“مرشد لبنان” يخلق عدواً وهمياً… و”الثنائي المسيحي” همه الكرسي

لبنان الكبير

أصبح الشعب اللبناني يوزع مهام أفراد العائلة، واحد يراقب “الثريا” خوفاً من اهتزازها على أثر الهزات، وآخر يتابع تطبيقات ومجموعات سعر صرف الدولار، ومنهم من يراقب كهرباء الدولة، وغيره يترقب تقلب سعر كيلو البصل، والمهمة الجديدة متابعة منصة المحروقات، وطبعاً الجميع يتابع الوضع السياسي المتأزم بانتظار أن يفرج عن البلد. وإن كان لا يمكن الوقوف في وجه الطبيعة وكوارثها، إلا أنه بالتأكيد يمكن للقوى السياسية التعامل مع المشكلات التي تسببت بها، لكنها لا تبدو في وارد هذا الأمر، من المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية، الذي أصبحت أهداف خطاباته مفضوحة حتى ضمن بيئته، محاولة حقن القضية الكبرى بإبرة بنج، إلى الثنائي المسيحي، الذي لا يمانع أن يموت الشعب من أجل الكرسي الطائفي الأول، وحتى قوى التغيير، التي تهتم بالاستعراض والتقاط الصور وإثارة ضجة في الاعلام المحلي والخارجي، بينما المواطن يثقل كاهله هم النجاة هو وعائلته، كل يوم بيومه.

خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله في ذكرى قادة الحزب الشهداء، استهل بالتطبيل القديم الجديد للدولة الراعية له، إيران، بحيث أكد أن كل المراهنين ضدها خسروا وستستمر خساراتهم. ولم ينس التذكير بالمناسبات الأخرى في شهر شباط، فأعلن أن تفاهم مار مخايل الذي صمد كل هذه السنين منذ العام 2006، في وضع حرج، نتيجة الاستحقاقات والتطورات المهمة في البلد، ولكنه أمل أن يتمكن كلا الطرفين من الحفاظ عليه من أجل ما اعتبرها المصلحة الوطنية. وكذلك قدم نصر الله واجب العزاء في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بكل صفاقة عزى أهل الشهيد ومحبيه، على الرغم من أنه يرفض تسليم من حكمت عليهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بتنفيذ عملية الاغتيال.

بعد الواجبات وطمأنة اللبنانيين عن إيران وانتصاراتها ضد “الامبريالية”، قرر نصر الله تهديد أميركا بنفسه، فاكد أن “ما يحصل في لبنان سببه الرئيس الضغوط الأميركية وسياسة سحب الأموال والودائع بطريقة مدبرة”، مضيفاً: “إذا كان الأميركي وجماعته في لبنان يخططون للفوضى، فأقول لهم أنتم ستخسرون كل شيء في لبنان”. واتهم أميركا باستهداف لبنان منذ العام 2019 من أجل إعادته إلى السيطرة الأميركية، وقال: “من يراهن على أن المعاناة أو الألم يمكن أن يدفع هذه البيئة (بيئة المقاومة) إلى التخلي عن خيارها وعن مقوّم أمنها وبقائها ووجودها وسيادتها وصون عرضها وخيرات بلادها هو واهم”. وحذر من أن “من يريد أن يدفع لبنان إلى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منا ما لم يخطر في بال أو وهم وإن غداً لناظره قريب، وعلى الأميركيين أن يعلموا أنهم إذا دفعوا لبنان إلى الفوضى وتألم الشعب اللبناني فهذا يعني أننا لن نجلس ونتفرج على الفوضى، وسنمدّ يدنا إلى من يؤلمكم حتى لو أدى ذلك إلى خيار الحرب مع ربيبتكم إسرائيل”.

