اليوم لا كلام أبلغ من صمت الحريري

لبنان الكبير

كل الحدث اليوم سيكون عند ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي زاره أمس العديد من الشخصيات، وفي “بيت الوسط” الذي شعشعت أنواره مع عودة الرئيس سعد الحريري بعد غياب عام عن البلد الأحب الى قلبه، وعن جمهور تمسك بوفائه له على الرغم من كل الظروف الصعبة.

المحبون تنفسوا الصعداء مجرد أن علموا أن السعد بينهم، ولا شك في أنهم سيشتكون اليه، وهو كالعادة سيستمع اليهم ليطيّب خاطرهم، وعلى الرغم من أنه لن تكون له مواقف في السياسة، وسيكتفي بزيارة ضريح والده للصلاة على روحه كما على أرواح رفاقه الشهداء، الا أن المناصرين سينتظرون منذ الصباح الباكر للقائه والقاء التحية عليه ولو من بعيد، وسماع كلمات تبلسم جروحهم النازفة بسبب منظومة استبدت وبطشت ونكلت بهم وأذلّتهم، وأوصلتهم الى أسوأ أزمات تمر على البلد منذ ان أعلن لبنان الكبير في العام 1920. وعلى الرغم من أن اقامته لن تطول، ولن يتمكن من استقبال المناصرين من مختلف المناطق، ومصافحتهم فرداً فرداً الا أن وجوده بينهم سينسيهم الألم ولو لفترة، ويعطيهم الكثير من الأمل بأن لبنان حلم الرئيس الشهيد سيتحقق مع السعد ولو بعد حين، وسيكون خشبة الخلاص للبلد ولمؤسساته، وضمانة لوحدة أبنائه، لأنه من بين القلائل والقلائل جداً الذين يحبون بلدهم بصدق واخلاص، ويعملون لأجله ولصالحه فقط بعيداً عن المحسوبيات والمصالح والمغانم والنوايا الخبيثة. هو الرجل الآدمي وصاحب القلب “الطيب” والمحب الذي يحتاجه لبنان المنهوب والمسروق والمنكوب.

واذا كان البعض يعتبر عودة الرئيس الحريري، ووجوده في “بيت الوسط” لفترة، ولقاءه الأحبة، رسالة سياسيّة بحدّ ذاتها مع العلم أنه يتلقّى الاتصالات المرحبة منذ لحظة وصوله، فإن وقوفه اليوم عند ضريح والده فيه الكثير من المشاعر المتناقضة التي تختلط بين الألم والحزن على أب أرادوا دفنه وحلمه بلبنان منارة الشرق والغرب تحت التراب كما واستبعاد كل من يحمل هذه الراية والرسالة، لكن فيه الكثير أيضاً من الأمل لأن “الولد سر أبيه”، والرئيس الحريري سيواصل المسيرة مهما اشتدت الصعاب، وازداد الخناق. انها صرخة وجع من ابن الى روح أبيه، تقول: لن ننسى مشروعك الحلم، مشروع بناء الدولة ومؤسساتها على الرغم من التحديات والعقبات، والجراح الدامية التي لا تزال تنزف ألماً من الجسد اللبناني، ومن الحريرية الوطنية التي ستبقى مرابطة على ثغر بيروت لانقاذ الوطن ولبنان لؤلؤة الشرق وجامعة ومستشفى العرب وحلم الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحلم كل اللبنانيين الوطنيين الأصلاء. ستنتصر قضية الرئيس الشهيد على الرغم من الجراح، وسينتصر الحلم على الرغم من التحديات. الرئيس سعد الحريري يصلي على روح والده، ويعده عند ضريحه بأن الحلم لن يسقط، ولن نبدل في قناعاتنا، وسنحمل جراحنا ونبقى رافعي الرأس ليعود لبنان سيداً، حراً، عربياً ومستقلاً.

وفي الذكرى الـ 18 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وفي ظل الظروف الصعبة، يسأل اللبنانيون: لماذا اغتيل الرئيس الشهيد؟ هل أرادوا ايصال البلد الى ما هو عليه اليوم أي دولة فاشلة، وشعب جائع، ومؤسسات معطلة، و”حارة كل مين ايدو الو”؟ وهل وصلت الأزمات الى حالة مستعصية، وتفاقمها يظهر عجز الطبقة السياسية، وبالتالي، باتت عودة الرئيس الحريري الى السياسة حاجة والخصوم ومطلبهم قبل المؤيدين؟

