اللبنانيون نسوا هدايا العيد… وبايدن دفن الاتفاق النووي مع ايران

لبنان الكبير

على ايقاع الدولار التصاعدي الجنوني، تتصاعد الأزمات حتى أنها بلغت مرحلة الجنون كما يقول أحد السياسيين الذين أمضوا أكثر من ستين عاماً في الشأن العام. كيف لا، والبلد يستفيق على جرح وينام على نزيف تقشعر له الأبدان، ونفاد حليب الأطفال والرضع من الصيدليات خلال أيام قليلة يمكن أن يسقط أنظمة وحكاماً في البلدان المحترمة. ومشهد تكرار زحمة السير عند كل شتوة، وفيضان النفايات على الطرقات و”بهدلة” الناس، كفيلة بأن يعتذر المسؤولون عن اهمالهم وعجزهم، ويتنحوا عن كراسيهم ومراكزهم التي لم تعد لائقة بهم وبأمثالهم.

وعشية عيد الميلاد حيث تجتمع العائلات حول مائدات المحبة، ستتفرق بغصة لأن قدرتها الشرائية انعدمت، واستغنت عن الهدايا، والأخطر من كل ذلك أنها باتت غير مهتمة ولا مكترثة بالعيد وبأجوائه لأن أعصابها تلفت، ولأن المسؤولين عن البلد صمموا على أن يدفنوا اللبنانيين أحياء، وبدل أن يقدموا لهم بطاقات تهنئة كتب عليها: وعد مع عيد الميلاد ستكون ولادة جديدة للبلد وأهله، يواصلون مسيرتهم التخريبية لما تبقى حتى باتت الحالة وفق التالي: استعصاء وشغور وتعطيل وسط تحذيرات دولية ومحلية من أن الخطورة كبيرة من استمرار الوضع على ما هو عليه، لكن كل ذلك لا ينفع مع سلطة تلقي المسؤولية على هذه الدولة أو تلك، وهي تنتظر نتائج قمة “بغداد 2” في الأردن علّها تنعكس ايجاباً على الوضع الداخلي.

وبحسب ما قال أحد المسؤولين عن مركز للأبحاث والاستشارات لموقع “لبنان الكبير”: “لو كان السياسيون يقرأون المشهد السياسي والأمني الاقليمي والدولي، بصورة صحيحة وواقعية، لكانوا تراجعوا عن آمالهم وتحليلاتهم الخاطئة. القمة ليست لها انعكاسات على الوضع الداخلي اللبناني، لا من قريب ولا من بعيد. الأزمة اللبنانية أعمق وأكثر تعقيداً من أن تحل في لقاءات جانبية على هامش قمة، لبنان ليس على جدول أعمالها، لأن المشكلة الأساسية اليوم تتعلق بمصيره ومستقبله. ولا بد من الاشارة الى نقطة مهمة جداً أن ما من دولة ستتدخل للانقاذ طالما حزب الله يسيطر على الكيان، وهذا ما فهمه الرئيس نجيب ميقاتي خلال زيارته الأخيرة الى السعودية. وبالتالي، فإن الحزب متمسك أكثر من أي وقت بامتيازاته ومكتسباته لأنه يتخوف من أن تكون تسوية ايصال قائد الجيش العماد جوزيف عون الى سدة الرئاسة، تمهيداً لضربة عسكرية له كما حصل سنة 1982 لمنظمة التحرير الفلسطينية. لذلك، يسعى الى التفاوض والتحاور وتهدئة لعبة الاستحقاق الدستوري، ويحاول تقطيع المرحلة بأقل أضرار ممكنة خصوصاً أن محوره مربك إن كان في ايران أو سوريا أو العراق أو اليمن. كما أنه داخلياً، ليس هناك من التفاف شامل حوله. والاحتضان الكبير للجيش من الكثير من الدول، لافت للنظر، ويطرح أكثر من علامة استفهام. وبعد هبة طائرات الهليكوبتر الأميركية، تسلّمت قيادة الجيش (أمس) الدفعة الرابعة من الهبة المالية القطرية التي ‏قدّمها صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر. اذاً، المعطيات الراهنة تشير الى أن ليس هناك من رئيس جديد في المرحلة القريبة، مع التأكيد أننا ذاهبون الى حل كامل وليس حلاً جزئياً، لكن في مرحلة متوسطة المدى. نحن نمر بمخاض صعب وعسير وحرج، والخوف بعد انتهاء المونديال الذي فرض استقراراً في المنطقة، وبعد انتهاء القمة في عمان، من عودة الوضع الاقليمي المتشنج، والمناورات الاسرائيلية يومية في المنطقة، وعندما يكون هناك أي قرار بتنفيذ أمر ما، فإن أي خطأ لا أحد يعلم الى أين تؤدي عواقبه”.

