البلد كله الى… موعد يحدد لاحقاً

لبنان الكبير

من يراقب مجريات الأمور في البلد، يستنتج النتيجة نفسها، لأن السيناريو ذاته يتكرر مع أشخاص يتعمدون التدمير والتفتيت والخراب. عند مطلع كل أسبوع، تكون الملفات كثيرة، والاستحقاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والمعيشية وفيرة، وبعد اللقاءات والمشاورات والحوارات، تتراجع الحلول لصالح التعقيد والتعطيل والتأزم. وبدل أن يسرع حابسو أنفاس البلد الى تنفيس الأزمات شيئاً فشيئاً، يزيد الضغط عليه، وتحميله أكثر من طاقته حتى انه أصبح على مشارف الانفجار تماماً كالبالون الذي يتم نفخه أكثر مما يتحمل.

ومع انطلاق الصوم عند الطائفة المارونية، لم يبق أمام اللبنانيين سوى الصلاة والدعاء لأن يلجأ المسؤولون الى الصوم عن ارتكاب الجرائم الانسانية بحق البلد وأهله، والصوم عن الأفعال الشنيعة، وعن الكلام الكثير والوعود الكاذبة، وليتذكروا أن الانسان مهما علا شأنه، فهو”من التراب والى التراب يعود”.

مشهد الشلل وتلبد السماء بالغيوم السود لا يزال على حاله، اذ لم تفض الى اليوم الجهود والمساعي التي بذلها رئيس مجلس النواب نبيه بري لتأمين نصاب جلسة تشريعية يتم خلالها التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مع احالته على التقاعد في الثالث من آذار المقبل وسط انسداد دروب الاقتراحات الأخرى المطروحة لابقائه في موقعه.

اذاً، التأمت هيئة مكتب المجلس أمس في اجتماع رأسه الرئيس بري في عين التينة، الا أنها لم تتمكن من الاتفاق في ما بينها، فكان ارجاء جديد الى موعد يحدد فيما بعد. وقال نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب: “مع تأكيد حق المجلس في التشريع كما حصل سابقاً، فإن صيغة الكابيتال كونترول وفق ما صدر عن اللجان المشتركة يجب أن تُقرن بخطة شاملة، وبالتالي تقرر إرجاء اجتماع مكتب المجلس إلى موعد يحدد فيما بعد”.

وفي هذا السياق، أكد مرجع دستوري لموقع “لبنان الكبير” أن “التمديد للموظفين يخضع لتعديل قانون الموظفين بحيث أن القانون يعدل بقانون. اليوم القوى المسيحية تعارض الجلسة التشريعية التي تتطلب نصاب النصف زائداً واحداً، يعني أن نصاب الجلسة لن يكتمل كما أنها لا يمكن أن تعقد من دون الميثاقية المسيحية”.

وتحدثت المعلومات عن أنّ “الثنائي الشيعي” أوكل مسألة البحث في إيجاد تخريجة التمديد للواء ابراهيم إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أو التمديد بقرار إداري من وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، لكن هناك عقبات وفق المرجع الدستوري: في الحكومة، يتم تعيين موظفي الفئة الأولى بتصويت ثلثي مجلس الوزراء وكأن المجلس يعيد تعيين اللواء ابراهيم بعد تقاعده في 3 آذار المقبل، لكن هذه التخريجة ضرب للقانون. ثم السؤال الجوهري هنا: هل تستطيع الحكومة المحصورة بالحد الأدنى لتصريف الأعمال أن تجتمع وتصوّت لتعيين موظف فئة أولى في ظل المقاطعة المسيحية؟ اما تخريجة القرار الاداري من وزير الداخلية، بحيث أن اللواء ابراهيم يتبع له، فتكون عبر التعاقد معه أي لا يعود موظفاً ثابتاً انما تعاقدي، وهذه الصيغة أيضاً غير قانونية، وتكون سابقة خطيرة، وإن تمت تكون تخريجة على الطريقة اللبنانية أي تحايلاً على القوانين، وعلى قانون الموظفين تحديداً. وبالتالي، في ظل لاميثاقية الجلسة التشريعية، والصعوبة في اعادة التعيين في الحكومة، يبقى الباب الأسهل اللجوء الى وزير الداخلية الذي لديه الحق ألا يقبل بالتعاقد مع اللواء ابراهيم.

ووسط الأزمة المعيشية الاقتصادية الخانقة، عُقد أمس لقاء قوى الانتاج تحت شعار “أنقذوا الوطن” في مقر الاتحاد العمالي العام. وفيما طالب نقيبا الصيادلة والمستشفيات جو سلوم وسليمان هارون بالاضراب المفتوح الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، فضّل رئيس الاتحاد العمالي بشارة الأسمر التريث، الا أنه أشار الى أن هذا التوجه قد يتم اللجوء اليه اذا طال أمد الأزمة.

