هزات على “ريختر اللبناني”… والجيش ينزف دماً

لبنان الكبير

“يوم حريق ويوم غريق ويوم تشحشط ع الطريق”… هذا هو حال اللبنانيين الذين لم يعرفوا يوماً أو دقيقة واحدة طعم الراحة والطمأنينة. بالأمس، كان يوم حريق ولهيب على أكثر من مستوى على الرغم من أن البلد، تنفس الصعداء، وشهد نوعاً من بصيص الأمل بعودة الرئيس سعد الحريري المؤقتة للمشاركة في ذكرى 14 شباط، والصلاة على روح والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حتى أنه شكل محور اهتمام المراقبين والمحللين الذين تابعوا بدقة خطواته واستقبالاته لسياسيين ووفود حاشدة من كل المناطق، وتمعنوا في خلفيات كل كلمة أدلى بها على قلتها، كما حاولوا معرفة أهداف زياراته وآخرها أمس لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

وقبل الدخول في التطورات والتحركات التي شهدتها الساحة الداخلية، لا بد من التوقف عند خبر زاد من حزن اللبنانيين تمثل في إعلان قيادة الجيش اللبناني عن استشهاد ثلاثة عسكريين ومقتل ثلاثة مطلوبين خلال الاشتباكات التي وقعت في بلدة حورتعلا – البقاع، اثر عمليات دهم لمنازل مطلوبين بتجارة المخدرات، وكأن المؤسسة العسكرية التي يجمع على تقديرها اللبنانيون لا يكفيها ما تمر به من مصاعب وضائقة اقتصادية، وعلى الرغم من ذلك، لا يبخل جنودها بأرواحهم للمحافظة على الاستقرار وملاحقة المخلين بالأمن.

على أي حال، كل ما يمكن قوله ان البلد يمر بهزات سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة، وأخرى أرضية مخيفة حتى أن البعض اعتبر على سبيل النكتة أن جنون الدولار وفلتانه الذي تخطى الثمانين ألفاً، تسبب بهزة أرضية شعر بها اللبنانيون. هذا الفلتان دفع المودعين الى اشعال الاطارات أمام عدد من المصارف في أكثر من منطقة، محاولين تحطيم الأبواب واقتحامها، وعمد عناصر من فوج اطفاء بيروت الى اخماد النيران. وتجمّع عدد من المودعين أمام منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير في سن الفيل، وأحرقوا الاطارات. كما قـطعت طرق بقاعاً وشمالاً وجنوباً وفي العاصمة وطريق المطار لبعض الوقت بالاطارات المشتعلة احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار وتردي الوضع المعيشي.

في الاثناء، نفت مصادر ديبلوماسية أميركية، المعلومات التي انتشرت حول علاقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بـ “حزب الله”. وقالت: “لن نعطي أي أهمية للشائعات التي يطلقها أشخاص بهدف تأجيج الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان من أجل مصالحهم”.

كما صدر عن المكتب الاعلامي للرئيس ميقاتي بيان أشار فيه الى أنه “يتم التداول بكلام منسوب الى مصادر رئيس الحكومة بأن مصرف لبنان فقد السيطرة على السوق، وأنه قد يكون من الصعب إعادة ضبط الأمور، إلا في حال حصول خطوة سياسية كبيرة”، مؤكداً أن “رئيس الحكومة ينفي هذا الكلام جملة وتفصيلاً، ويؤكد أن الجهود متواصلة لمعالجة الأوضاع المالية. واي موقف لرئيس الحكومة يصدر عنه مباشرة أو عبر مكتبه الاعلامي”.

