لبنان يتلمس طريق بكين… لماذا الفاتيكان الآن؟

لبنان الكبير

فيما تتسابق عواصم العالم من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، ومن أقصى الغرب الى أقصى الشرق، لتحقيق مصالح دولها، وتأمين طريق الحرير لشعوبها، ومستقبل أكثر اشراقاً وازدهاراً واستقراراً، يواصل المسؤولون في لبنان، مسارهم التدميري للكيان والمؤسسات، ويزرعون كل أنواع الأشواك والعراقيل أمام قيامة البلد، ونهوضه من تحت ركام ارتكاباتهم. والأنكى من كل ذلك، أنهم يتقاذفون المسؤوليات أو يرمونها على دول قريبة أو بعيدة، غير مهتمين بالرأي الخارجي الجامع على ضرورة التقارب الداخلي، اذ أن ما قاله وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حول لبنان، هو الأكثر واقعية والأدق توصيفاً: “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني – لبناني لا الى تقارب سعودي – ايراني، وعلى ساسته أن يقدموا مصلحة وطنهم على أي مصلحة أخرى، وبمجرد اتخاذ هذا القرار والعمل على بناء الدولة في لبنان، فسيزدهر البلد بالتأكيد وستكون الرياض الى جانبهم”.

وبما أن المسؤولين لن يقدموا مصالح بلدهم على أي أمر آخر ما يعني أن السكون الرئاسي سيستمر الى أجل غير معروف، فالبداية مع الاتفاق السعودي – الايراني الذي لا يزال يستحوذ على اهتمام العالم أجمع، وتتعدد المواقف حوله، اذ أبدى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ارتياحه الشديد الى التطورات الأخيرة في ملف العلاقات السعودية – الايرانية، مؤكداً أن “لبنان يؤيد تلقائياً أي مسار توافقي في المنطقة خصوصاً أن المملكة العربية السعودية هي طرف فيه بما لها من ثقل عربي واسلامي وبما لها من تأثير إقليمي واسع. الارتياح الذي قد ينجم عن هذا المسار لا بد أن ينعكس ايجاباً على كل المنطقة ومنها لبنان. تهدئة الأمور ووقف التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من شأنهما أن يساهما في زيادة التنمية وبناء الانسان”. وشدد على أن “لا خيار أمامنا الا القيام بالاصلاحات المطلوبة والتعاون مع صندوق النقد الدولي، وهذا الأمر لمسته من الاجتماعات واللقاءات التي أجريها في الخارج”.

وفيما أشارت مصادر لموقع “لبنان الكبير” الى أن الرئيس ميقاتي، سيزور بكركي اليوم، قبيل مغادرته الى الفاتيكان، رحب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بـ”التقارب بين المملكة العربية السعودية وجمهورية ايران الاسلامية واستعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما بعد انقطاع دام ست سنوات”، متمنياً أن “تحصل هذه الخطوة عندنا في لبنان وصولاً الى استعادة هويته الطبيعية أي حياده وتحييده عن الصراعات والنزاعات والحروب الخارجية لكي ينصرف الى الدفاع عن القضايا العربية المشتركة وحقوق الشعوب والعدالة والسلام لكي يكون مكان التلاقي وحوار الأديان والحضارات”.

وقال: “الجرم الذي يرتكبه نواب الأمة هو عدم انتخاب رئيس الجمهورية بسبب الفيتوات على هذا أو ذاك ممن تطرح أسماؤهم. من أين حق الفيتو؟ ومن أين الحق في فرض شخص؟ فإذا شئتم الحوار، فتعالوا بتجرد واطرحوا حاجات البلاد اليوم وصوّتوا يومياً كما يقتضي الدستور، فيتم انتخاب الرئيس الأحسن والأفضل في الظروف الراهنة”.