وبينما انتشى الممانعون بخطاب نصر الله، وبدأ التغني بمحاربة أميركا عبر اسرائيل، والتهليل للحرب، رأى مصدر سيادي مطلع في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “خطاب نصر الله موجه الى البيئة الحاضنة، من أجل خلق قضية تلهيها عن الجوع والعوز، كونه لا يستطيع أن يقوم بأي إصلاحات لتحسين وضعها وفي الوقت نفسه يمنع الدولة من أن تقوم بأي شيء، يخلق لها عدواً وهمياً، ويقول انه يحارب الاستعمار والاستكبار من لبنان إلى واشنطن، بينما هو بنفسه من أعطى غطاء لاسرائيل عبر اتفاق ترسيم الحدود، صالح اسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى يقول انه يريد محاربتها، وها هي اسرائيل تنعم بمنافع الاتفاق وبدأت التصدير، وكان واضحاً أنها تعمل في الحقل منذ سنوات، بينما الممانعة اكتفت بالمراقبة. هو يأخذ الشعب رهينة ويجوعه، ويخلق له قضية وهمية، كل ذلك من أجل خدمة معلميه في إيران.”

واعتبر المصدر أن “الأميركيين لو أرادوا الفوضى في البلد، لاستطاعوا خلقها في ظرف ربع ساعة، بينما هم فعلياً يدعمون الجيش، ويدعمون البلد، أما محور الممانعة فهو سبب فشل البلد وإسقاطه، وسبب ما نعيشه اليوم”، متسائلاً “هل الأميركيون هم من ركبوا على البلد ديناً بـ 100 مليار دولار؟ أم هم من يسيطرون على الحدود أو المرفأ؟ هل هم من يمنعون تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء؟ هو يخلق عدواً وهمياً ليبرر ارتهانه لايران، والمصائب تصيب الشعب (المعتر)، وفي النهاية نصر الله رجل غير وطني مرتهن لتعاليم إيران ويحارب أميركا عنها في لبنان.”

وفي الشق الآخر من خطاب نصر الله، المتعلق بتفاهم مار مخايل، يفسر كلامه بأن الأفق مسدود رئاسياً، كون “التيار الوطني الحر” لا يزال يرفض الافراج عن الرئاسة، والسير بمرشح 8 آذار رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إلا أن أوساطاً سياسية مطلعة أكدت في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “قائد الجيش العماد جوزيف عون يخيف جبران باسيل أكثر من فرنجية، وهو قد يسير بفرنجية على مضض لقطع الطريق على عون، لأن الحالة العونية لطالما كانت لصيقة بالجيش، والعماد عون يخاطب الوجدان العوني، وكان هذا واضحاً عندما شن باسيل حملة ضد قيادة الجيش، الأمر الذي أحدث بلبلة داخل التيار أدت إلى استقالات جماعية. وما يزيد خوف باسيل هو كنية قائد الجيش، فهو رجل البزة العسكرية من آل عون، ويرى باسيل تهديداً لوجوده به. أما الخيار الأخر لباسيل فهو ضرب الاستحقاق كلياً، بل ضرب البلد بأكمله، وقد بدأت بوادر هذا الأمر عبر تحريك الخلايا العونية في مؤسسات الدولة اللبنانية، التي منعت من الصراخ قبل نهاية العهد القوي، واليوم يجري تحريكها بأوامر ميرنا الشالوحي، وذلك من أجل الضغط على الحلفاء تحديداً، لعدم تخطي باسيل، وفي هذه اللعبة، لا يمكن القول إلا الله يكون بعون البلد وشعبه”.

معيشياً، يبدو أن التدهور المستمر سيحرّك الشارع، على الرغم من أن بعض الجهات النقابية تراجع عن تحركاته خوفاً من الطابور الخامس، إلا أن مشاهد إقفال الطرقات بدأ يظهر مجدداً، وتزامن مع الهجوم على المصارف وتكسيرها، كل هذا يشي بأن الحل إما يقترب أو سيذهب البلد إلى زلزال معيشي يهز أركان القوى السياسية، وقد يؤدي إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وعودة متاريس المأساة.

شارك المقال