“حادثة” يونيفيل خطيرة… على قارعة الشغور

لبنان الكبير

يهلل المسؤولون لموسم أعياد مزدهر سياحياً، وعدد الوافدين الذين سيفوق الـ٦٠٠ ألف سائح من البلدان كافة، متناسين أن البلد مهترئ من الداخل، وتتآكله سوسة أنانياتهم وكيدياتهم وسوء ادارتهم، وهو على شفير الانهيار والاندثار أكثر من أي وقت مضى. وما حصل بالأمس بدءاً من ساحة النجمة ومسرحية يوم الخميس في انتخاب الرئيس، مروراً بحادثة “اليونيفيل” في الجنوب التي تعتبر الأخطر منذ سنوات، وتخللها اطلاق رصاص أسفر عن سقوط قتيلين من جنود الكتيبة الايرلندية بغض النظر عن الروايات المتناقضة، وصولاً الى ملفات الفساد المتغلغلة في كل زاوية من دوائر الدولة ومؤسساتها، والنشاطات الاحتياليّة والجرائم المتنقلة، والأخطر من كل ذلك، شعب يتأرجح على حافة المجاعة، ينتظر الفرج تحت وطأة سعر صرف الدولار الذي سجل رقماً قياسياً جديداً.

إذاً، لم يكن ينقص المشهد اللبناني أمس سوى الاعتداء على “اليونيفيل” ليكتمل “النقل بالزعرور”، ولتكتمل مشهدية شريعة الغاب السائدة في بعض المناطق، والخارجة عن الدولة وقوانينها ومفاهيمها، بحيث أعلن عن مقتل جنديّ إيرلنديّ وإصابة 3 توفي أحدهم لاحقاً، بإطلاق نار على قافلة لقوّات “اليونيفيل” في العاقبية منتصف ليل الأربعاء – الخميس، في حادثة ليست الأولى من نوعها بين القوات الدولية و”الأهالي” انما الأخطر على الاطلاق والتي يمكن أن تكون تداعياتها وخيمة.

وتعددت الروايات حول الحادثة، ومنها أنه أثناء مرور آلية تابعة لقوات “اليونيفيل” في منطقة العاقبية اعترضها أهالي المنطقة لاعتمادها مساراً غير مسارها العادي ما أدى إلى وقوع حادث سير تسبب بانقلاب الآلية، وتطور الأمر إلى إشكال وإطلاق نار من “اليونيفيل”. وأثناء محاولة الانسحاب من موقع الإشكال صدمت الدورية مواطناً من أهالي المنطقة، لكن إصابته طفيفة. فيما أشارت قوات الدفاع الايرلندية الى أن قافلة مؤلفة من مركبتين مدرّعتين، تقلّ ثمانية جنود كانت متجهة نحو بيروت، تعرّضت لنيران أسلحة خفيفة. وكشف مصدر قضائي لوكالة “فرانس برس”، أنّ “سبع طلقات من رشّاش حربي، اخترقت آليّةً تابعةً للكتيبة الايرلنديّة، وأصابت إحداها السّائق في رأسه من الخلف ما تسبب بوفاته على الفور، فيما ارتطمت العربة بعمود حديدي وانقلبت، ما أدّى إلى إصابة العناصر الثّلاثة الآخرين.القضاء العسكري وضع يده على التّحقيق”.

وفيما أعلن الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي عن أن “التفاصيل حول الحادث متفرقة ومتضاربة، وننسّق مع القوات المسلحة اللبنانية، وفتحنا تحقيقاً لتحديد ما حدث بالضبط”، دعا مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في “حزب الله” الحاج وفيق صفا إلى عدم إقحام الحزب في الحادثة التي وقعت في العاقبية بين الأهالي واحدى سيارات “اليونيفيل” من الكتيبة الايرلندية. وطالب في حديث صحافي بترك المجال للأجهزة الأمنية للتحقيق في الحادث، كاشفاً بعض تفاصيل الحادثة كما نقلها الأهالي بأن سيارة واحدة تابعة للقوة الايرلندية دخلت في طريق غير معهود أن تعبره “اليونيفيل”، فيما السيارة الثانية سلكت الأوتوستراد الدولي المعهود المرور به ولم يحصل معها أي إشكال. أما السلطات اللبنانية، فاكتفت بالتعازي وبالتمني بألا تتكرر الحادثة، وأجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري إتصالاً هاتفياً بقائد قوات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان اللواء أرولدو لازارو قدم فيه التعزية. وأبدى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “أسفه العميق للحادث الأليم”، مشدداً على “ضرورة إجراء السلطات المعنية التحقيقات اللازمة لكشف ملابسات الحادث، وتحاشي تكراره مستقبلاً”.

