الستاتيكو يعصى على الميلاد… والراعي يطلب من بري رئيساً

لبنان الكبير

إنه الزمن الميلادي حيث ولد الطفل يسوع في مغارة متواضعة في بيت لحم على مقربة من لبنان، البلد الصغير الذي تكثر فيه مغاور اللصوص والعصابات الذين باعوا ضمائرهم، ولم يعد ينفع معهم سوى التضرع والصلاة لذلك المولود ليحل عليهم بركته علهم يعودون الى صوابهم، ويضيء نوره طريقهم كالنجمة التي اصطحبت المجوس وأرشدتهم الى مكان المذود ليس من أجلهم بل شفاعة بالشعب الذي أصبح يعاني على أيديهم وبفضلهم كل أنواع العذابات، ويعيش في ظلمة فسادهم وارتهاناتهم وارتكاباتهم.

مسؤولون طنشوا عن مناشدة القادة السياسيين والروحيين في العالم لانقاذ بلادهم، ما دفع الكثيرين الى غسل أيديهم منهم أو حتى الاعتراف بوجوب تغيير القيادة السياسية في لبنان بحسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وبما أن الوضع شبه ميؤوس منه، فإن البابا فرنسيس لم يوفر مناسبة الا ويصلي فيها من أجل لبنان، وقال خلال ترؤسه قداس عيد الميلاد في الفاتيكان: “ساعد يا ربّ لبنان ليتمكّن من التّعافي بدعم الجماعة الدوليّة وبقوّة الأخوة والتضامن”.

في عطلة الميلاد، وفي الأسبوع الأخير من سنة 2022، بدت الحركة السياسية شبه مشلولة على ايقاع اشتداد التأزم والانهيار، اذ سجل الدولار رقماً قياسياً جديداً مساء أمس وسط ترقب الجميع مرحلة ما بعد الأعياد لبلورة مبادرات خارجية وأخرى محلية يتم الحديث عنها كثيراً في الاعلام، الا أن هذه الرهانات غير مستندة الى وقائع جدية، والكلام عن انتخاب رئيس للجمهورية بين شهري كانون الثاني وشباط، يصب في اطار التكهنات والتحليلات والتوقعات والتمنيات ليس أكثر خصوصاً اذا استمر كل طرف على تشبثه بموقفه ورؤيته وفق أحد المراقبين.

ووسط الأجواء القاتمة، لم يبق أمام اللبنانيين سوى التشبث بالأمل والأمنيات بغد أفضل لأن من بيدهم الحل والربط لا يريدون رئيساً ولا بلداً أو دولة أو مؤسسات، وفي وقت بأفيد ان ثمة مسعى قد يقوم به البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لتسهيل الانتخابات في المرحلة المقبلة خصوصاً أن من الصعب استئناف جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بعد رأس السنة بالنمط نفسه، كشف الراعي أمام زواره المهنئين بالميلاد أمس، عن اتصال بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، حمل تبايناً في الأولويات بين الرجلين بحيث أن بكركي تصر على الانتخاب وعين التينة على الحوار. وقال الراعي وفق الزوار: “تلقيت اتصال معايدة من الرئيس بري، وقلت له كنت أنتظر منك معايدة ألا وهي انتخاب رئيس للجمهورية. فرد رئيس مجلس النواب: دعوتهم الى الحوار مرتين ولم يلبوا. فأجابه الراعي: ما نريده اليوم رئيساً للجمهورية”.

وفي هذا السياق، لفت أحد النواب السابقين الى “أننا لسنا في زمن المبادرات التي هي بحاجة الى توافق معين وبالحد الأدنى، وهذا التوافق غير متوافر وغير موجود. والبطريرك يحاول القيام بما أمكن، لكن القرار النهائي عند الكتل النيابية الكبرى المتمترسة خلف عنادها. لا يمكن الاتكال على الخارج فقط، كما لا يمكن التعويل على الداخل فقط للخروج من النفق الرئاسي. على الرغم من الحراك الدولي الواضح، اذا استمر الستاتيكو الداخلي على ما هو عليه، فلن تنفع جهود كل دول العالم. يمكننا تهريب انتخاب رئيس للجمهورية اذا صفت النوايا وتوافق الأفرقاء. نحن بحاجة الى بعض الحلحلة الداخلية لتتلاقى مع تسوية خارجية للوصول الى الهدف المنشود أي انتخاب رئيس للجمهورية”.

وفيما أكد مسؤول لجنة التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا أن ما من قطيعة بين الحزب و”التيار الوطني الحر”، وأن الأعياد شكّلت مناسبة للتواصل والتلاقي اذ قدم التهنئة بعيد الميلاد المجيد باسم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله الى الى لرئيس ميشال عون، وكذلك لرئيس التيار النائب جبران باسيل، لفتت في الأيام القليلة الماضية، الزيارات التي قام بها الأخير الى عدد من الشخصيات من مختلف الأطياف، كما تشير المعطيات الى أنه سيسعى الى عقد لقاء مع الرئيس وكتل نيابية وشخصيات أخرى.

