قضية الرفاعي… وطن لئيم على مفرق جريمة

لبنان الكبير

على الضفة الرمادية، وفي المنطقة المتجمدة سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، يبقى البلد الى أجل غير مسمى حيث لا أفق واضح ولا بصيص نور يلوح في المدى المنظور. انه اللون الرمادي الذي يلف الاستحقاق الرئاسي كما مختلف الاستحقاقات فلا طبخة خارجية نضجت في ظل إعادة تشكيل المنطقة، ولا حركة داخلية نجحت لأن المنظومة الحاكمة اتخذت قرار الحرق والخراب والتعطيل.

انها المنظومة عينها التي تقامر بالوطن وقد حولته الى جثة هامدة لا بل رماد وغبار مزعج للدول القريبة والصديقة والشقيقة، وهي اليوم تواصل سياسة حرق الأرض لتقضي على ما تبقى من خضرة، وتضرم نيرانها الحاقدة في المؤسسات التي إن انهارت كغيرها ستكون التداعيات خطيرة لا بل مدمرة، ومن بينها المصارف التي كانت قاب قوسين من الضفة الرمادية لولا تدخل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للحد من هجوم القاضية غادة عون الشرس، وستعاود عملَها بحذر بدءاً من اليوم الاثنين، وتراقب ما ستفعلُه عون، وما ستقومُ به الأجهزةُ الامنية. والسؤال اليوم: هل سيستمر “التيار البرتقالي” في فتح معاركه العبثية التي ستدمر البلد، وتهدم آخر مداميكه فوق رؤوس الجميع قبل أن تقضي على المصارف؟

الجواب في الأسبوع الطالع مع العلم أن أحد الخبراء الاقتصاديين أكد في تصريح لـ “لبنان الكبير” أن عودة المصارف الى العمل ستعطي دفعة إيجابية للعجلة المالية لا سيما أنه خلال الأسبوعين الماضيين أي خلال اضرابها، ظهرت جلياً حاجة الاقتصاد اليها. يبدو أن “التيار الوطني الحر”، اتخذ خياره بضرب النظام المالي والاقتصادي لا سيما المصرفي الذي أنعش لبنان على مدى ٢٠ سنة سابقة، وهذا يعتبر انجازاً من إنجازات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا يخفى على أحد أن أهم أهداف “التيار” الانقضاض على إنجازات الشهيد. وفي حال وضع لبنان في التصنيف الرمادي، فهذا يعني أن التحويلات المالية والتدفقات كافة ستصبح تحت الرقابة الشديدة مما سيعوقها ويؤخرها كثيراً، بمعنى أن التعاطي المالي مع لبنان سيصبح تحت الشبهة.

الأجواء الرمادية تسيطر أيضاً على الوضع الأمني بحيث شهد الأسبوع الفائت جرائم متعددة وفي أكثر من منطقة أدت الى مقتل ٨ أشخاص، وآخرها جريمة قتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي بعد خمسة أيام على خطفه، وعثر على جثته فجر أمس مدفونة على عمق 3 أمتار تحت كومة من التراب بالقرب من مكان ترمى فيه النفايات في منطقة تقع فوق عيون السمك وقريبة من بلدة القرقف العكارية، وسط تأكيد التحقيقات أن لا أبعاد سياسية للجريمة والأسباب شخصية بحت. وعلى الرغم من ذلك، انتشر الجيش بكثافة في القرقف، خوفاً من أي رد فعل غير محسوب.

توازياً، توالت ردود الفعل المنددة باغتيال الشيخ الرفاعي من شخصيات سياسية ودينية، ومنها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي أكد أن خطفه وقتله، “حادث مفجع ومؤلم وجريمة مروعة، وهذا أمر محرم شرعاً ولا يمت الى القيم الأخلاقية والانسانية”، مشدداً على أن “كرامة العلماء ستبقى مصانة، ولن نسمح لأحد بالنيل منهم، مهما كان الخلاف إلا تحت القانون بالتعاون مع دار الفتوى الحريصة على علمائها وعلى سلامة المجتمع اللبناني وأمنه”.