كما سُجلت ادانات دولية للاعتداء، مع الاصرار على كشف الحقيقة، اذ قال الرئيس الايرلندي مايكل دي هيغينز: “نحن، كشعب، فخورون جداً بسجلنا المتواصل في حفظ السلام مع الأمم المتحدة. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أبداً مخاطر هذا العمل”. أما رئيس الوزراء الايرلندي مايكل مارتن، فلفت الى “أننا نعمل في بيئة عدائية صعبة”. وغرّدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا عبر حسابها على “تويتر”، قائلة: “إجراء تحقيق سريع وشامل لتحديد وقائع هذه الحادثة المأسوية أمر بالغ الأهمية”. فيما أكد سفير بريطانيا في لبنان هاميش كاول وجوب محاسبة المسؤولين عن الحادثة، واستنكرت فرنسا الاستهداف، مطالبة بتحقيق فوري من دون عوائق.

والى حين جلاء حقيقة ما حصل خصوصاً أن غالبية هذه الحوادث في مناطق نفوذ “حزب الله”، تبقى بلا محاسبة، لا بد من الاضاءة على بعض المجريات التي تتزامن والحادثة، بحيث لفتت منذ أيام قليلة مواقف وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة ميشال أليو ماري حين قالت: “حزب الله والنظام السوري مسؤولان سوياً عن اغتيال رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري”، بالاضافة الى حملة التهديدات الاسرائيلية التي استهدفت مطار رفيق الحريري الدولي، واتهام شركة طيران ايرانية بتهريب السلاح الى “حزب الله” وصولاً الى الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت في 24 كانون الأول الجاري، للقاء عدد من المسؤولين اللبنانيين بينهم الرئيسان بري وميقاتي، وفق ما أفاد مصدر لبناني واسع الاطلاع، في تصريحات لـ “سبوتنيك”، وأبلغت السفارة الفرنسية الحكومة اللبنانية أن ماكرون قرر زيارة بيروت في 24 كانون الأول، وبعد لقاء المسؤولين اللبنانيين، سيتوجه إلى مقر الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار القوات الدولية في جنوب لبنان لقضاء ليلة عيد الميلاد مع ضباط الوحدة الفرنسية وجنودها.

وفي هذا الاطار، رأى أحد المحللين السياسيين والاستراتيجيين في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن من المعيب الاتهام الدائم للأهالي، والاستخفاف بعقول الناس. من هم هؤلاء الأهالي؟ ومن يملك صلاحية اطلاق النار على القوات الدولية؟ هناك أمر لم يعد مقبولاً لأنه يعرّض لبنان لخطر كبير ويضعه في مواجهة مع المجتمع الدولي. مثل هذه الحوادث تدل على أن القوات الدولية مستهدفة، وأي معركة مقبلة، لن تسلم منها، وستكون عرضة للهجمات. والبيان الاسرائيلي حول تهريب السلاح عبر المطار، ونشر الصور، يذكرنا بالسيناريو الذي سبق انفجار المرفأ. وسياسياً، القضية لها أبعادها التي تعكس شعور الحزب، وكأن هناك تغييراً في التعامل السياسي الاقليمي والدولي معه. هذا التغيير قد لا يكون في مظاهر بارزة ودراماتيكية بصورة واضحة، لكن بشكل سياسة اهمال ونوع من الحصار السياسي وعدم التجاوب مع متطلباته على مستوى معالجة انتخاب الرئيس والتسوية في لبنان. “حزب الله ” في حالة اختناق، وتعامل الفرنسيين معه لم يعد بالمستوى نفسه كما في السابق. اذا افترضنا أن للحزب دوراً في الحادثة، فهو يقوم بخطوة متقدمة لاستدراج الآخرين للحديث والتواصل معه في القضايا الداخلية في ظل الأوضاع المتأزمة في المنطقة، وهي مقلقة له. وهنا لا بد من التساؤل: هل سيتخذ قرار بسحب القوات الدولية نتيجة الاعتداء؟ وهذا يؤدي الى فتح الحدود أمام اسرائيل. وهل يمكن تفعيل الفصل السابع؟ علينا انتظار رد الفعل الدولية