ووفق مصدر مطلع في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “اللقاءات التي قام وسيقوم بها باسيل لن تؤدي الى أي نتيجة، وهي لزوم ما لا يلزم، بحيث أن لقاءه مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد وساطات قام بها النائب فريد البستاني وبيار الضاهر لاتمام اللقاء في منزل جوي الضاهر، اقتصر على العموميات، ولم يسفر عن أي نتيجة إيجابية أو توافق أو تسوية. أما اللقاء مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي جاء خلال مناسبة اجتماعية بمبادرة من الصديق المشترك علاء الخواجة على مأدبة غداء في منزله، فكانت نتيجته صفراً، وامتناع الوزراء المحسوبين على باسيل عن توقيع المراسيم الصادرة عن الحكومة لا سيما تلك المتعلقة بالجيش، تؤكد ذلك. والأمر نفسه ينسحب على اللقاء الذي قيل انه جمع باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي اقتصر على الشأن الاجتماعي بحيث أن التوافق شبه مستحيل بينهما في ظل إصرار الأول على رفض ترشيح الثاني، وإصرار الثاني على المضي بترشيحه”.

وفيما شبّه البعض هذه اللقاءات بالجولة التي قام بها باسيل حين طاف بورقة الأولويّات الرئاسية على المرجعيات السياسية من دون أن تلقى تجاوباً من أحد، أو تشبِه تنقّله بين باريس والدوحة حيث الحركة بلا بركة، أشار أحد المحللين السياسيين الى أن الرجل يحاول اظهار نفسه بأنه منفتح على كل المكونات، وليس محاصراً أو مقاطعاً من أي منها خصوصاً اثر الخلاف بينه وبين “حزب الله”، وأنه يريد تحسين علاقاته مع الجميع. وانطلاقاً من هذه المعطيات، سيسعى الى طرح شخصية جديدة للرئاسة يمكن أن تشكل توافقاً حولها، ومن بينها رئيس دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور. باسيل يحاول أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، لكن كل ذلك عبارة عن قنبلة صوتية. هو يوجه رسالة مباشرة الى “حزب الله” مفادها أنه غير محاصر وغير مختنق وغير مقاطع سياسياً، وأنه يلتقي الشخصيات وسيكمل في سياسة الانفتاح على الأطراف الأخرى. كما يريد أن يبعد عنه شبهة التعطيل، والقول انه المسؤول الذي يتقن تدوير الزوايا، ويحاول خرق الجدار الرئاسي. وهذه اللقاءات أيضاً تأتي رداً على مبادرات الرئيس بري الحوارية تحت قبة البرلمان، ولم تحصل، وأنه يمكنه الاستعاضة عنها بلقاءات ثنائية. ثم من يريد القيام بالمبادرات، عليه أن يتعاطى مع الأطراف ويتواصل معها بجدية، وأن يأخذ ويعطي، لكن باسيل يأخذ ولا يعطي. ويريد أن يتنازل له الجميع من دون ان يتنازل هو عن أي شيء. وبالتالي، كل الحراك لزوم ما لا يلزم وبلا معنى. وهنا نسأل: هل لهذا الحراك أي نتائج ايجابية؟ أبداً، لأن كل طرف لا يزال على موقفه، ولا يمكن أن يتغير أي شيء على هذا الصعيد في الوقت الحالي. حتى أنه يمكن القول ان باسيل يعتمد من خلال اللقاءات وطرح بعض الأسماء، الخديعة. هو يظهر نفسه أنه المنقذ الذي يمكنه تدوير الزوايا مع الجميع للوصول الى حل، ويطرح أسماء يمكن أن تشكل نقطة التقاء بين الأطراف. لكن من يقرأ مسيرة الرجل يستدرك سريعاً أن كل همه الوصول الى سدة الرئاسة، ويريد بأي ثمن أن يقطع الطريق على المرشحين رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون. وفي الخلاصة الرئاسية، فنحن لا نزال في النفق الأسود والقاتم، وكل المبادرات الداخلية والخارجية وهم. المسؤولون يعدون الناس بأمور كثيرة، ويكذبون عليهم، ويصدقونهم، ثم يعدونهم بأمور أخرى، ويكذبون عليهم مرة أخرى لا بل مرات لا تحصى ولا تعد، والأنكى أن الناس يصدقونهم. والمثال القريب على ذلك، وعد وزير الطاقة وليد فياض بـ 8 ساعات كهرباء على الأقل يومياً، ولا شيء حتى اليوم، ولا يبدو أن الكهرباء ستتحسن في المدى المنظور. هذه هي الدوامة التي نعيش فيها. مسؤول يكذب ومواطن يصدق ولا يحاسب. كل تواصل ايجابي، لكن لا شيء جدي في الأفق على المستوى الرئاسي.

على صعيد آخر، وفيما شهد مطار رفيق الحريري الدولي زحمة خانقة بسبب الضغط الكثيف، إضافة إلى الأعطال التي تشوب الأجهزة، لا سيما تلك المرتبطة بالحقائب، التي يعاني المطار نقصاً فيها، جال وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض في محافظة بعلبك – الهرمل، لمتابعة سير عمل المرحلة الثانية من التلقيح ضد الكوليرا. وأعلن “أننا استطعنا أن نستوعب وباء الكوليرا ونحد من انتشاره، وأرقام المصابين بالوباء اصبحت قليلة، لكن الظروف التي سمحت للكوليرا بالتواجد بيننا لا تزال قائمة، ومنها تلوث المياه أو اختلاط الصرف الصحي بمياه الشرب، كما أن وباء الكوليرا لا يزال موجوداً في البلاد المجاورة، وهناك حركة انتقال عبر الحدود تستدعي أن نحصّن مجتمعاتنا، لأن الموضوع لم ينته بعد، وعلينا أن نستمر في عملنا، لكي نؤمن التحصين للمجتمع”.

شارك المقال