بخاري يشيع تفاؤلاً بلا أسماء… و”السكون الرئاسي” مستبد

لبنان الكبير

فيما سجلت بالأمس ارتدادات سياسية على اعلان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله تبني ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بعد 11 جلسة انتخابية كانت فيها الورقة البيضاء المرشح الوحيد لـ “الثنائي الشيعي”، انشغلت الأوساط السياسية بالزيارة التي قام بها السفير السعودي وليد بخاري الى بكركي، وكانت محور الحدث الأبرز في باكورة جولته على القيادات التي ستشمل عين التينة ومعراب والصيفي.

والبداية من الصرح البطريركي حيث استقبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي السفير السعودي، الذي غادر بعد لقاء دام ساعة تقريباً، من دون الادلاء بأي تصريح. وقال المسؤول الاعلامي في الصرح وليد غياض رداً على أسئلة الاعلاميين: “السفير بخاري وضع البطريرك في أجواء لقاء باريس، كما أكد دعم لبنان للخروج من الأزمة والتزامه بدعم خريطة الانقاذ ومبادرات الدول لخلق شبكة أمان. المملكة تؤكد ضرورة الخروج بحل لموضوع رئاسة الجمهورية، لكنها لا تدخل في الأسماء انما هي مع رئيس انقاذي غير متورط بقضايا فساد مالي وسياسي، وهناك توافق بين بكركي والمملكة على المواصفات التي يجب أن يتحلى بها الرئيس. السفير استعمل كلمة متفائل جداً خلال اللقاء، لأن التفاؤل يفتح أبواب الحلول ويخرجنا من أي حالة سلبية نعيش فيها. وردّ البطريرك أن الانسان يدير الأحداث وليس العكس”.

وفي السياق، أكد أحد الوزراء لموقع “لبنان الكبير” أن “الاهتمام السعودي بلبنان موجود حتى في أحلك الظروف، خصوصاً أن السفير السعودي صديق للبنان، لكن هذه الجولة لا تعبّر عن جديد في الملف الرئاسي انما هي جولة لتقويم الوضع على الصعيد العام لأن السعودية تقول دائماً انها لن تتدخل في انتخاب رئيس الجمهورية انما تريد انتخاب رئيس انقاذي. هناك حركة ديبلوماسية في البلد، ونأمل التوصل الى ترطيب الأجواء وتهيئتها لانتخاب الرئيس. الجو العام يدل على أن انتخاب الرئيس ليس قريباً”.

أما أحد المحللين السياسيين فرأى أن “الرسالة واضحة في المبادرة العربية، ونحن دائماً نحيد عن الخط. المبادرة التي حملها وزير خارجية الكويت قبل عام، واضحة في مضمونها، وفي بنودها التي تحدد ماذا تريد دول الخليج والدول الأوروبية والأجنبية من لبنان. الخلاف اليوم ليس حول من يكون رئيساً انما حول ما سيقدمه هذا الرئيس للبنان. هل يريد لبنان المنتمي الى محور الممانعة أو لبنان العربي المنفتح الذي نعرفه؟ السفير السعودي اليوم ربما يشدد على هذه الناحية في لقاءاته، وموقف السعودية معروف في ما يتعلق بصراع المحاور وبالدور الايراني في لبنان”.

لم ترشح معلومات دقيقة عن لقاء بخاري مع البطريرك الراعي لأن المجالس بالأمانات، لكن اذا أخذنا في الاعتبار تغريدة السفير السعودي التي أطلقها بعد خطاب السيد نصر الله، فهي واضحة أي أنه ضد ترشيح فرنجية من “الثنائي الشيعي”. كما أن الزيارات لافتة، من حيث التوقيت. التفاؤل يجب أن يكون مبنياً على معطى، لكن الى اليوم لم يتوافر أي شيء يدعو الى التفاؤل. معركة الرئاسة لا تزال طويلة، وتأخذ طابع التأزيم أكثر من الحلحلة. هل السفير السعودي نقل أي معلومة الى البطريرك، بنى عليها تفاؤله؟ لا نعلم.

في الموازاة، فإن اعلان نصر الله تبني ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، للمرة الأولى منذ سبعة أشهر أي منذ انطلاق المهلة القانونية للانتخابات الرئاسية، خطوة من شأنها أن تنقل الاستحقاق الى مرحلة جديدة بحيث أن المعركة الرئاسية تكون قد بدأت بصورة جدية. وبالتالي، بات متوقعاً أن يبادر الرئيس بري الى الدعوة لجلسة انتخابية قريبة يتنافس فيها مرشح فريق المعارضة أي النائب ميشال معوض، ومرشح الموالاة أي فرنجية، وسط تأكيد أن أياً من الفريقين لن يتمكن من ترجيح الكفة، لا نصاباً ولا اقتراعاً، لمرشحه خصوصاً اذا استمرت الاصطفافات على ما هي عليه اليوم. إلا أن مصادر عين التينة تؤكد أن الرئيس نبيه بري لا يزال عند موقفه بعدم توجيه أي دعوة الى جلسة انتخاب قبل تلمس وجود توجه جدي لانتخاب الرئيس.