وفي وقت ارتفعت أسعار المحروقات من جديد، وواصل الدولار تقلباته محافظاً على ارتفاعه، كان يفترض أن يرأس الرئيس ميقاتي اجتماعاً في السراي يناقش الوضع المالي في حضور وزيري المال يوسف خليل والاقتصاد أمين سلام وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الا أنه أرجئ لايجاد حلّ للملف القضائي الخاص بالمصارف والدعاوى في لبنان. اذ أشارت المعلومات الى أن المصارف لا تزال مستمرة في الإضراب، وهناك مشاورات في جمعية المصارف للبحث في كيفية التعاطي مع قرارات القاضية غادة عون.

واعتبر مصدر مطلع في تصريح لـ “لبنان الكبير” أن التحركات حتى الآن مشتتة، جزء منها تحركات تديرها الأجهزة والمخابرات، وبالتالي، الرأي العام اللبناني، وهو ممتعض وغاضب جداً مما يحصل، لا يزال جالساً في المنزل. معظم الذين ينزلون الى الشارع لقطع الطرقات يدارون بالـ”ريموت كونترول”، وهذا مؤسف. وجرى إجهاض ثورة 17 تشرين عندما اخترقتها الأجهزة وأحزاب الممانعة التي أدخلتها في المتاهات المخابراتية المعروفة، وتحولت الى العنف ثم الى القمع. العمل النقابي هو عمل مخترق، وليس هناك من عمل نقابي فعلي في البلد. وبالتالي، التعويل على النقابات كمن يعول على الريح أو على الهواء. نحن ارتطمنا، والبلد انفجر اجتماعياً بحيث أن الطبقة الوسطى دمرت، وسحقت، والطبقة الفقيرة باتت تحت تحت خط الفقر، وبقيت طبقة واحدة ميسورة عبارة عن 10 في المئة من اللبنانيين. وجرى تدمير مؤسسات الدولة، واليوم نعيش في مرحلة الارتطام الكبير، لكن تم تدجين الرأي العام وسحق المعترضون بشكل أو بآخر بوسائل عدة.

وبما أن البلد أصبح في قعر هاوية غير متناهي حيث كل المؤسسات في حالة شلل، والبلد في حالة خطر، والناس في حالة طفر، ولا بصيص أمل في الأفق حتى أن عدداً كبيراً من العارفين والمحللين يؤكدون أن الفوضى مقبلة، فإن معظم الجهات السياسية باتت مقتنعة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن بوادر الانفجار الاجتماعي تلوح في الأفق، وتدرس خياراتها، وتتخذ احتياطاتها وسط استعصاء لايجاد أي حل لأي مشكلة حتى بتنا نسمع أحاديث عن أن هناك مخططاً ممنهجاً لتدمير البلد وتفتيته، ولم تعد العقدة في انتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل حكومة أو عودة المجلس النيابي الى عمله الطبيعي أو عودة المؤسسات المهمة مثل المصارف والمدارس والجامعات والعديد من القطاعات والمهن والعمال والمستخدمين الى أماكن العمل، بل في امكان افشال مثل هذ المخطط الذي يقضي على الأخضر واليابس قبل فوات الأوان.

وفي هذا الاطار، أشار أحد المحللين السياسيين لموقع “لبنان الكبير” الى “أننا منذ أعوام عدة، نلمس يومياً من خلال مراقبتنا للأحداث أن ثمة مخطط منهجي مستمر، ومتواصل أقله منذ العام 2005 أي منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا المخطط يهدف الى إحداث تغييرات بنيوية وعميقة في البلد على المستويات السياسية والديموغرافية والثقافية ووظيفة لبنان ودوره في المنطقة وارتباطه ببيئته العربية وأسلوب عيش اللبنانيين. هناك مخطط، وهناك جهة واحدة معروفة وهي حزب الله وما يمثله مشروعه اقليمياً ومحلياً في لبنان من خطر على وجود هذا الكيان. نحن اليوم في عين العاصفة وفي قلبها وفي مرحلة المخاض الطويل والعسير، وفي مرحلة الاستهداف المتواصل الذي يتعرض له لبنان الكيان والصيغة والطائف والتوازنات الدقيقة. ما يحصل من انهيار مالي واقتصادي واجتماعي نتيجة لهذا الاستهداف. لبنان مستهدف منذ أن اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري لوقف مسيرة النهوض ومسيرة الاستقلال. ومع ذلك، نحن لسنا في نهاية المطاف انما لا تزال طريقنا مع العذابات طويلة”.

شارك المقال