وفي هذا الاطار، اعتبر أحد المتابعين أن ما يمكن استنتاجه هو أن الساحة جاهزة للفوضى في أي لحظة على خلفيات سياسية وطائفية ومذهبية، مشدداً على أهمية المؤسسات العسكرية والأمنية التي يجب أن تبقى المدماك الأساس في البلد. ورأى أنه لا يجوز أن نستسلم لما يقال بأن الحلول لا تأتي الا على الساخن، من دون أن ننكر أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية قد تؤدي الى فوضى أو بعض الأعمال الأمنية المحدودة التي يمكن استثمارها في السياسة، لكن الأعمال الأمنية المنظمة الكبرى مستبعدة، مشيراً الى أن القوى الأمنية نجحت في القبض على أعداد كبيرة من العصابات، وتقوم بدورها على أكمل وجه، وعلى المواطن في هذه الأيام الصعبة أن يكون خفيراً، ويبلغ عند اشتباهه بأشخاص أو بأعمال معينة.

وفي وقت رأى أحد المحللين السياسيين أن أي مبادرة فرنسية أو غير فرنسية لن تؤدي إلى حلحلة اليوم على مستوى الاستحقاق الرئاسي لأن “حزب الله” بحاجة الى بعض الوقت أي الى حين انضاج الطبخة أو التسوية الاقليمية، ينعقد مجلس الوزراء اليوم لاقرار جدول أعمال الضرورات القصوى.

ولفت مصدر مطلع لموقع “لبنان الكبير” الى أن على جدول أعمال الاجتماع ٨ بنود مبدئياً لا تتضمن بند التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لكن من غير المستبعد أن يدرج من خارج جدول الأعمال، وربما يُصار الى ايجاد مخرج قانوني ما في هذا الاطار خصوصاً أن احالة ابراهيم على التقاعد باتت قريبة جداً أي في مطلع آذار المقبل. لا يمكن حسم مسار الجلسة قبل انعقادها، كما لا يمكن القول ان غالبية الطبقة السياسية تخلت عن اللواء ابراهيم كما يتم التداول في الصحف، فلننتظر الجلسة قبل إطلاق المواقف.

الراعي: البرص السياسي خطر على الهوية والكيان

عزّى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، أهل الشيخ الرفاعي ودار الافتاء، معتبراً أنه “لا يمكن العيش في هذا الجو من الفلتان الأمني”.

وقال: “نشهد برصاً يشوّه كرامة السلطة السياسيّة، فتنحرف عن مبرّر وجودها، أي خدمة الخير العام الذي يؤدّي إلى خير كلّ إنسان وكلّ الانسان. هذا البرص يتآكل روح المسؤوليّة والضمير، ويصل بالمواطنين إلى أوخم النتائج. البرص السياسيّ عندنا يصبح أكثر فأكثر خطراً على الهويّة اللبنانيّة والكيان، والسبب الأساسيّ هو ضرب رأس الدولة برفض المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهوريّة ضنّاً بالمصالح الفرديّة والفئويّة، وحفاظاً على مشاريع تورّط لبنان وانتخاب رئيسه أكثر فأكثر في اللعبة الاقليميّةِ والدولية”. وتساءل: “لماذا يسعى الأطرافُ اللبنانيّون إلى آليّات غيرِ دستوريّةٍ وغيرِ لبنانيّةٍ طالما لدينا آليةٌ دستوريّةٌ تُغنينا عن أبحاثٍ لا طائلَ منها؟”.

وحذر مِن “المسِ من جهةٍ بأموالِ الشعب، ومن جهة أخرى بالنظامِ المصرفي اللبناني، لاسيّما مصرفِ لبنان المركزيّ الذي هو الرابط بين لبنان والنظام المالي الدوليّ”، مؤكداً أنَّ “موضوعاً بهذه الأهميّةِ لا يُعالج بمثلِ هذه الظروف حيث لا يُعرفُ الخيطُ القضائيُّ من الخيطِ السياسيِّ ومن الخيطِّ الشخصي”. وسأل: “هل الضميرُ مفقودٌ لدى جميعِ المعنيّين بكلِّ قطاعاتِ الحياة في لبنان؟”.

شارك المقال