الاستحقاق الرئاسي الى العام المقبل

أما على صعيد الانتخابات الرئاسية، فقد رُحّلت الى العام المقبل بعد أن عقد مجلس النواب جلسة عاشرة لانتخاب رئيس للجمهورية. وبعد فرز أصوات النواب المقترعين، وعددهم 109، جاءت النتائج كالآتي: ميشال معوض: 38 – أوراق بيض: 37، عصام خليفة: 8، صلاح حنين: 2، زياد بارود: 2، أوراق ملغاة: 19 وأسماء أخرى: 3. وبعد الدورة الأولى وتطيير نواب 8 آذار النصاب، رفع بري الجلسة من دون تحديد موعد للجلسة المقبلة. وأفيد أن نواب من تكتل “لبنان القوي” هم من صوّتوا بعبارة “الميثاق”.

ووسط هذه الأجواء الملبدة، تتحدث معلومات عن أن قطر ستبادر رئاسياً بعد الأعياد بالتنسيق مع فرنسا، وأوضح مصدر مطلع لموقع “لبنان الكبير” أن قطر جزء من منظومة دولية لا تعمل وحدها، وليس لديها امكانية اتخاذ القرارات الحاسمة بما يعني أنها يمكن أن تساعد أو تتحرك سياسياً لكن بناء على تفاهم اقليمي ودولي، لذلك، نراها أحياناً فاعلة وأحياناً أخرى تنكفئ. السيناريو المتبع اليوم في انتخاب رئيس الجمهورية لم يعد يليق بكرامة البلد وأهله، وخيار قائد الجيش العماد جوزيف عون أصبح واقعاً بحيث أن “حزب الله” يحاول التفاهم معه على طبيعة العلاقات التي ستربطهما، وموقفه من السلاح، كما أنه مقبول عربياً ودولياً وقادر على استحضار الدعم. وبات واضحاً أن الحزب لا يريد انتخاب رئيس بحسابات داخلية انما بضمانات دولية واقليمية، والى الآن اسم الرئيس لا يعني الخارج كثيراً، ولا أي دولة تطرح مرشحاً، وهذا ما يؤخر الانتخابات لأن الحزب يريد شخصاً مدعوماً من الخارج للتفاوض معه حول اسم الرئيس والتسوية عموماً. بعد الأعياد سندخل في مرحلة مرهونة بالتوافقات الخارجية التي لا تبدو ناضجة الى اليوم لكن لا أحد يعلم ما يمكن أن يستجد بين ليلة وضحاها. واذا لم يحصل تطور نوعي على المستوى الاقليمي والدولي باتجاه انتخاب الرئيس اضافة الى حادثة “اليونيفيل” التي قد تعطي انطباعاً سيئاً، فإن لا بوادر حالية تشير الى أن هناك رئيساً جديداً للجمهورية قريباً.

جلسة وزارية تشاورية اليوم

وفي ظل الشغور الرئاسي، اصرارٌ من ميقاتي على تسيير أمور المواطنين “وزارياً” بحيث سيعقد اليوم جلسة تشاورية في السراي الحكومي للاتفاق على كيفية ادارة البلاد في غياب رئيس للجمهورية ولتفادي الضجة التي أثيرت بعد جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي. وقال رئيس الحكومة خلال حفل إطلاق “الإطار الوطني اللبناني لمنهاج التعليم العام ما قبل الجامعي: “أمام هذا الواقع نجد أنفسنا في الحكومة ملزمين دستورياً ووطنياً وأخلاقياً بالمضي في عملنا لادارة شؤون الدولة ومعالجة الملفات الملحة والبت بها”.

شارك المقال