تشاور سعودي – فرنسي تحضيراً لاجتماع باريس… والراعي يسعى لبيئة حاضنة للرئاسة

لبنان الكبير

على ايقاع زيارات الديبلوماسيين من مختلف الدول، وانتظارات نتائج مؤتمرات واجتماعات خارجية، يعيش اللبنانيون في نار جهنم لأن المنظومة الحاكمة التي تعلم أن مسألة الحل والربط في يدها تكاد لا تحرك ساكناً لانقاذ البلد قبل الغرق الى الأعماق وحينها لا ينفع الندم.

برزت بالأمس زيارة السفير المكلف تنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكين، والمواقف التي أطلقها كما واعلان وزارة الخارجية الفرنسية، عن أنّ “باريس ستستضيف يوم الاثنين المقبل اجتماعاً مخصّصاً للبنان يضمّ ممثّلين عن كلّ من فرنسا والولايات المتّحدة والسعودية وقطر ومصر في محاولة لتشجيع السياسيين اللبنانيين على إيجاد مخرج للأزمة التي يتخبّط فيها بلدهم”.

وأشارت المتحدثة باسم الوزارة آن – كلير ليجاندر، خلال مؤتمر صحافي الى أنّ “وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الموجودة حالياً في السعودية، أعربت عن قلقها البالغ إزاء انسداد الأفق في لبنان من الناحية السياسية. فرنسا بحثت مع السعوديين وبقية شركائها في المنطقة في سبل تشجيع الطبقة السياسية اللبنانية على تحمّل مسؤولياتها وإيجاد مخرج للأزمة. هذا النهج سيكون موضوع اجتماع متابعة الاثنين مع الادارات الفرنسية والأميركية والسعودية والقطرية والمصرية لمواصلة التنسيق مع شركائنا وإيجاد سبل للمضيّ قدماً. الهدف من الاجتماع، تشجيع الطبقة السياسية اللبنانية على الخروج من الطريق المسدود”.

أما زيارة السفير بيار دوكين لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فجاءت في إطار مهمة تتعلق بدعم فرنسا للنهوض بقطاع الطاقة في لبنان، وسيزور الولايات المتحدة خلال أسبوعين للبحث مع المسؤولين الأميركيين في السبل الآيلة الى تحييد ملف الكهرباء عن “قانون قيصر”، لكن في الوقت نفسه كرر على مسامع المسؤولين ضرورة تنفيذ الشرطين اللذين طلبهما البنك الدولي للمساعدة في قطاع الطاقة وهما التدقيق في حسابات “كهرباء لبنان” والبدء بتشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء، لكنه لا يدرك أن الحكام في لبنان يريدون اطفاء النور في عيون الشعب قبل أن ينعموا عليه بساعة كهرباء واحدة، وأنهم يرغبون في سحب روحه بفواتير كهرباء غائبة 24 على 24 ساعة بعد أشهر من الوعود بتغذية 8 أو 10 ساعات في اليوم، وذلك بعد أن أهدروا المليارات على قطاع الكهرباء وسرقوها ويرغمون الناس على دفع ثمن ارتكاباتهم.

والأنكى من كل ذلك، أن المرتكبين لا يخجلون بأفعالهم، ويستمرون في سياساتهم الجهنمية حتى أن النواب اللبنانيين الذين اجتمعوا مع المسؤولين في البنك الدولي في واشنطن، أبلغوهم أن قرض تمويل إستجرار الغاز من مصر والطاقة من الأردن مجمًّد حاليا وليس مدرجاً على جدول أعمال البنك الدولي والسبب لا يرتبط بعقوبات “قانون قيصر” انما بعدم إنجاز الاصلاحات المطلوبة للكهرباء. ومع ذلك، يمكن القول للبنانيين: ناموا على حرير، وتوقفوا عن الأحلام. فلا كهرباء ولا من يحزنون، وكل الوعود ليست سوى مبرر لزيادة التعرفة، لاعادة بعض الأموال المنهوبة الى “مغارة علي بابا”.

من جهة ثانية، وفي وقت أعلن أن موعد الجلسة الثالثة لمجلس الوزراء قريب جداً، وفي سلم أولوياتها الملف التربوي، تسود البلد حالة من الترقب لما ستؤول إليه الاتصالات والحوارات للخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية، وتلفت في هذا الاطار الحركة التي تقوم بها بكركي من جهة والحزب “التقدمي الاشتراكي” من جهة ثانية والذي يتحدث عن تصدّر اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون قائمة المرشحين للرئاسة داخلياً وخارجياً بحيث أن الأنظار تتجه الى موقف “الثنائي الشيعي” من طرح اسم قائد الجيش.

