100000 لعنة على تجار الوطن

لبنان الكبير

بعد أن تخطى سعر صرف الدولار الأميركي الـ 100 ألف ليرة، اعتبر يوم أمس يوماً أسود ليس في تاريخ الاقتصاد اللبناني وحسب، انما في تاريخ السياسة اللبنانية التي أوصل مقرروها والمتحكمون بها، البلد الى انهيار غير مسبوق في تاريخه. ولعل صرخة أحد الخبراء الاقتصاديين، هي الأكثر تعبيراً، والأدق توصيفاً للواقع حين قال في تصريح لموقع “لبنان الكبير”: “نراهم يتقاتلون، ويلهثون نحو الحصص والمراكز والمواقع، ويختلفون على شخصية رئيس الجمهورية، لكن لا بد أنهم يعيشون في عالم آخر، ولا يدركون أين أصبح البلد ومؤسساته وأهله. ألا يسألون أنفسهم أين هي الجمهورية التي يريدون انتخاب رئيس يديرها؟ ثم رئيس جمهورية على من؟ على ناس أصبحوا مخدرين من كثرة الأوجاع والضربات المتلاحقة؟ رئيس جمهورية على الركام والعدم والدمار؟ يتقاتلون على لا جمهورية ولا بلد ولا مؤسسات ولا شعب. نحن اليوم كالسيارة التي اهترأت، ولا يمكن اصلاحها، كذلك الطاقم السياسي أصبح في حالة ترهل، وبات تغييره ضرورياً جداً للقيامة خصوصاً أنه متخصص في الهدم، ونحن اليوم في حاجة الى طاقم جديد يملك عدة للبناء. طالما أزمة الدولار خانقة وليس هناك من اعادة هيكلة للمصارف، سيكمل الدولار في صعوده ولن يقف عند سقف معين. وطالما أننا نفتقد الاصلاحيين والارادة والنية والامكانية، فما الذي يمنع الدولار من الوصول الى المليون؟ ما يحصل اليوم لا يحتمل، والمعيشة باتت مستحيلة مع الارتفاع المستمر في أسعار السلع حتى أن كل شخص يشعر أنه في حاجة الى مطبعة للعملة كي يتمكن من الصمود، ولا بد أننا ذاهبون نحو انفجار اجتماعي بعد أن تخطت مصائبنا عتبة المئة ألف. واليوم الخطر الأكبر على المسؤولين لأن الجياع لن يرحمونهم”.

أما أحد النواب، فأكد أنه “اذا استمرينا في تجاهل الأزمة، فالدولة نحو التفكك والانحلال الكامل، وعلى الطبقة السياسية أن تخاف على نفسها من غضب المواطن قبل أي شيء آخر، وبالتالي، تذهب الى حلول سريعة لنستطيع تأمين امكان الصمود”.

واذا كانت التحذيرات من انفجارٍ اجتماعي – معيشي وشيك، فإن التحذيرات الخارجية من خطورة الوضع السياسي تتوالى، اذ برزت أمس زيارة قام بها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الى بيروت، وقال في دردشة مع الصحافيين لدى مغادرته عين التينة بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري: “سيكون هناك رئيس للجمهورية، والمسألة مسألة وقت ويجب أن نسرع في هذه الخطوة لأن الأمور خطيرة”. كما أكد بعد زيارته السراي حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن “مؤتمر القمة العربية سيعقد في شهر أيار المقبل في المملكة العربية السعودية، ومن المرجح أن يكون الموضوع الرئيس للقمة اقتصادياً، ويتناول كيفية مساعدة الأقاليم العربية المحتاجة”، مشدداً على أن “القمة السعودية – الصينية – الايرانية ايجابية جداً، وأن مفاعيلها الأولية هي ارساء نوع من الاستقرار السياسي والأمني بين السعودية وايران، ولكن مفاعيلها على سائر الملفات المطروحة في المنطقة غير واضحة بعد”.

أما أميركياً، فالرسالةُ التنبيهية نفسها اذ زار وفد من مجموعة العمل الأميركي من أجل لبنان “تاسك فورس فور ليبانون” برئاسة السفير السابق إدوارد غابرييل، عدداً من المسؤولين، وأعرب غابرييل عن “قلقنا الشديد من الظروف الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وقد لمسنا معاناة الشعب اللبناني في تدبير معيشته من خلال لقاءاتنا التي أجريناها في ظل عدم تاوفر الكهرباء والمياه وكل مقومات العيش، وفي ظل الركود الاقتصادي المتردي لا يمكن للمواطنين اللبنانيين ايجاد الوظائف”.

من جهة ثانية، وفيما ينتظر الجميع أن تظهر نتائج التقارب السعودي – الايراني خلال شهرين على العديد من ملفات المنطقة، وصف رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، الاتفاق بـ”الحدث الكبير”، آملاً أن “يترجم هذا التقارب بتسوية في لبنان، تفضي إلى إنتخاب رئيس للجمهورية قبل حزيران”. وقال: “لا يمكن لفريق أن يملي مرشح تحدٍ على الآخر، وأُفضّل الرئيس التوافقي الذي يملك بعداً إقتصادياً”،. واعتبر أن “الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب اللبناني لم تكن بين اللبنانيين، بل بين محاور سياسية كبرى اقليمية ودولية، ولكل محور أدوات ارتكبت تلك الجرائم”.

