واحد. لا يمكن لشخص أن يتحدث باسم الجميع كما أن ليس هناك من معطيات تشير الى أن لديه مبادرة رئاسية. وفي حال كان يحمل في جعبته أي مبادرة، فإن الفرنسيين لا يتفقون مع طرف دون سواه لأنه بذلك لا يصلون الى نتيجة. هم يتواصلون مع الجميع اذا أرادوا انجاح تسوية ما. أما اذا كانت الزيارة تهدف الى رفع العقوبات، فإن المنطق البسيط يقول ان رفعها لا يمكن أن يتم بين يوم وآخر انما هو مسار قضائي طويل ربما يتطلب سنوات. وبالتالي، من المستبعد ازالة العقوبات عنه خلال زيارة الى فرنسا أو قطر أو أميركا.

فيما اعتبر مصدر نيابي معارض أن باسيل من خلال زياراته الخارجية، يحاول تفعيل وساطة لرفع العقوبات عنه خصوصاً أنه لا يزال مقتنعاً بأن لديه حظوظاً وافرة في الرئاسة الأولى، وأول خطوة الى القصر الجمهوري تكون بإزالة هذه العقوبات.

على مقلب آخر، ردّ المجلس الدستوري الطعون الانتخابية في مراجعة واصف الحركة ضد فادي علامة وسيمون صفير ضد نعمة افرام وفريد هيكل الخازن.

شارك المقال