اللبناني وحيداً… فوق فوالق الفساد

لبنان الكبير

كل المؤشرات والمعطيات تقول ان الغطاء رفع عن البلد وأهله، وصدر بحقهما حكم الاعدام شنقاً وخنقاً وابادة جماعية تحت ضربات الأزمات المتتالية التي تسببت بها السلطة من دون أن تفكر ولو للحظة واحدة في خطة انقاذية على الرغم من مرور أكثر من 3 سنوات على الانهيار، بل لا تزال تخطط في غرفها السود لأبشع السيناريوهات وأكثرها فتكاً بشعب تذوق كل أنواع المرارة، واهتز ألف مرة ولم يقع ولم يستسلم.

اليوم، يعيش اللبنانيون بين الفوالق الحياتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينتظرون فرجاً ما يأتيهم من السماء لأن الوقائع تؤكد أن الفرج البشري دمرته قلة الأخلاق والضمير والانسانية التي تهز أبدانهم على مدى الأيام والساعات، وتتلف أعصابهم بفعل قوتها التي وصلت الى أعلى الدرجات على مقياس الفساد والنهب والكيدية والأنانية.

الحركة الأرضية في المنطقة لم تترافق مع حركة اصلاحية انقاذية في البلد حيث بدا المشهد أمس هادئاً وكأنه معافى وفي أحلى حالاته باستثناء النزاع المصرفي – القضائي الذي لا يزال على حاله ومعه اضراب المصارف، اذ أن مسلسل التدمير الممنهج لمقومات الصمود ولكل المؤسسات والمرافق لا يزال على قدم وساق حتى أن عدداً كبيراً من الخبراء يسألون: هل بإقفال المصارف أو تشويه صورتها تعود الودائع؟

وفي ظل هذه الأجواء، تتسع رقعة الأزمات بعد اخفاق هيئة مكتب المجلس النيابي في التوصل الى اتفاق حول جلسة للمجلس والتمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يحال على التقاعد في الثالث من الشهر المقبل ما قد يخلق شغوراً في رأس المديرية العامة للأمن العام، الا أن المعطيات أشارت الى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استقبل الخليلين، المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله الحاج حسين الخليل، وتركز البحث على كيفية ابقاء اللواء ابراهيم في موقعه من خلال التمديد له بقرار اداري يصدر عن رئيس الحكومة ومعه وزير الداخلية إن لم يكن ممكناً بقرار يتخذه وزير الداخلية لأن له الوصاية على المديرية العامة للأمن العام أو عبر قرار يتخذ في جلسة لمجلس الوزراء ربما تعقد قبل نهاية الشهر الجاري.

وفي هذا الاطار، أكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة لموقع “لبنان الكبير” أن الرئيس ميقاتي يدعو الى جلسة حكومية حين يرى أن الوضع يستدعي ذلك، وليس مستبعداً أن تنعقد جلسة حكومية قبل نهاية الشهر الحالي، لكن يعود لرئيس الحكومة وحده تحديد التوقيت المناسب وتحديد جدول الأعمال الذي يتضمن شؤوناً حياتية ومعيشية ملحة. كما ليس مستبعداً أن يتضمن بعض البنود التي كان يفترض أن تقرها الجلسة التشريعية والتي يمكن الاستعاضة عنها حكومياً ومنها التمديد للواء عباس ابراهيم. اليوم، هناك اتصالات بين الفرقاء، وملفات تدرس بحيث أن رئيس الحكومة يتواصل مع الجميع كما مع الثنائي الشيعي. لا يمكن الجزم بأي خيار حالياً لأن كل الأمور لا تزال قيد الدرس مع العلم أن هناك بعض اللقاءات التي تحصل بعيداً عن الاعلام، فالواقع اللبناني مأزوم وفيه الكثير من التناقضات والصدامات الداخلية نتيجة تداعيات المعركة المستمرة لرئاسة الجمهورية كما هناك تغييرات كبيرة على الأرض. الرئيس ميقاتي يقارب الموضوع من ناحية المصلحة الحياتية للمواطن، وكما تمكن من عقد الجلستين السابقتين بنصاب الثلثين، من المتوقع أن يتكرر هذا السيناريو في الجلسة المقبلة، لكن لا شيء محسوم الى اليوم.