إذاً، وصل اللبنانيون الى مرحلة يعجز اللسان عن وصفها أو تحليلها أو استيعاب تداعياتها وانعكاساتها على معيشتهم وحياتهم اليومية، وأمام هول الصدمات المتلاحقة والأزمات المتتالية والغلاء غير المسبوق والانهيار الذي جرف الأخضر واليابس، لم يعد أمامهم سوى خيار التساؤل: الى متى؟ وماذا بعد؟ وكيف يحصل كل ذلك تحت اشراف منظومة لم تحرك ساكناً، ولم تكلف خاطرها عناء البحث عن حلول لا بل تمارس كيدياتها وأنانياتها وتعجرفها واستلشائها وكأن البلد وأهله لا يواجهون خطراً مصيرياً ووجودياً؟

حكى المسؤولون كثيراً، وفعلوا قليلاً، وعدوا بالمن والسلوى، ولم يتذوق الناس سوى مرارة ممارساتهم الجهنمية، واليوم الكلام لهم بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة، وتفوقوا على أيوب بالصبر، واستسلم الأمل أمام أملهم، وهم يتوجهون الى المسؤولين، بالقول: شعاراتكم الزائفة انتهت صلاحياتها، ومناكفاتكم وخلافاتكم الطائفية الشعبوية لا تطعم جائعاً أو تروي عطشاناً أو تداوي مريضاً أو تعيد الحقوق الى أصحابها أو تعوض على اللبنانيين معاناتهم وقهرهم. وعنادكم وكبرياؤكم واذلالكم لشعبكم ستنقلب عليكم ولو بعد حين، وتصاريحكم ومواقفكم وأحاديثكم واطلالاتكم الاعلامية باتت تثير الاشمئزاز، وتحركاتكم ومحاولاتكم الانقاذية الكاذبة أصبحت موضة قديمة، وتحليلاتكم وخططكم المستقبلية الوهمية انتهت صلاحياتها مع انتهاء صلاحياتكم وقدرتكم وارادتكم. وبالمختصر المفيد انه العجز التام الذي سيتسبب عاجلاً أم آجلاً بانفجار، لكن لا أحد يتوقع متى يبدأ والى أين يصل.

وفي هذا السياق، أكد أحد النقابيين في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “الوضع لا يوحي بالطمأنينة. أجلنا الاضراب بسبب المخاوف الأمنية اذ أبلغتنا بعض الأجهزة التخوف من خضات أمنية، ومن تفلت الشارع، ودخول طابور خامس في المظاهرات التي تأخذ البلد الى مكان لا نريده. علينا أخذ الحيطة والحذر في هذه المرحلة لأن البلد مشرع. الله ينجي لبنان. نرى مؤشرات الفوضى الشاملة على الأرض، ويجب أن نتصدى لها قبل فوات الأوان”.

أما أحد الخبراء الاقتصاديين، فرأى عبر “لبنان الكبير” أن “ما يجري اليوم هو الفوضى بعينها في كل مكان وعلى كل الأصعدة. القضاء الداخلي أو الدولي إن لم يستطع استرداد الأموال المفقودة بالعملة الصعبة والتي هي ملك الناس أو أجزاء أساسية منها، فإن الوضع الى مزيد الى التدهور. لا يجوز أن يضحك الخارج على عقول اللبنانيين ويطالبهم بالاصلاح، فهل يجوز مطالبة من أوصل البلد الى ما وصل اليه بالاصلاح؟ هل يمكن طلب البناء من الهدامين؟ مطالبة السلطة بالاصلاحات مزحة لأن ذلك يعني ادانة لها. ثم من يضع القوانين الاصلاحية؟ أليس فريق الهدامين؟ الجوع كافر، ولا يمكن تحمله، ونحن في مرحلة الجوع وكل الأمور واردة”. وتمنى على المسؤولين “أن يجلسوا مع بعضهم، ويتبرعوا بأموالنا، ويغذّوا خزينة الدولة سراً، وضخ مليارات الدولارات”، معتبراً أن “من الأفضل أن يقوموا بهذا الفعل رضائياً قبل أن يحصل ذلك بالالزام. من سيحميهم اذا الشعب ثار يوماً؟ لأن من يرمي نفسه في مركب الموت هرباً من الجوع لن تصعب عليه محاسبة هؤلاء. أنقذوا أنفسكم بالتبرع لأنه سيحميكم من غضب الناس. عندما يموت الضمير، وتخفت مخافة الله وتختفي من النفوس، يفقد الانسان كل شيء، ويصبح كائناً مرعباً”.

شارك المقال