كوابيس عون متواصلة… مرجع دستوري يؤكد شذوذ عمل “غادة”

لبنان الكبير

مؤسف أن يصبح الشغل الشاغل للبنانيين، وهمهم الأول والأخير في الحياة، التخلص من الكوابيس التي تلاحقهم في أحلامهم كما في يقظتهم، وتحرمهم النوم والراحة في الليل كما في النهار لأن السلطة الحاكمة أرادت ذلك عن سابق تصور وتصميم، وهي لا تكتفي ولا تشبع ولا يؤنبها ضميرها من كثرة السموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية التي ضختها في أجسام المواطنين الذين لم يعد لديهم سوى الدعاء للتخلص من أنياب المفترسين.

وفيما لم يحصل أي جديد على الساحة السياسية، لا تزال التطورات القضائية – المصرفية في واجهة الحدث، اذ سجل تطور تمثل في ادعاء المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا، وكل من يظهره التحقيق “بجرائم اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال المزور والاثراء غير المشروع وتبييض الأموال، ومخالفة القانون الضريبي”. وأحال الملف مع المدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا. في حين علّق سلامة على القرار لـ”رويترز”، بالقول: “بريء من لائحة التهم الجديدة المنسوبة لي. وسألتزم بالاجراءات القضائية بعد الاتهامات الجديدة”. بينما أكّدت القاضية عون، التي نفذت وقفة تضامنية معها بالأمس، أنّها ستتعاطى مع القرار الصادر عن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، “كأنه لم يكن كونه صدر عن مرجع غير مختص سنداً للأصول الجزائية”.

وفي هذا السياق، أوضح مرجع دستوري لموقع “لبنان الكبير” أن “هناك مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القاضية عون. هذا النوع من الدعاوى من شأنه أن يكف يدها عن النظر في كل دعوى مخاصمة الدولة أمامها. وبالتالي، هي قاضية، لكن في هذه الملفات بالذات لم تعد قاضية لها صلاحية النظر بها. وبما أنها تتابع السير في هذه الملفات، تكون قد خالفت القانون في عملية المتابعة. ومبدأ الاستمرار على الرغم من وجود دعوى مداعاة الدولة، تكون تخالف القانون صراحة، وأي قرار يصدر عنها مخالف للقانون. اما وزير الداخلية، فيتحرك انطلاقاً من الملفات التي هي موضوع نزاع أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز. اذا أرادت القاضية عون استدعاء أي شخص أو ايقافه فيجب التنفيذ بواسطة الضابطة العدلية. وبالتالي، يمكن لوزير الداخلية أن يقول للجهة التي تنفذ ان القرارات مخالفة للقانون، ويمكن للضابطة العدلية أن تمتنع عن تنفيذ قرار مخالف للقانون. وزير الداخلية يحصر الأمر بالملفات التي فيها دعاوى مداعاة الدولة. وبالتالي، لا يتدخل في الملف وسير التحقيق انما ينفذ ما يتعلق بسلطته على الضابطة العدلية. التصرفات والاجراءات التي تقوم بها القاضية عون غير مألوفة من الناحية القانونية ولا من الناحية القضائية، وتعتبر سوابق في عالم القضاء، وهذه السوابق تلحق الضرر والأذى الأكيدين بالجسم القضائي وبعمل القاضي وباستقلالية القضاء. هذه التصرفات لا تأتلف وعمل القاضي، وما نراه غير موجود لا في الكتب ولا في الممارسة. وليس من ضمن عملها المناشدة انما المدعي العام في القانون يدعي فقط وليس لديه سلطة أكبر، وادعاء النيابة العامة غير ملزم لقاضي التحقيق. القاضية عون تريد أن تكون كل اشاراتها وقراراتها صحيحة ولا تقبل أن تنكسر، وهذا ليس بقانون ولا يمكن ممارسة القانون بهذه الطريقة. انها جزء من الجسم القضائي وليست الجسم بأكمله، ولا يحق لها التجاوز كما تفعل”.

وبينما تردد أن المصارف قد تُبقي أبوابها مقفلة بما أن اجراءات الحكومة تحل جزءاً من مطالبها ولا تحلّها كلّها، أوضح مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الوزير السابق نقولا نحاس أن “اجتماع السراي هو لبحث إمكان قيام مصرف لبنان بدور للجم الدولار”.

الى ذلك، أصدرت الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي ماهر شعيتو، قرارها القاضي برفض تخلية سبيل 16 من الصرافين غير الشرعيين، وإبقائهم قيد التوقيف بتهمة تبييض الأموال وممارسة مهنة الصرافة من دون ترخيص والاساءة إلى مكانة الدولة المالية.

في شأن قضائي ايجابي هذه المرة، أصدرت محكمة العدل العليا البريطانية (High Court of Justice – London) حكماً لصالح ضحايا إنفجار مرفأ بيروت الذين يمثّلهم مكتب الإدعاء في نقابة المحامين ضد الشركة الانكليزية SAVARO Ltd، في الدعوى المدنية التي أُقيمت ضدها في 2 آب 2021، وحكمت بمسؤولية الشركة تجاه الضحايا الممثلين في هذه الدعوى، وافتتحت المرحلة الثانية من المحاكمة، وهي مرحلة تحديد قيمة التعويض الذي سيستحق للضحايا.

لكن ما أهمية هذا الحكم بالنسبة الى ملف انفجار المرفأ، والتحقيقات في لبنان؟ أحد نقباء المحامين السابقين اعتبر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “خلاصة الحكم في غاية الأهمية لما توصلت اليه محكمة العدل العليا البريطانية لسببين أساسيين: أولاً، تمكنت هذه المحكمة من خلال ما قدم اليها وأمامها من أدلة ووقائع ومستندات أن تبني مسؤولية على شركة SAVARO. ثانياً، عندما نقول ان الادعاء اقتصر على هذه الشركة، لا يعني أن المسؤول عن تفجير مرفأ بيروت فقط هذه الشركة التي قد تكون شريكاً من بين الشركاء المسؤولين، الأمر الذي يستفيد منه القضاء اللبناني. انها خطوة نوعية في ملف تفجير المرفأ، وهذا نوع من الانجاز بالنسبة الى القضية خصوصاً بعد أن تمت عرقلتها. أهالي الضحايا واللبنانيون، مصممون ويريدون الحياة في هذه القضية، ويريدون حكماً فيها، وهناك اشارة قوية وصلبة ومهمة جداً في صدور هذا الحكم بغض النظر عن تفاصيله وحيثياته. لا ندري كيف سيكمل فريق الادعاء أو اذا كانت لديه خطة باء في التحقيق، وربما يستند الى ما صدر للتوسع أو لتقديم دعوى جديدة بحق أشخاص آخرين معنيين بالملف”. وأشار الى أن “هذا الحكم ليس ملزماً للقضاء اللبناني، لكن يعتبر دليلاً يمكن الاستناد اليه”، متسائلاً: “اذا كانت شركة النقل مسؤولة، اذاً، ماذا عن المعنيين في لبنان؟”.

أما أهالي الضحايا فرأوا أن الحكم مهم جداً، وربما خطوة أولى في مسار الألف الميل، ولكن يحزنهم أنه لن يقدم ولن يؤخر في كشف الحقيقة التي كانوا يتمنون أن لا تعرقل، وتظهر بسرعة كما حصل في بريطانيا التي تعاطت مع الموضوع بجدية تامة بعكس ما يحصل في لبنان. وأكدوا أن التعويضات المالية لا تهمهم، انما معرفة الحقيقة لكي يرتاح ضحاياهم تحت التراب ولكي تبرد قلوبهم.

شارك المقال