الاجابة أتت على لسان كثيرين واحدة: اغتيال الرئيس الشهيد هو اغتيال لمشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة، وبعد 18 عاماً من الاغتيال، الذي تأكد للبنانيين أن الهدف منه كان اغتيال الوطن الحلم الذي حلم به الرئيس الشهيد، وحاول أن يستكمله الرئيس سعد الحريري. وبعد كل هذه السنوات، تبين أن الوطن أصبح مجموعة شظايا وخنادق مذهبية وطائفية ومناطقية أدت الى تحلل الوطن وانتشار الجوع والبطالة وهجرة الشابات والشباب. لبنان الذي كان يحلم به الرئيس الشهيد لم يعد موجوداً. لبنان الذي سعى الى بنائه الرئيس سعد الحريري لم يعد موجوداً. ما نعيشه اليوم، لبنان آخر، لبنان المذهبية والطائفية، والانكفاء، لبنان الذي يعيش تحت المظلة الايرانية. اثر اغتيال الرئيس الشهيد سنة 2005، بدأت الخطوة الأولى نحو تدمير لبنان منهجياً، وأدى الى هذه الجهنم التي نعيشها والتي ساهم فيها مساهمة أكيدة تحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، ولا يزال هذا التحالف يمعن في نحر لبنان ومنع انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة الا على مقاس مصالحه. ولا شك في أن عودة الرئيس الحريري أصبحت حاجة وطنية لأن هناك اليوم خللاً في التوازن الوطني بغياب الحريرية الوطنية التي جسدها الرئيس سعد الحريري خلال مسيرته، فكل التضحيات قدمها للوطن ولبنائه، والمطلوب الآن من كل القوى السياسية أن تضحي في سبيل لبنان لا في سبيل طائفة أو مذهب. غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي، أفقد لبنان توازنه السياسي، وأفسح المجال للقوى المذهبية والطائفية والمناطقية أن تمعن في تدمير لبنان وصيغة وثيقة الطائف.

وبالعودة الى الحياة السياسية، وحفلات الخلافات والمناكفات، التأمت أمس، هيئة مكتب مجلس النواب بدعوة من رئيس المجلس نبيه بري لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية الأولى في ظل الشغور، والتي بات مصيرها مجهولاً خصوصاً بعدما أبلغ عضو تكتل “لبنان القوي” النائب آلان عون، الهيئة، أن التكتل لن يحضرها لأن المجلس في ظل الشغور، هيئة ناخبة فقط ولا يشرّع الا عند الضرورة القصوى. والسؤال اليوم: هل سيصرّ الرئيس بري على عقدها لا سيما وأنه يريدها لاقرار “الكابيتال كونترول” والتمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم؟

أشارت المعلومات الى أن ليس هناك مبدئياً من جلسة تشريعية هذا الخميس كما كان متوقعاً لأن هيئة مكتب المجلس ستستكمل نقاشاتها الاثنين المقبل، علّ الاتصالات السياسية تفضي الى محاولة تأمين النصاب وبعض الميثاقية المسيحية، في ظل غياب أكبر كتلتين مسيحيتين في المجلس “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية”.

وفيما أكد أحد نواب الموالاة في تصريح لـ “لبنان الكبير” أن لا شيء محسوم بعد في شأن الجلسة التشريعية، وكل الأمور تدرس بصورة جيدة، ويعود للرئيس بري وحده اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً، دعا أحد نواب المعارضة، النواب الى الوقوف أمام ضمائرهم، معتبراً أن “كل من يدعي حماية حقوق المسيحيين، يكون في حضوره، يشرّع ويطبع الحياة السياسية بغياب رئيس الجمهورية. وبغض النظر عن الدستور الواضح في هذا الاطار، كيف يمكن التشريع في قوانين، لرئيس الجمهورية الحق بأن يردها الى المجلس النيابي بغياب رئيس الجمهورية؟ كل المشهد غير مقبول وغير دستوري وغير قانوني تحت أي ظرف أو عنوان. الضرورة اليوم لانتخاب الرئيس ونقطة على السطر”.

وعلى الصعيد الرئاسي، برزت جولة سفراء الدول الخمس التي شاركت في لقاء باريس، على المسؤولين، لا سيما وأن أي بيان لم يصدر عن الاجتماع الخماسي. وفي السياق، التقى الرئيس بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، كلاً من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، السفيرة الفرنسية آن غريو، سفير جمهورية مصر العربية ياسر علوي، سفير دولة قطر إبراهيم عبد العزيز السهلاوي والمستشار في سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان فارس العامودي. بعدها انتقل الوفد الديبلوماسي الى السراي، حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

وأكدت مصادر أن السفراء نقلوا أجواء اللقاء في باريس ولم يتطرقوا الى الأسماء، بل شددوا على بعض الثوابت: مساعدة لبنان عبر الحث على انتخاب رئيس وتشكيل الحكومة والعمل مع صندوق النقد الدولي.

وفي وقت لا يزال عدّاد ضحايا زلزال تركيا وسوريا يرتفع، فإن الدولار حلّق، ولامس الـ 70 ألفاً في السوق السوداء، في حين يتدارس القطاع المصرفي قراره بالاضراب الشامل منتصف الأسبوع، خصوصاً اذا لم يُقر “الكابيتال كونترول”، ولم يتم ايجاد حل لملاحقة المصارف قضائياً.

كلمات البحث
شارك المقال