وفي هذا السياق، أكد مصدر مقرب من “الثنائي الشيعي” لموقع “لبنان الكبير” أن اسم قائد الجيش موضع بحث جدي بين حركة “أمل” و”حزب الله”، لكن الى اليوم ليس هناك من موقف نهائي لا بالتخلي عن سليمان فرنجية ولا بتبني قائد الجيش. يفترض في الأيام المقبلة أن تتظهر بعض الأمور خصوصاً أن وضع البلد لم يعد يسمح بالمماطلة، لذلك يتم البحث في هذا الخيار بصورة جدية. اذا لم يتمكن “الثنائي الشيعي” من تأمين الأصوات اللازمة لسليمان فرنجية، فلا شك في أنه سيذهب نحو خيارات وأسماء أخرى، ومنها قائد الجيش. وهنا لا بد من الاشارة الى أن هناك مشكلة مرتبطة بتعديل الدستور لوصول قائد الجيش، بحيث يفترض الاستقالة من موقعه قبل انتخابه بـ6 أشهر، وهذا لم يحصل. المستجد اليوم الذي يشير الى أن هناك تغييراً في المشهد السياسي، هو موقف رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي يطرح أسماء بديلة من النائب ميشال معوض.

اما الحركة على ضفة بكركي، فيبدو أنها ستكمل مهما بلغت من صعوبات لتحقيق خرق ما أو أقله محاولة الضغط المعنوي على المعنيين، ووضعهم أمام مسؤولياتهم الوطنية والدستورية كما وأمام ضمائرهم لانتشال لبنان من الغرق قبل فوات الأوان. وفيما لفت أحد المحللين الى أن بكركي ستنتفض على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه ولن تقف مكتوفة اليدين في محاولة لحلحلة العقد الرئاسية، أكد مصدر كنسي لموقع “لبنان الكبير” أن بكركي تتواصل مع كل الأطراف، وعلى الرغم من أن الصورة لم تتضح بعد الا أن هناك مساعي لدعوة النواب المسيحيين الـ 64 الى الاجتماع في بكركي التي تقوم بما يجب لانقاذ الكيان، ومن لا يلبون الدعوة، فليتحملوا نتائج قرارهم مع التأكيد أن البطريرك الراعي لا يريد أن يجمع النواب للتوافق على اسم معين انما كل ما يريده الطلب منهم تليين المواقف وحلحلة العقد للوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي، يريد أن يمارس نوعاً من الضغط المعنوي عليهم. لم يحدد موعد بعد للاجتماع في بكركي، لكن التواصل قائم مع الكتل والنواب المسيحيين، وهناك فكرة لا تزال قيد الدرس بدعوة النواب من مسيحيين ومسلمين الى الاجتماع.

ورأى أحد النواب أن البطريرك خلق المبررات للاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا أمر جيد، وهو مطلب الشعب اللبناني اذ أن كل الأطراف تدعي أنها تريد اجراء الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن. البطريرك يريد أن يؤمن البيئة الحاضنة لدفع الأمور باتجاه انتخابات رئاسية حتى لو كانت تنافسية، ويساهم في تسريع العملية الانتخابية. فيما اعتبرت مصادر مقربة من “الثنائي الشيعي” أن بكركي حريصة على استعجال انتخاب رئيس للجمهورية، وتقدر أهمية الموضوع، لكن السؤال اليوم: هل تتمكن من التأثير على المشهد السياسي؟ الأهم أن تستجيب الأطراف لهذا الاجتماع لأنه حتى المسيحيين غير متفقين على موقف موحد. بكركي تبذل جهداً معنوياً، وتحاول الضغط على أمل أن يؤدي الاجتماع الى النتيجة المتوخاة منه لأن البلد لم يعد يحتمل، اذ من الواضح أن الأمور تتدهور بسرعة مما يتطلب تفاهماً سريعاً بين كل الأطراف. وعلى الرغم من الحركة الداخلية، لا يمكن الحديث عن تفاؤل في ملف الاستحقاق الرئاسي قبل معرفة نتائج المساعي في الداخل، ونتائج الاجتماع الخماسي المنتظر في باريس.

وعلى صعيد آخر، استقبل الرئيس السابق ميشال عون في دارته في الرابية، وفداً نيابياً من كتلة “الوفاء للمقاومة”، واعتبر مصدر مطلع أن طبيعة العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” غير قابلة لاعادة الترميم. الزيارة، خطوة تقديرية للدور الذي لعبه عون خلال السنوات الست الماضية، وهذا جانب بروتوكولي وتقليد. قد يكون أحد الأهداف استيعاب المتغيرات التي حصلت، لكن السؤال: هل تساهم الزيارة في تقليص الخلاف بين التيار والحزب؟ هذا صعب.

شارك المقال