“أقوياء” الشغور يعطلون المصالح المشتركة… وعويدات يحيّد عون

لبنان الكبير

يعيش اللبنانيون أسوأ أيام جمهوريتهم، وهم يراقبون بلا حول ولا حراك الدولار يطير ويفرقع، فيما “الأقوياء” الموزعون بين “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية” مشغولون بـ”جنس” الشغور وبالمزايدات لتحقيق مكاسب سياسية صغيرة على حساب مصلحة الوطن، فتراهم لا يتورعون عن إفراغ أي مؤسسة، يمكن أن تخدم الصالح العام، طالما أن صالحهم الضيق الأناني لم يتحقق.

لا بد أولاً من التوقف عند التعميم الذي أصدره النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات للجم الاندفاعة العشوائية لمدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون ضد القطاع المصرفي برمته، وفرملة محاولة الانقضاض عليه بما يرتّب هذا الأمر من مخاطر على البلاد واقتصادها. تعميم توجه به الى جميع النيابات العامة في كل المحافظات اللبنانية بما فيها النيابة العامة المالية ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، طلب بموجبه الامتناع عن طلب أي معلومة مصرفية تتعلق بالدعاوى العائدة لجرائم الفساد ومكافحة تبييض الأموال. ودعا النيابات العامة الى الامتناع عن طلب معلومات من المصارف لها صفة العمومية وغير متعلقة بوقائع مادية محددة، مشدداً على عدم طلب أيّ معلومات تعرض أيّ شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو تمس بشرفه وسمعته، مع التشديد على سرية المحافظة على الطلبات والمعلومات التي تم الاستحصال عليها من المصرف المعني والمحافظة على البيانات الشخصية، بالإضافة إلى تحديد هوية الأشخاص المعنيين بالطلب بشكل لا يثير أي التباس حول تشابه أسماء لدى المصرف المعني. كما وجه عويدات كتاباً الى القاضية عون، يطلب منها فيه وقف إجراءاتها التحقيقية مع عدد من المصارف اللبنانية موقتاً الى حين البت بالقضايا المثارة بحقها.

وتعليقاً على التعميم، اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن اجراء عويدات “خطوة أساسية على صعيد معالجة الخلل القضائي الذي حتّم عليه توجيه كتابه الى وزير الداخلية بهدف وقف مسار خطير في استخدام القضاء والقانون لتصفية حسابات سياسية”.

وأكدت أوساط مالية لموقع “لبنان الكبير” أن التعميم سيريح المصارف كما كل القطاعات بحيث ستعود الدورة الاقتصادية الى طبيعتها، وهذا أمر في غاية الأهمية في هذه المرحلة الدقيقة، اذ أن القطاع المصرفي يلعب دوراً أساسياً في استمرار الدولة واقفة على رجليها. وبالتالي، كف يد القاضية عون “مصرفياً”، وكبح جنون قراراتها واجتهاداتها الاستنسابية، سيدفع المصارف الى اتخاذ قرار فك اضرابها نهائياً في الجمعية العمومية التي تعقدها بعد غد الجمعة، وذلك بعد أن قررت تعليق اضرابها مرحلياً لأسبوع.

ولم تقتصر ضربات عون القضائية على المصارف، انما طالت عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب زياد الحواط، ورفعت معراب سقف مواجهتها معها، مؤكدة المضي في المواجهة الى حين اعلان عدم أهليتها.

رئاسياً، وبما أن الانسداد كلي في الداخل، تكثر التحليلات والتوقعات والاستنتاجات التي لا تستند الى الأدلة والحقيقة، وكل ما يحكى أو يسرّب في الوسط السياسي، وبصورة فجائية، عن تسوية قريبة في المنطقة تنعكس ايجاباً على الوضع الداخلي غير دقيقة، ولا تمت الى المعرفة والمنطق بصلة وفق أحد السياسيين المخضرمين، الذي استغرب الحديث عما يسمى “الربيع الرئاسي”، وتحديد مواعيد لانتخاب رئيس الجمهورية بين آذار الحالي وتموز المقبل بحيث أن كل ذلك نابع من استنتاجات خيالية. وبالتالي، لم يعد خافياً على أحد أن امكان التوافق الداخلي في الاستحقاق الرئاسي، دخل في المدار المستحيل لا بل أصبح من سابع المستحيلات حتى بات كثيرون يعتبرون أن البلد يتعرض لحملة تدمير ممنهجة، وأن المحن والأزمات تخطت الخطوط الحمر، وتخطت العقل والمنطق والعلم.