وعلى وقع مواقف فرنسية – سعودية تستعجل الانتخابات الرئاسية، ‏تتخوف جهات من استغلال الشغور ووجع الناس الاجتماعي والمعيشي، واللجوء الى فوضى أمنية مفتعلة، الا أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان طمأن من السراي الحكومي الى أن “الوضع الأمني جيد، والأجهزة الأمنية تتخذ سلسلة اجراءات في اطار الأمن الوقائي ومتابعة الحوادث الأمنية التي تحصل. كما أن الاجراءات الأمنية ستتكثف خلال فترة الأعياد في كل المناطق وسيصار الى التشدد في مخالفات اطلاق النار”.

على أي حال، وبعيدا من الهموم الداخلية، فقد ظهر مقطع فيديو جديد للرئيس الأميركي جو بايدن على وسائل التواصل الاجتماعي، يتحدث فيه على هامش تجمع انتخابي في 4 تشرين الأول الماضي، وأشار الى أن الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران “قد مات”، وأن الولايات المتحدة “لن تعلن رسمياً عن وفاة الصفقة”. في وقت قال وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان: “حضرت مؤتمر بغداد 2 في الأردن لنؤکد دعمنا للعراق، وعلى هامش الاجتماع أتيحت لي الفرصة أيضاً للتحدث الودي مع بعض نظرائي، ومنهم وزراء خارجية عمان، قطر، العراق، الكويت، والسعودية”. ولفت في تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى أنّ “وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أكد لي استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع طهران”.

وفي قراءة لهذه المواقف، رأى أحد الخبراء في العلاقات الدولية أن ايران كانت تفاوض من موقع قوة لأنه كانت لديها أدوات قوة تحارب بها مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، وكان لديها استقرار داخلي وتعمل على تطوير برنامجها النووي. اليوم تغير الوضع حيث لا استقرار، وأي دولة لديها قلق داخلي تكون سياستها الخارجية خاضعة للوضع الداخلي. ايران حالياً في موقع ضعف، ولا يمكنها القيام بأي صراع سياسي أو أمني. والسؤال هنا: من أي موقع قوة يمكنها التفاوض؟ وما هي الشروط التي يمكن أن تفرضها؟ لذلك، يقول الرئيس الأميركي ان الاتفاق قد مات. في حين ازدادت عوامل القوة لدى الأميركيين بسبب تغير الموقف الأوروبي على خلفية الأحداث والمظاهرات في ايران، حتى أن الصين خلال القمة الخليجية – الصينية، اتخذت موقفاً ايجابياً من المطالب العربية.

واعتبر أن تصريحات وزير الخارجية الايراني مختلفة بحيث يتحدث عن التفاوض، وعن اعادة فتح السفارة في الرياض وحسن العلاقات مع السعودية، وأن ينظم اجتماع لوزراء خارجية دول الخليج بما فيها ايران لتأمين أمن المنطقة وأمن الممرات المائية. هذه اللهجة تعبّر عن الضعف. وأول اشارة ايجابية بالنسبة الى لبنان يمكن أن نلمسها من خلال عدم قدرة “حزب الله” وعجزه عن فرض رئيس للجمهورية كما كان يفعل في السابق. وهو بدوره، يرفع راية الحوار بما معناه ضمان استمرار المقاومة والمحافظة على سلاحه، ثم التحاور في القضايا الداخلية بانتظار تطورات جديدة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن من يراهن على خلاف سعودي – أميركي واهم. السعودية لا تخرج من الأميركيين كما أن الاميركيين ليست لهم مصلحة في معاداة السعودية لأن موضوع النفط أساس، كما أن سياسة السعودية الخارجية لا تتناقض مع سياسة أميركا لا بل على العكس هناك تفاهم كبير بين الدولتين.

شارك المقال