وفيما يبدو أن الجرة انكسرت بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي أوضح أحد نوابه أنه “لم يبق من تفاهم مار مخايل الا حفظ ظهر المقاومة ولم تعد هناك شراكة، والتباعد بين التيار والحزب حاصل والانفصال واقع”، التقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في معراب، راعي أبرشيّة أنطلياس المارونية المطران أنطوان بونجم، موفداً من البطريرك الماروني بشارة الراعي.

في هذا الوقت، لا حلحلة ولا بصيص انفراج في الأفق، وكل الأطراف دخلت في مرحلة عض الأصابع وسط معادلتين: الأولى خارجية اذ أصبح الكل على قناعة بأن المجتمع الدولي يتعاطى مع لبنان من بعيد لبعيد أي وفق استراتيجية اعملوا لمصلحة بلدكم لنساعدكم، ولا يتوقف عن المطالبة بالاصلاحات، والتخلي عن الخلافات الداخلية، وايجاد الحلول المناسبة لأن المعرقلين سيتعرضون لعقوبات اضافة الى فتح ملفات الفساد وهدر المال العام الذي أدى الى انهيار المؤسسات. وبعد انتهاء مؤتمر “بغداد 2” في عمّان، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه “يجب تغيير الطبقة السياسية في لبنان”. والمعادلة الثانية داخلية حيث الاختلاف في أوجّه بين الفرقاء على رئاسة الجمهورية، وفي المجلس النيابي وفي اجتماعات الحكومة، وفي مختلف القضايا التي تؤثر مباشرة على حياة الناس ومسار الأوضاع، وبالتالي، فإن التوافق غير وارد لا بل مستحيل في ظل الانقسام الحاد والاختلاف في الرؤية والاستراتيجية الوطنية، ما يعني أننا أمام معضلتين: مجتمع دولي ينتظر المبادرة من اللبنانيين لمساعدتهم خصوصاً أنه منشغل بهمومه من الحرب الأوكرانية الى الملف النووي الايراني، والداخل اللبناني منقسم على نفسه ويختلف حتى على جنس الملائكة. ويبقى السؤال هنا: كيف السبيل الى الحل طالما أنه لن يأتي لا من الداخل ولا من الخارج؟

في هذا السياق، رأى أحد الوزراء السابقين أن من يتعاطون في السياسة والشأن العام والمسؤولين عن ايجاد الحل ليس لديهم “معلمية” الحل. هناك مساران: الأول خارجي يبحث عن التسوية الأفضل التي لن تبدأ من لبنان انما تصل اليه جاهزة. التسوية في المنطقة تبدأ من اليمن حكماً، وفي حال ثبتت الهدنة، تنعكس ايجاباً على الملفات العالقة في المنطقة. لا يمكن القول ان صفحة الخلافات طُويت الى غير رجعة انما هناك نوع من التهدئة، عززتها الضرورات الانسانية، وساهمت الطبيعة في هذا الاطار بحيث أصبح هناك مصطلح جديد تحت ما يسمى ديبلوماسية الزلازل أو الطبيعة التي فرضت التعاون على المستوى الانساني. اذاً، هناك أجواء تهدئة في المنطقة. والثاني داخلي اذ لدينا مشكلة كبيرة بحيث هناك سقف عالٍ في المواقف، والقوى السياسية فقدت مرونتها مع العلم أن الدول التي تدعمها في جو التسوية. اذا اكتملت عناصر التسوية الاقليمية بدءاً من اليمن مروراً بسوريا والعراق وصولاً الى لبنان، فإننا سنشهد على انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لا شك في أننا في مرحلة الترقب. هناك حركة اقليمية، وبالتالي، ليست الأرض وحدها التي تتحرك انما أيضاً الملفات السياسية في المنطقة، وعلينا مراقبة اتجاهات هذه الحركة، ونتائجها ومفاعيلها، وعلى أساسها يمكن تحديد وجهتنا. نحن ذاهبون الى المزيد من الشغور والفوضى لأننا نلعب على حافة الهاوية، وننتظر في ظل الانهيارات على المستويات كافة. الوقت مكلف، والمرحلة دقيقة، والانتظار خطير حتى أن الوضع الأمني غير مكفول، وحين ينهار المجتمع ينهار معه كل شيء. المسار الحالي يوصل الى الفوضى، لكن علينا أن ننتظر من سيسبق التسوية أو الفوضى.

شارك المقال