وفي هذه المرحلة الرمادية الخطيرة، يختلف المحللون والمراقبون في قراءة المشهد السياسي وأفقه أقله في المدى المنظور أو المستقبل القريب، اذ يرى البعض أن الأفق سوداوي، ولا حلحلة داخلية ولا اهتمام خارجي بانتظار عجيبة ما أو أمر واقع مستجد يفرض اتخاذ تدابير صارمة وعاجلة، وبالتالي، فإن مرحلة الشغور طويلة جداً، والحديث اليوم عن التحضير والتحسب للرياح العاتية التي قد تقتلع البلد من جذوره. فيما ينظر آخرون الى الواقع بنظرة أكثر تفاؤلية وفيها نوع من الايجابية، فيرون أن هناك تسوية ما تلوح في الأفق انما تحتاج الى بعض الوقت لأن الأمور في المنطقة تشهد اعادة ترتيب، وأن التقارب والتواصل بين عدد من الدول لا بد سينعكسان ايجاباً على الوضع الداخلي. وهنا لا بد من التساؤل: لماذا برز الحديث في الكواليس السياسية عن تسوية رئاسية فجائية تلوح في الأفق يمكن أن تؤدي الى ما سمي بـ”الربيع الرئاسي” في آذار أو في أبعد تقدير خلال شهر تموز المقبل؟ وهل بات من المسلم به أن عمر الشغور طويل؟

أكد أحد النواب في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “لا شيء جديد على المستوى الرئاسي، والأمور مقفلة ولا نزال في اطار البحث عن مخارج، وليست هناك أي مبادرة جدية. أما ما يحكى عن ربيع رئاسي، فنحن لسنا من أصحاب النبوءات السياسية أو التوقعات. نحن نبني على المعطيات التي لا تشير حتى هذه اللحظة الى قرب الحلول لا بل على العكس هناك تعقيدات كبيرة. ولا شك في أن الجو الاقليمي المريح يساعد، لكن تبقى المشكلة الأساس داخلية لبنانية. ثم لماذا ننتظر الانفراج الخارجي أو التعقيدات الخارجية كي نبني موقفاً من موضوع الاستحقاق الرئاسي الذي هو استحقاق وطني؟ لو كان المسؤولون يحترمون أنفسهم، لما كانوا ينتظرون الخارج ليقوم بتسوية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، انها اهانة للشعب اللبناني. واليوم، على كل وطني لبناني أن يقوم بما يمليه عليه ضميره الوطني والانساني ليسهل عملية انتخاب الرئيس ولا ينتظر أحداً. ويبدو الى هذه اللحظة أن لا أفق منظور للشغور، لكن يجب استمرار المساعي للوصول الى نتيجة”.

وليس بعيداً، أكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أمام وفد من نقابة المحررين أن “البلاد لا يمكن أن تقوم من دون رأس للدولة كما هو حاصل اليوم ولا أحد يهتم بالشعب. اليأس غير موجود في قاموسنا وعصا بكركي لن تنكسر وسنبقى نهزها كما نفعل كل أحد. هناك اتصالات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تشير الى التوافق على اسم الرئيس، ولكن هذا الأمر غير الدستور، فالحوار والتوافق داخل جلسات الانتخاب”.

وعن أداء حكومة تصريف الأعمال، قال الراعي: “كتر خيرهم يقومون بما ينص عليه الدستور”.