واعتبر أحد النواب في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن موقف نصرالله كما موقف الرئيس بري يظهر مدى تصميم “الثنائي” على خوض المعركة الرئاسية بروح التحدي أي محاولة فرض مرشحهما تحت طائلة تحميل مسؤولية الشغور والتعطيل والاستنزاف للفريق الآخر الى حين اخضاعه أو التجاوب لطروحاته. في حين رأت مصادر أخرى أن الاستحقاق دخل في مرحلة المراوحة بحيث سيحضر النواب الى البرلمان ليصوّت كل فريق لمرشحه، من دون الوصول الى نتيجة، وتتكرر الجلسات من دون التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، وحينها سيقتنع الفريقان بانعدام حظوظ مرشحيهما، وبالتالي، ضرورة الانتقال الى مرحلة الخيار الثالث.

وفيما لم يعد ينقص المشهد سوى إعلان فرنجية ترشيح نفسه، اذ من المتوقع حصول ذلك خلال أيام قليلة، مقروناً ببرنامج رئاسي واضح المعالم، أشار أحد نواب المعارضة في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن طرح “الثنائي الشيعي” مرشحه المسيحي بهذا الشكل، وكأنه يقول أدّينا قسطنا للعلى، وبعد خمسة أشهر لم نتمكن من ايصال فرنجية الى سدة الرئاسة. وبالتالي، ترشيحه اليوم يعني الذهاب نحو خيار آخر. ثم ان الرئيس بري لا يمكن أن يقبل بترشيح “الثنائي الشيعي”، بلا مشاركة مسيحية، لرئيس مسيحي خصوصاً أنه يتحدث دوماً عن الميثاقية. “الثنائي” من خلال تبني ترشيح فرنجية، يكون طوى صفحته، وانتقل الى مرحلة التفاوض، والدليل ما قاله السيد نصر الله في خطابه الأخير: “البلد يحتاج الى التهدئة والحوار والتواصل وإلّا يجب أن نتعايش مع الفراغ الرئاسي”. ومن المستبعد أن يدعو الرئيس بري الى جلسة انتخابية لأن هناك احتمالاً أن يفوز مرشح المعارضة، ثم هل يمكن أن ينتخب الرئيس بري شخصية لا تحصل على غطاء أو تأييد مسيحيي؟

ولفت أحد المتابعين الى أن ترشيح “الثنائي الشيعي” لفرنجية يعني أنه مرشح تحد، مع العلم أن الأخير كان يقول دوماً انه مرشح توافقي، ويتواصل مع الجميع، لكنه لم يرشح نفسه انما من رشحه هو “الثنائي” الذي لو كان بإمكانه تأمين انتخابه، لكان الرئيس بري أعلن موعداً للجلسة. انتخاب معوض من دون الطائفة الشيعية تحدّ، كما أن ترشيح “الثنائي” شخصية مارونية وتجاهل أكبر الكتل المسيحية، تحدٍ أيضاً. التحدي لن يوصل الى مكان، وبالتالي، كل الأسماء المطروحة للحرق وصولاً الى التوافق على اسم ثالث. الأمور الى مزيد من التصعيد ليصبح الخيار الثالث هو الأساس. فرنجية أخطأ في عدم اعلان ترشحه اذ كان يجب أن يترشح منذ أن كان في بكركي، ويعلن أنه مرشح توافقي، لكان تبدل المشهد عما هو عليه اليوم، وأقنع كثيرين بتأييد “حزب الله” له، لكن تبني الحزب له وترشيحه، تحدّ لأنه على الرغم من حيثيته المسيحية الا أن الكتل المسيحية ليست معه. ماذا يمثل فرنجية من ثقل مسيحي؟ وهل “الثنائي الشيعي” قادر على ايصاله الى قصر بعبدا؟ هناك استبعاد كلي لذلك الا اذا تغيرت المعطيات. ترشيح “الثنائي” لفرنجية يعيد سيناريو 2016، وبالتالي، نعود الى الدوامة نفسها. والسؤال الكبير في هذه المرحلة: هل سينزل “حزب الله” عن الشجرة للتوافق مع الفرقاء؟ وهل يريد استكمال مسار جر البلاد الى المحور الايراني وسلخه عن محيطه العربي؟

على صعيد آخر، سُجل تطور “دولي” لافت في ملف انفجار مرفأ بيروت. فقد أفيد أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، سيصدر بياناً موقّعاً من أكثر من ٣٠ دولة للمطالبة بلجنة تقصي حقائق دولية حول الانفجار.

من جهة ثانية، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين، أن بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك أبلغتها إستعادة لبنان حق التصويت في الأمم المتحدة بموجب إشعار رسمي، بعد أن سددت البعثة بناء على تحاويل مالية واردة لحسابها مؤخراً المساهمتين السنويتين المتوجبتين عن العامين 2022 و2023.

شارك المقال