بالتوازي، تكثر التحليلات والقراءات حول التقارب السعودي – الايراني، وتداعياته على الواقع اللبناني خصوصاً على الملف الرئاسي، اذ رأى البعض أن هذه الخطوة تعزز من حظوظ رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فيما اعتبر آخرون أن الصين باتت اللاعب المحوري، وراعية للسلام في المنطقة مقابل انكفاء الدور الأميركي بحيث لفت مستشار المرشد الايراني علي خامنئي الى أن “الاتفاق السعودي – الايراني يعتبر بداية مرحلة ما بعد الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، ويعتبر زلزالاً في الساحة السياسية، وينهي السلطة الأميركية في المنطقة”. الا ان رئيس أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية أوضح في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن الاتفاق بنصه ومضمونه وتوقيته يؤكد أن الأزمة الداخلية الايرانية عميقة ومقلقة وأن الوضع الاقتصادي في تراجع مستمر وأن الاستثمار في إثارة الحروب وتسليح الميليشيات لم يعد ممكناً. الاتفاق لا يزال حبراً على ورق، والتاريخ يعلمنا أنه لا يمكن الوثوق بالجانب الايراني، لذلك علينا انتظار ومراقبة دقة الالتزام من حيث إيقاف التدخلات وسحب الأسلحة وتغيير النهج السياسي والأمني الايراني في دول المنطقة. اعلان الاتفاق من الصين لا يعني أنها قد امتلكت أوراق اللعبة في منطقة الخليج والشرق الأوسط بل معناه أن ايران أصبحت أكثر تحت الوصاية الصينية من خلال العقود التي وقعتها معها وقيمتها ٤٠٠ مليار دولار، وتمتد لسنوات. وجاء الاعلان عن هذا الاتفاق برعاية الصين لتصبح في موقع الضامن للالتزام الايراني ببنوده، وأي خلل ايراني سيدفع الصين الى الانكفاء والابتعاد، وهذه خسارة لا تتحملها ايران التي تأمل من هذا الاتفاق فك العزلة والحصار، لكن مهلة الشهرين تحمل في طياتها الكثير.

اما على المستوى اللبناني، فقال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية: “لا بد من أن لبنان سيتأثر بنتائج الاتفاق، ومن المؤكد أن مستوى خطاب حزب الله ومن معه سيتغير، وشروطه ومطالبه ستصبح أكثر تواضعاً. وبالتالي، ليس صحيحاً أن الاتفاق سيخدم وصول فرنجية الى سدة الرئاسة لأنه مرشح ايران، ولكي يخرج لبنان من أزمته في حاجة الى وجوه جديدة تحظى باحترام دولي واقليمي، وتملك خطة اصلاحية والقدرة على مواجهة الفساد والسلاح المتفلت. هذه الشروط لا تتوافر في فرنجية ولا في مرشح الظل الذي يترك فريق ايران اسمه خارج الضوء، وهو سفير لبنان في الفاتيكان فريد الياس الخازن. في الخلاصة، مشهد محور ايران المأزوم داخلياً وخارجياً، دفع ايران الى التعجيل بالقبول بشروط التسوية المطلوبة دولياً وعربياً وخصوصاً من المملكة العربية السعودية التي تعتبرها ايران المدخل الطبيعي للتوافق مع دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى. وشرط وقف التدخل الايراني في شؤون الدول العربية ليس سعودياً وحسب، بل هو من ضمن الشروط الستة التي طلبت الولايات المتحدة تنفيذها للعودة الى طاولة المفاوضات حول الملف النووي. والاندفاعة العربية نحو سوريا عقب الزلزال كانت مؤشراً سلبياً بالنسبة الى ايران التي أدركت أن هامش الحركة والتأثير في دول الاقليم بدأ يضيق جداً. وعلى أتباع ايران مسؤولية كبيرة في تبرير مضمون الاتفاق وتوضيحه ولماذا اضطرت للوصول اليه خصوصاً أن الاعلام التابع لهذا الفريق يؤكد باستمرار تراجع المملكة العربية السعودية وانهيارها، وتفوق ايران ومحورها”.

وفي حين أن السكون الرئاسي لا يزال ساري المفعول في ظل الترقب لانعكاسات التقارب بين السعودية وايران، من المتوقع أن يستكمل السفير السعودي وليد بخاري جولته على المسؤولين خلال هذا الأسبوع في وقت يضع رئيس تيار “المردة” اللمسات الأخيرة على البيان الرسمي الذي سيعلن فيه ترشحه لرئاسة الجمهورية ولبرنامجه الرئاسي. وأشارت معلومات صحافية الى أن اعلان “حزب الله” الرسمي عن دعم فرنجية جاء بطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري بناء على رغبة السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو سعياً الى تسويق المعادلة التي روّجتها أي فرنجية للرئاسة الأولى ونواف سلام للرئاسة الثالثة.

اما على الصعيد المعيشي والحياتي، وفي ظل تسجيل سعر صرف الدولار ارتفاعاً غير مسبوق، مترافقاً مع ارتفاعات كبيرة في أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية والغذائية، نفذ عمال ومستخدمون تحركاً بمشاركة عدد من النواب، رفضاً للواقع المعيشي الصعب ولدولرة المواد الاستهلاكية والغذائية.

شارك المقال