الى ذلك، انسحب الشغور الرئاسي مرة جديدة على البرلمان وشلّه، اذ كان من المفترض أن تعقد اللجان النيابية المشتركة جلسة للبحث في عدد من البنود أبرزها تحويل تعويضات نهاية الخدمة الى معاشات تقاعدية. الا أن تكتل “لبنان القوي” اعترض على مناقشة مشاريع القوانين الواردة من الحكومة “نظراً الى عدم دستوريّتها”، فانسحب نواب “التيار” من الجلسة. وعلى الرغم من مطالبة نائب رئيس المجلس الياس بوصعب التكتل بالعودة، الا أنه أخفق، فتم رفعها.

وأوضح بو صعب بعد رفع الجلسة أن “الخلاف السياسي المتعلق بدستورية الجلسات التي تحصل في مجلس الوزراء وقانونيتها انعكس على المجلس النيابي وهذا الموضوع أفضل طريقة لحله هو التوجه الى انتخاب رئيس الجمهورية. لكن المقلق أكثر أن حجم الخلاف الذي نشهده حتى في المؤسسة الأم وهي المجلس النيابي، يجعلنا نعرف أن انتخاب رئيس الجمهورية الى الآن أقله ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض”.

وأكد أن “علينا أن نحافظ على وحدة العمل في داخل المجلس النيابي وأن نقف مع بعضنا، ونكمل في اللجان المشتركة ونعمل في القوانين الموجودة. الأفرقاء الذين يعترضون على مرسوم محال من الحكومة حقهم في المشاركة أو عدمها، والكل يعبّر عن رأيه، ولكن أن نوقف التشريع، هذه نية ليست موجودة عند أحد ونحن سنعمل مع كل الفرقاء”، مشدداً على وجوب “أن نقوم بجهد لكي نقرب وجهات النظر بين الفرقاء لنقول للرئيس (نبيه) بري ومن هذا المنبر أن يدعو الى حوار حقيقي لأنه من دون حوار صار واضحاً أننا لن نصل الى حل. ليس لدينا خيار الا الحوار بين بعضنا البعض”.

أما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فقال: “وصل إلينا مرسوم من الحكومة تشوبه شوائب دستورية عديدة وأبرزها أنه لا يحمل كل تواقيع الوزراء ورفضنا بحثه في اللجان المشتركة قبل تصحيح الشوائب”.

ورد المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة في بيان، على باسيل، معتبراً أن ما أدلى به “يشكّل وجهة نظر غير قانونية بخلفية سياسية ممجوجة، وتتعارض مع نصوص الدستور الواضحة. أما عن زعمه بإستعمال توقيع وزير وإقتباسه من كتب واردة على رئاسة مجلس الوزراء وإدراجها في متن المراسيم، فهو أمر من نسج خيال السيد باسيل السياسي الذي يحاول، وبشتى الطرق، ولأهداف سياسية مكشوفة، أن ينسب للحكومة بشخص رئيسها أموراً لا تمت الى الحقيقة بصلة”.

أضاف: “أما بخصوص مزاعم السيد باسيل أن دولة الرئيس ميقاتي يتجاوز موقع رئاسة الجمهورية، فهو كلام مردود، وحري به وبفريقه السياسي ونوابه أن يبادروا الى القيام بواجبهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بدل انتهاج نهج التعطيل الذي بات سمة هذا الفريق، علماً أن دولة الرئيس ميقاتي يشدد في كل مواقفه على أن مدخل الحل هو في انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.

وعلى ايقاع ارتفاع سعر صرف الدولار الذي اقترب من التسعين ألفاً، أفادت معلومات صحافية أنه تم التمديد للعميد الياس البيسري 9 أشهر، وسيكون المدير العام للأمن العام بالوكالة، خلفاً للواء عباس ابراهيم. وكانت اللجنة الطبية في الأمن العام أقرّت التمديد للبيسري 9 أشهر، سيتولى هذا المنصب الى حين تعيين مدير أصيل بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. الا أن بعض المتابعين والدستوريين الذين تواصل معهم “لبنان الكبير”، فضلوا عدم التعليق على أمر غير مؤكد، ولا يمكن الاستناد الى معلومات بغض النظر عن مدى دقتها ومصداقيتها لأنه علينا الانطلاق من معطيات حقيقية لنبني على الشيء مقتضاه.

شارك المقال