ورأى أحد المتابعين في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “الحركة الديبلوماسية والسياسية التي نراها بعد الاتفاق الاقليمي، تهدف الى محاولة استنباش الطرق أو الممرات التي تسمح بالوصول الى حلول معينة لأن الأجواء اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية أكثر ملاءمة من الأجواء التي كانت سائدة قبل الاتفاق الذي يريح المنطقة برمتها كما الساحة اللبنانية خصوصاً”.

وفي ظل التساؤلات عما اذا كان المسؤولون سيعودون الى رشدهم السياسي، والى ضميرهم، ويقدموا مصلحة بلدهم وشعبهم على أي أمر آخر، ويستفيدوا من التغييرات في المنطقة، ومن أجواء التقارب والايجابية لاخراج البلد من أزماته الخانقة أو أن القطار سيسبقهم كالعادة، ويستمر التراجع والانزلاق أكثر وأكثر نحو الهاوية حيث حينها يندثر البلد بمن فيه، توقع أحد النواب “أن ينعكس المناخ الايجابي الذي ساد بعد الاتفاق، على لبنان ايجاباً، وبالتالي، ربما في الأيام المقبلة أو في الفترة القصيرة اللاحقة، سنشهد نوعاً من تبادل في وجهات النظر وصولاً الى شبه اتفاق أو تسوية على تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية”، مشيراً الى أن “الطبقة السياسية التقليدية التي تمسك بزمام الحكم في البلد ليس همها الأساس مصلحة البلد انما مصالحها الذاتية، لكن لا أحد منها يستطيع تحمل مسؤولية الانهيار الكامل للبلد. وبالتالي، الجميع اليوم مأزوم ومضطر الى أن يصل الى تسوية أو الى حلحلة في الملف الرئاسي ثم وضع خطة للخروج من الأزمة الاقتصادية”. وقال: “لا بد من أن ينعكس الاتفاق السعودي – الايراني ايجاباً لأنه فرصة للطبقة السياسية كي تتمكن من التبرير أمام ناسها أنها تحاول ايجاد الحلول”.

في حين اعتبر أحد الوزراء السابقين أن “هذا الاتفاق سيساهم في حلحلة الأمور الى حد معين في الداخل اللبناني لأن الاستعدادات اللبنانية تلعب دوراً كبيراً، وسيحرر الفرقاء من سقف تحركاتهم، وسيسمح لهم إن أرادوا وكانوا جديين في الوصول الى حلول، بأن يصلوا الى تفاهم حول رئيس للجمهورية من الأسماء غير المعروفة باصطفافها أو بتحديها لأن هذا الاتفاق يعني بالدرجة الأولى نوعاً من ايقاف المعركة أو التخفيف من حدتها. ولطالما كان لبنان يعاني من مفاعيل هذا الصراع، فلا بد من أن يستفيد اليوم من مفاعيل ايقاف منسوب هذا الصراع أو خفضه. من هنا، سيسمح هذا الاتفاق للقوى اللبنانية بأن تتجه الى رئيس يكون فعلا توافقياً، ويتفق حوله معظم الفرقاء”.

وفي وقت تشير المعطيات الى أن ليس هناك أي مؤشر داخلي يبدل في المعادلة السلبية الرئاسية، لفت أحد المسؤولين لموقع “لبنان الكبير” الى “أننا اليوم في اطار مرحلة تفاوضية تمهيداً للوصول الى منطقة وسط مشتركة، ورفع السقوف حالياً لا يعني أن هناك استحالة في الوصول الى منطقة وسط، بل يهدف الى تحسين الشروط والموقع وصولاً الى تنازلات من مختلف الأطراف. ليس هناك من تصور نهائي للحل، لكن نحن في اطار البحث عن اسم غير الأسماء المطروحة، والتحركات التي نشهدها على الساحة السياسية تصب في هذا الاطار. ويبقى على المسؤولين اللبنانيين أن يتلقفوا الأجواء الايجابية في المنطقة، ويستفيدوا من التقارب بين دولتين قطبين، ومؤثرتين في السياسة، ويتخلوا عن مصالحهم الضيقة، والانكباب على تأمين مصالح البلد، وتمرير ملف انتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً أن الدول الشقيقة والصديقة تؤكد أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق اللبنانيين لانقاذ أنفسهم ثم تأتي المساعدات، وتساند البلد للخروج من قعر الانهيار”.

أما معيشياً وحياتياً، فبحث رئيسَ الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر مع الرئيس ميقاتي في اصدار مراسيم زيادة غلاء الأجور في القطاعين العام والخاص، في حين عاودت جمعية المصارف اضرابَها العام أمس، وتضع نفسها في حالة ترقّب وانتظار لما ستُفضي إليه المشاورات المفتوحة.

شارك المقال